إعلان وزارة الداخلية منذ شهر يناير الماضي عن موعد الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في السابع من أكتوبر المقبل، مستجد لفت الانتباه إليه. فهي المرة الأولى التي تعلن فيها الداخلية عن موعد الانتخابات بأزيد من تسعة أشهر، ما اعتبره العديد من المتابعين للشأن السياسي المغربي فرصة سانحة للأحزاب لتهيئ للانتخابات بأريحية أكبر. للاستعداد للانتخابات، ومن خلال المدة الفارقة بين تاريخ الإعلان عن موعدها وتاريخ إجرائها، بدا واضحا أن بعض الأحزاب تحاول السباق مع الزمن ودخول الاستحقاقات بتحالفات قبلية، رغم أن منطق اللعبة محكوم بكون التحالفات تعقد عادة بعد الانتخابات لا قبلها، لكن الواقع الحالي يظهر أن هناك العديد من المؤشرات التي تبين التقارب بين أحزاب والتباعد بين أخرى. ومن بين أبرز الأمثلة على التقارب الحزبي، "التحالف الإسلامي الشيوعي" بين حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، والذي يبدو أنه سيستمر حتى بعد الموعد الانتخابي المقبل إذا ما سمحت نتائج الانتخابات بذلك. وعلى كل حال، فإن التحالف يبقى قائما؛ بحيث يغتنم "الإخوة الشيوعيون" و"الرفاق الإسلاميون" كل لقاء بينهما ليؤكدا أن تحالفهما من أنجح التحالفات ويعربا عن رغبتهما المشتركة في استمراره. وفي الوقت الذي رسمت فيه بعض الأحزاب، ولو بطريقة ضمنية، خريطة تحالفاتها المستقبلية ووضعت خطا أحمر أمام البعض، كما هو الحال بالنسبة لإلياس العماري، في أول خروج إعلامي له بعد انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، حينما قال إنه أتى "لمحاربة الإسلاميين وحزب العدالة والتنمية خط أحمر"، فإنه لا سبيل للتأكد من صحة هذا التصور إلا بانتظار ما سيفرز عنه السابع من أكتوبر المقبل. بينما بدت بعض الأحزاب "منفتحة" على كل التيارات السياسية، كما هو الشأن بالنسبة لحزب الاستقلال الذي يبدو أنه استفاد من درس خروجه من الحكومة إلى المعارضة، وخاصة أمينه العام الذي خسر الزعامة بمدينة فاس التي تعد المعقل التاريخي للحزب. أحمد البوز، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، استبعد أن تبقى الخريطة السياسية على ما هي عليه بعد الانتخابات، باعتبار أن نتائج الاقتراع هي الكفيلة بتأكيد صحة هذا التقارب بين الأحزاب أو ذاك ومدى متانته، كما هو الحال بالنسبة لحزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، "فهذا الأخير ربما يُقدّر أن البيجيدي سيحقق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي يحاول التقرب منه أكثر، مع العلم أنه يحاول دائما أن يكون في الحكومة، وهو يعي جيدا أن عدم مشاركته فيها ضربة موجعة له، وهذا ما يفسر أنه ظل مشاركا في الحكومات المتعاقبة منذ 1998 دون انقطاع، لكن لا يمكن التأكد من صحة هذا الطرح إلا بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات". البوز، وخلال تصريحه لهسبريس، أكد أن التقارب الوحيد الذي يصل إلى درجة التحالف في الوقت الراهن هو الذي يجمع الأحزاب المشكلة لفيدرالية اليسار التي تحاول قيادة الانتخابات بشكل مشترك، "غير هذا يبقى من الصعب الحديث عن التحالفات (...) فلا حزب الآن يقول إنه إذا فاز الحزب الفلاني فهو خط أحمر بالنسبة لي، بما فيها البيجيدي والبام، كما أن الخطوط الحمراء لا تعكس حقيقة الأشياء. وفي نظري فالمجال سيكون مفتوحا على مصراعيه لكل التحالفات"، بتعبير البوز. "وكل حديث عن تثمين علاقات أو وضع خطوط حمراء يدخل فقط في إطار توظيف للخطاب السياسي في الحملة الانتخابية لا أقل ولا أكثر"، في رأي البوز الذي أردف أن "الواقع السياسي اليوم يؤكد أن معظم الأحزاب تحاول الوصول إلى التسيير والمشاركة في الحكومة وليس الاكتفاء بالمعارضة". *صحافي متدرب