في هذه الحلقات من حوار مطول وصريح مع المحجوب السالك منسق تيار«خط الشهيد» داخل جبهة البوليساريو، والذي أجريناه معه بالرباط يتحدث المناضل السياسي وأحد القادة المؤسسين لجبهة البوليساريو وعضو أول مكتب سياسي لجبهة البوليساريو، عن تفاصيل لم يسبق التطرق إليها بجرأة ووضوح وثقة، عن ظروف التأسيس، ومحاولة الجبهة احتلال موريتانيا ، ووفاة الوالي مصطفى السيد في ساحة المعركة بموريتانيا ، وهيمنة الجزائر على القرار ، وكيف أكلت الثورة أبناءها، وتسع سنوات من الاعتقال في دهاليز الصحراء من طرف قيادة جبهة البوليساريو ، وفي نفس الوقت اعتقال الوالد والإخوة بالمغرب ، ودور النخب المغربية ، وما المطلوب أن يعرفه اصحاب القرار بخصوص الصحراء. تم إقصاء خط الشهيد من اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي ، كيف تقرؤون هذا الإقصاء؟ بعد الموت المفاجئ للفقيد محمد عبد العزيز، نشرت قيادة خط الشهيد بيانا عزت فيه الشعب، و عبرت عن أملها في أن تكون الفرصة مواتية لمراجعة الذات وفتح الحوار الوطني، وقد جاء في البيان: «احمتو خليلي زعيم البوليساريو في ذمة الله. بعد تضارب في الآراء حول صحة السيد محمد عبد العزيز الأمين العام للبوليساريو، ودعاية تماثله للشفاء، فوجئ الصحراويون نهار اليوم بنبأ الإعلان المفاجئ عن وفاته من طرف قيادة البوليساريو بالرابوني... ونحن في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، خط الشهيد، ورغم اختلافنا الكبير معه، ندعو له بالرحمة والمغفرة وجنة الرضوان، بعد أن غادر الفانية إلى الباقية، ونعزي عائلته ووالده وأبناءه وإخوته وأخواته في هذا المصاب الجلل متمنين لهم الصبر والسلوان، قائلين قولة من أصابته مصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون... رحل عنا محمد عبد العزيز بعد 40 سنة من السلطة، لم يتغير فيها وضع الصحراويين بالمخيمات قيد أنملة، ما عدا الانتظار الممل والقاتل، والأفق المظلم، وإقامة إمارة في جنوب التندوف بالتراب الجزائري، كان يتمتع فيها بكل الصلاحيات والمسؤوليات اللامتناهية، لم تغير من وضعية اللجوء ومعاناته، أقر وقف إطلاق النار، وربع قرن من المفاوضات لم تسفر عن أي نتيجة تذكر، بل أوصلها إلى نفق مظلم لم تخرج منه بعد، إضافة إلى تمسكه بالسلطة ، والمعيار القبلي في التعامل مع الأحداث الداخلية، مما تسبب، في تصدع لوحدتنا الوطنية، و في نزيف بشري رهيب، وتشريد آلاف الصحراويين نحو المغرب والدول المجاورة، وأوروبا، ورغم ذلك واصل رحمه الله هذه السياسة رافضا فتح أي حوار أو إجراء أي انتخابات حرة ونزيهة، أو وضع حد للفساد والمفسدين في القيادة الصحراوية، أو خلق جهاز مراقبة مستقل للمحاسبة، أو الاستماع للانتقادات الصادرة من رفاقه في القيادة ومن المعارضة ومن الشعب ومن شباب الثورة... رحل عنا رحمة الله عليه والوضعية من سيء إلى أسوأ، متمنين أن يُسمح للصحراويين باختيار قيادة جديدة بعيدا عن وصاية المخابرات الجزائرية التي فرضت علينا محمد عبد العزيز سنة 1976 بعد استشهاد الولي في ميدان المعركة، ومن هنا نعلن أن اللجنة التنفيذية للجبهة الشعبية خط الشهيد في اجتماع دائم ومتواصل لمتابعة تطور الأحداث الوطنية بعد هذا المصاب الجلل، قبل اتخاذ القرار بالمشاركة في المؤتمر الطارئ أو مقاطعته بناء على نوعية وجدية اللجنة التحضيرية واستقلال القرار، من أجل أن تكون القيادة الجديدة في مستوى مسؤولية الشعور بضخامة المعاناة وطول سنوات التشرد، للبحث بجدية وصدق عن حل ينهي معاناتنا في أرض اللجوء، بدل أن يكون اللجوء أبديا، وأن تصبح أرض اللجوء بالتراب الجزائري بديلا عن الوطن... رحم الله احمتو خليلي، واسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.. بطل واحد هو الشعب وزعيم واحد هو الشهيد.» ولكن بعد تعيين اللجنة التحضيرية، ظهر لنا جليا أن القيادة بالبوليساريو ما زالت تلميذا غبيا لم تستفد من تجارب التاريخ، حيث أن أكثر من 80 في المئة من اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي، كانت أعضاء في اللجنة التحضيرية للمؤتمر المسرحية الرابع عشر الذي قاطعناه، وأكثر من 60 في المئة من أعضائها، كانوا أعضاء تقريبا في كل اللجان التحضيرية للمؤتمرات المسرحية لقيادة البوليساريو، لهذا لا يرجى خيرا كبيرا من هذا المؤتمر وليست هناك نية صادقة لفتح الحوار الوطني أو وقفة تقييمية لمسار طال أمده، وأصبحت أخطاؤه تتراكم الواحدة فوق الأخرى، لذا ستقوم قيادة الجبهة الشعبية خط الشهيد، بالتحضير لاجتماع طارئ، لاتخاذ موقف من المؤتمر الاستثنائي ، والمشاركة فيه من عدمها... p هل نعتبر رئيس اللجنة التحضيرية رئيسا مقبلا لجبهة البوليساريو ؟ n هناك تقريبا شبه إجماع، على أن إبراهيم غالي هو الذي حضّرته الجزائر، لخلافة محمد عبد العزيز في الوقت الذي ما زال هذا الأخير على قيد الحياة، ولهذا نشرت الجزائر مباشرة بعد موته شهادة مسجلة باسمه يمدح فيها إبراهيم غالي ويدعو لاعتماده كخليفة في قيادة البوليساريو. p وحسب معرفتي بالجزائر وسياستها، خصوصا منها ما يتعلق بالقضية الصحراوية، والنزاع في الصحراء الغربية، فإنها لا تترك شيئا للأقدار، بل تقوم بالتحضير لكل شيء، والمؤكد أن الجزائر وهي الملمة بالوضع الصحي للرئيس الصحراوي، منذ سنوات طويلة، حاولت التحضير للبديل حتى قبل رحيله، لهذا فالجميع بالمخيمات شبه مجمع على أن خيار الجزائر، وقع وبحضور الرئيس الفقيد على إبراهيم غالي، لماذا؟ n أولا لأنه من الرقيبات، وثانيا، لا يعرف المغرب، ولديه تجربة عسكرية، وبلا شخصية مما يجعله يدا طيعة في يد السلطات الجزائرية لخدمة أجندتهم ومصالحهم، ويعرفون كل نقاط ضعفه منذ أن كان وزيرا للدفاع، وبعد أن قضى لديهم سنوات طويلة كسفير صحراوي بالعاصمة الجزائرية... ولكن ذلك لا ينفي إمكانية حصول مشاكل أو سوء تفاهم أو صراعات قبلية، خلال التحضير للمؤتمر وإبان انعقاده، خصوصا من طرف رقيبات الشرق، أو بالضبط ما يعرف بالفقرة وإبراهيم وداوود، وهم ما يعرفون بصحراويي الجزائر، والذي لا يريدون السلطة لأبناء عمهم من رقيبات الساحل، خصوصا وأنهم هم الأغلبية والأكثرية في المخيمات وفي البوليساريو، وأصبحت لديهم بعد أربعين سنة من عمر البوليساريو مصالح وامتيازات مالية كبيرة، لا بد من الحفاظ لهم عليها، ولا شك أن الجزائر تضع ذلك في الحسبان، أضف إلى ذلك أنه في نهاية المطاف، لدى الجزائر من القوة والسلطة عليهم، ما يجعلها تفرض عليهم الرضوخ للأمر الواقع واحترام اختياراتها، لهذا فالمنافس الأول والقوي لإبراهيم غالي هو وزير الدفاع الحالي، ولد لحبيب ولد البلال، الذي يعد ابن شيخ قبائل الفقرة وإبراهيم وداوود وسلام من رقيبات الشرق، الذين هم أخواله، وعليه إجماع، شاب مثقف، قوي الشخصية، وأفضل بكثير من إبراهيم غالي، وعليه شبه إجماع من طرف الصحراويين بالمخيمات، نتيجة لأخلاقه وسلوكه وحسن معاشرته، وهو ليس معجبا بإبراهيم غالي، بل كان هو من أسماه، وزير دفاع النساء، رغم أن هذا الأخير المتواجد حاليا باسبانيا نظرا لظروفه الصحية رفض الترشح للأمانة العامة، وقد قام الكثير ممن كانوا وراءه بالدفع بالمقاتل جم سلامة الذي يتولى حاليا بالبوليساريو وزير الداخلية، للترشح مكانه لما له من سمعة طيبة لدى ساكنة المخيم تجعله الفائز من دون منازع في حالة وقوع انتخابات حرة وديمقراطية، ولكنه حتى الآن لم يعلن موافقته من عدمها للترشح، أضف لذلك وزير الدفاع السابق، محمد لامين ولد البوهالي، باعتباره جزائريا، وضابطا سابقا في الجيش الجزائري، وله تاريخ عسكري خلال الحرب يشفع ويغطي على كل أخطائه التسييرية الأخرى، بالإضافة إلى محمد خداد، وإبراهيم احمد محمود مسؤول المخابرات في البوليساريو... هؤلاء حسب وجهة نظري هم الأفراد الذين يمكن للجزائر أن تسمح بهم لقيادة البوليساريو بعد فقدان رئيسها.... p ماهي التحركات التي قام بها خط الشهيد طيلة 40 يوما بعد وفاة محمد عبد العزيز ؟ n بعد إصدارنا للبيان السابق، كنا نتابع الأحداث عن قرب، وكانت قيادته في حالة اجتماع متواصل، في انتظار إصدار البيان الذي سيحدد موقفنا من المؤتمر الاستثنائي والمشاركة فيه من عدمها، كما كانت لنا اتصالات مع العديد من الأطر الصحراوية، من أجل أن يكون هذا المؤتمر فرصة للمراجعة وللمواقف الشجاعة من أجل إيجاد حل لهذا النزاع الذي طال أكثر من اللازم، والذي آن له أن ينتهي وتنتهي معه معاناة آلاف العائلات المشتتة منذ أكثر من أربعين سنة ، والضرب بيد من حديد على عصابات المافيا التي أصبحت تتاجر بمعاناة هذه العائلات المشردة ، ولا تريد لهذا النزاع أن ينتهي. نزاع يعرقلون به تحقيق وحدة المغرب العربي التي هي حلم لكل سكانه.. ونحن في خط الشهيد متأكدون من أن هذا المؤتمر إن لم يأت بجديد يغير الوضعية الحالية، فإنه سيكون نواة لانفجار البوليساريو وربما نهايتها الذاتية....