توفي قائد جبهة البوليساريو، محمد عبد العزيز المراكشي، يوم الثلاثاء 30 ماي بأحد المستشفيات الأمريكية عن عمر 68 سنة. يمثل الرجل بالنسبة لأعضاء البوليساريو والمتبنين لأطروحته ذاك "القائد الذي لا كل ولا مل وهو يحارب من أجل الاستقلال"، بينما بالنسبة للمغاربة فهو ذاك "الخائن الذي خان وطنه وباع نفسه للجزائر". موت هذا الرجل المثير للجدل يثير الفرصة للكثير من الملاحظين لتسليط الضوء على شخصيته وخلفياته السياسية وأهدافه. ولد محمد عبد العزيز في المغرب وترعرع فيه إلى أن التحق بجبهة البوليساريو سنة 1973. ولد أبوه سنة 1912 وعاش طول حياته بالمغرب بعد أن عمل جنديا في صفوف القوات المسلحة الملكية إلى حدود سنة 1976. فعلى عكس والده الذي التحق بجيش التحرير بعد استقلال المغرب سنة 1956 ليحارب الوجود الاسباني في الأقاليم الجنوبية، ثم التحاقه بالقوات المسلحة الملكية بعد ذلك، فإن عبد العزيز فضل الحلم بتأسيس دولة مستقلة في جنوب المغرب. عزمه على تحقيق هذا الحلم السراب توافق كثيرا مع طموحات الجزائر التي كان لقادتها رغبة كبيرة في عرقلة مسيرة المغرب لاستكمال وحدته الترابية. وكباقي الأعضاء المؤسسين للبوليساريو، الوالي مصطفى السيد مؤسس الجبهة، مثلا، والبشير الدخيل الذي التحق بالمغرب، درس محمد عبد العزيز في الجامعة المغربية وحصل على شهادات مغربية. وكان ورفاقه أعضاء في التنظيمات والحركات اليسارية التي ظهرت في المغرب مع بداية الستينيات. وبعد موت عبد العزيز، يتساءل الكثيرون ما إذا كان رحيله سيؤشر على تغير في مقاربة البوليساريو حول الصحراء، وما إذا كانت القيادة الجديدة للجبهة ستخلق دينامية جديدة في النزاع. يبقى السؤال الأساسي الذي يطرحه المراقبون هو: هل ستكون لقيادة البوليساريو الجديدة أية رغبة في الانفتاح على المغرب والتعبير عن الاستعداد للتفاوض حول حل سياسي أم إنها ستتمسك بإرث عبد العزيز نفسه والدعوة إلى إقامة دولة مستقلة في الصحراء المغربية؟ أجندات الجزائر بالنظر إلى تاريخ الصراع طوال العقود الأربعة الماضية، وبالنظر إلى السيطرة التي تبسطها الجزائر على قيادة البوليساريو، سيكون من السذاجة وقلة النضج السياسي الاعتقاد بأن موت محمد عبد العزيز سيؤشر على بروز دينامية إيجابية في النزاع، أو أن خليفته سيمتلك رؤية مختلفة للحل السياسي. إذا كان الوضع غير ما هو عليه الآن في الجزائر، فربما اعتقدنا بأن تنصيب قيادة جديدة سيحمل بوادر تغيير إيجابي يساعد المغرب والبوليساريو على وضع حد للنزاع الذي عمر طويلا. فالكلمة الأخيرة في كل ما يدور في مخيمات تندوف ترجع إلى الجزائر التي ستُنَصب قائدا جديدا (قديما) يدافع على الأطروحة نفسها بالمقاربة نفسها التي استعملها عبد العزيز طوال 40 سنة الماضية، وهي الدعوة إلى تأسيس دولة مستقلة في المنطقة المتنازع بشأنها. لم يكن عبد العزيز في الحقيقة سوى موظف بسيط يعمل على أجرأة وتفعيل إملاءات الجزائر. ما يجب أن لا نغفله هو أن البوليساريو ليست مالكة لمصيرها. فعبد العزيز ظل على هرم السلطة في البوليساريو فقط لأنه كان يخدم أجندات الجزائر بكل إخلاص. فالذين يعرفونه ويعرفون خبايا السياسة الجزائرية الخارجية تجاه المغرب منذ سنة 1960، يعرفون أن عبد العزيز لم يكن سوى وسيلة استعملتها الجزائر لإضعاف المغرب وعرقلة مساعيه من أجل استكمال وحدته الترابية وبسط سيطرته المشروعة على الصحراء. حمل الجزائر الوديع يرجع الفضل في طول تربع عبد العزيز المراكشي على حكم البوليساريو إلى الجزائر. فما كان لعبد العزيز أن يكون قائد الحركة الانفصالية لولا رضا الجزائر عنه ودعمها له طوال الأربعين سنة الماضية. لقد أدرك الجزائريون منذ الأيام الأولى للحركة مدى انصياع عبد العزيز الذي يمكن استعماله كوسيلة في صراعهم مع المغرب. فالجزائريون هم من قتل المؤسس الأول للجبهة الوالي مصطفي السيد لأنه لم يكن ليِناً طيِعاً في أيديهم كما هو شأن عبد العزيز. فبحسب الكثيرين من قادة البوليساريو الذين عادوا إلى المغرب، فإن الوالي مصطفى السيد لم يُقْتَل أثناء الحرب بين البوليساريو وموريتانيا كما تقول الرواية الجزائرية الرسمية، بل قُتِل من طرف الجزائر بعد أن أدركت أنه مستعد للتفاوض مع المغرب بشأن حل سياسي يضع حدا للنزاع ويضمن حقوق الصحراويين في إطار السيادة المغربية على الأراضي الصحراوية. فبعد حوالي سنة من الدعم العسكري والمادي واللوجستي الذي قدمته الجزائر للبوليساريو، أدرك الوالي مصطفى السيد أن هدف الجزائر ليس هو مساعدة الصحراويين على نيل استقلالهم والعيش بكرامة بقدر ما هو رغبة منها في استعمال الصراع لإضعاف المغرب واستنزافه. ولعل هذا ما دفع السيد إلى الانفتاح على المغرب للبحث عن سبل لإيجاد حل حقيقي للنزاع، وهو القرار الذي كلف السيد حياته. ولإطالة أمد النزاع واستنزاف المغرب لأطول وقت ممكن، لم يجد الجزائريون خيرا من محمد عبد العزيز في طاعته لإملاءات الجزائر وولائه لقادتها. يتذكر البشير الدخيل، وهو أحد المؤسسين الأوائل للجبهة، كيف أن الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين صرح أنه يريد أن يجعل من النزاع حول الصحراء "حصاة في حذاء المغرب." فمنذ حرب الرمال التي دارت بين المغرب والجزائر سنة 1963 والإذلال الذي ألحقه الجيش المغربي بخصمه الجزائري، أصبح إضعاف المغرب وعرقلة جهوده في استكمال وحدته الترابية والعمل على أن لا يصبح قوة إقليمية أحد أهم عقائد السياسة الخارجية الجزائرية. بإتباع هذه الإستراتيجية، فالجزائر لا تسعى فقط إلى إضعاف المغرب، ولكن أيضا إشغاله عن المطالبة بأجزاء كبيرة من الأراضي التي تسيطر عليها الجزائر الآن، كتندوف وكلوم بشار التي كانت أراضي مغربية قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر. فقرار الجزائر إعلان حرمة الحدود الموروثة عن الاستعمار كان هو السبب الرئيسي لحرب الرمال، واتخذت الجزائر هذا القرار في تجاهل تام للوعد الذي قطعه فرحات عباس سنة 1958 بإرجاع الأراضي المذكورة إلى المغرب بعد استقلال الجزائر. استحالة التوصل إلى حل فبعد موت عبد العزيز المراكشي، الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعطي دينامية جديدة للنزاع ويساهم في حلحلة المواقف المتصلبة هو خليفة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وبتوافق مع جنرالات العسكر. لن يكون هناك أي حل للنزاع ما لم تغير الجزائر عقيدة سياستها الخارجية تجاه المغرب وتعي باستحالة قيام دولة مستقلة في المنطقة وتقبل بالمفاوضات المباشرة مع الرباط لبحث سبل إيجاد حل للصراع. لا يشك أحد في أن المشكل القائم ليس بين المغرب والصحراويين، ولكن، أساسا، بين المغرب والجزائر. لقد تم استعمال الصحراويين كوسيلة طوال الأربعين سنة الماضية من الحرب الدبلوماسية والإعلامية التي تخوضها الجزائر ضد المغرب. فبغض النظر عن آليات عمل وتوجهات قيادة البوليساريو الجديدة في علاقتها مع المغرب، يبقى العنصر الأكثر أهمية الذي يجب أخذه بالاعتبار في الأسابيع القادمة هو ما سيحدث داخل المخيمات. في السنوات الأخيرة، وبشكل مكثف في الأسابيع الأخيرة، دعت العديد من الحركات المعارضة إلى تغيير في الطريقة التي تعاملت بها البوليساريو مع الصراع حتى الآن. ولعل واحدة من هذه الحركات هي حركة خط الشهيد المعارضة التي دعت، في مناسبات عديدة، قيادة البوليساريو إلى فتح قنوات اتصال مع المغرب من أجل وضع حد للصراع. ويبقى التخوف الوحيد هو أن الفراغ الناجم عن وفاة عبد العزيز قد يثير بعض الاضطرابات في مخيمات تندوف، وسيكون من الصعب التنبؤ بما يمكن أن يحدث بعد ذلك، إذا حدث هذا. ففي هذه الظرفية الذي تعم فيها الضبابية وعدم اليقين بخصوص قيادة البوليساريو والحكومة الجزائرية، يجب على المجتمع الدولي، الآن وأكثر من أي وقت مضى، أن يتعامل مع الصراع بواقعية وأن يضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين من شأنه الحفاظ على الاستقرار في المنطقة. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News