" اذا لم تكن العفاريت والشياطين موجودة في الكون لصنعها بنكيران". 2.في خطاب التسلط ناقشنا في مقال سابق مظهر الاختناق السياسي لحزب العدلة والتنمية انطلاقا من زيف أطروحته المتعلقة بفصل الدعوي عن السياسي.وفي هذا المقال- التتمة- نناقش عناصر التسلط السياسي في مشروع العدالة والتنمية انطلاقا من استراتيجيته الخطابية المعتمدة في إدارة الصراع مع خصومه السياسيين. وفي هذا الصدد، يستوجب التذكير بأن إحدى أهم ملامح التسلط السياسي في مشروع البيجيدي يتمظهر أساسا في عنف الخطاب المعتمد. وهو الخطاب المسنود بادعائه المرجعية الإسلامية كمرجعية سياسية. وبموجب هذا الأمر،يعتمد الحزب استراتيجية خطابية تروم توهيم المجتمع بأن العملية السياسية برمتها ترتبط بإقرار إسلامية الدولة والمجتمع في أفق ما أسماه الريسوني بالتدرج من " الخلافة الناقصة " الى"الخلافة الكاملة". وبموجب هذا الادعاء يعطي الحزب الديني لنفسه الحق في اعتماد خطاب التسلط في المشهد السياسي، وفي المجال العام. وليس غريبا أن يصرح عبد الالاه بنكيران أمام منتخبي حزبه بعد نتائج الانتخابات الجماعية أن مرجعية الحزب المتمثّلة في “المرجعية الإسلامية” و”حفظ الأمانة والصدق”، هي التي كانت من بين أبرز الأسباب في المكانة التي يتواجد عليها الحزب انتخابيا، وأوصى منتخبيه” بالتمسك بالمرجعية الإسلامية. وليس غريبا أيضا أن يصرح بأن البيجيدي خرج من المساجد، أو أن السماء إذا أمطرت فهو تعبير عن الرضى الإلهي عن سياسة الحكومة... واضح، من هذه التصريحات – كما في تصريحات مماثلة- بأن حزب العدالة والتنمية يصر على خلط أوراق الديني والدنيوي، وعلى لعب ورقة الحزب ذي المرجعية الإسلامية في محاولة منه لشرعنة تواجده السياسي لعزل باقي الخصوم السياسيين وتصويرهم للرأي العام كقوى شريرة ، لا تخاف الله، ولا تصلح للسياسة. وبالتالي، وجب اجتثاثها لأنها تشكل خطرا على الأمة. ولنتذكر في هذا المقام دعوة الحزب الحاكم إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة. وحري بالذكر، أن خطاب التسلط هذا يجد أصوله النظرية المرجعية في مقولات ترتبط بالإيديولوجية الدعوية. مقولات من قبيل " النصر"، و" التمكين"، " والفتح"، و" الغزو"، " والاجتياح"...ضد " العدوان"، و" البطش"،و" الاستباحة" ،و " العار"، و" النكوص"و " التسلط"..الخ.وهذه التقابلات المرجعية يتم إسقاطها في الحقل السياسي انطلاقا من مفهوم مركزي هو مفهوم " التدافع" . وهو مفهوم فقهي لا علاقة له بفلسفة الديمقراطية وقواعدها التمثيلية. وعليه، يتم التعامل مع الخصم السياسي بوصفه عدوا يستوجب إزاحته من الساحة لأنه يناهض مشروع إقامة الدولة الدينية. وقد تسلل مفهوم " التدافع" بتزامن مع مقولة " الفلول" و " الدولة العميقة" للتأشير على أن المعركة لا تهم ترسيخ الديمقراطية بقدر ما تعني الصراع من أجل إقامة نموذج الدولة الدينية كما هو في أدبيات الإصلاح والتوحيد.. وهكذا، تسعى الإيديولوجية الاخوانية إلى تحويل مسار الصراع السياسي، بما يفترضه من قواعد دستورية، ومؤسساتية، في اتجاه ترسيخ ثنائيات خطيرة في المشهد السياسي تسعى إلى اختزال العملية السياسية برمتها في صراع بين قوى الشر وقوى الخير،دائرة المؤمنين ودائرة الكفار، دائرة المتقين ودائرة المفسدين…في محاولة لصناعة رأي عام مناصر يمنح صوته ” للحزب الديني” الذي “يغار على رسالة الإسلام والمسلمين”. وهو الحزب الذي يصور نفسه مؤهلا للدفاع عن هذه الرسالة من داخل المؤسسات، ومن بوابة الانتخابات. هكذا يشتغل العقل السياسي للحزب الديني بتوهيم الناس بأنه هو الوصي على الأخلاق ، وعلى السياسات العامة، حتى فيما يتعلق باختيارات الدولة في المجال الديني. ولتحقيق هذا المبتغى، يزاوج بين عنف الخطاب وبين خطاب المظلومية. انطلاقا مما يسميه بالتحكم. بما يعني أن دولة عميقة داخل الدولة تطارده، وتسعى إلى شل مساعيه الإصلاحية، بل والى عرقلة العملية الديمقراطية . وعليه، يشهر” أسطورة الشعب” كنقيض لأسطورة التحكم. أسطورة الشعب هاته تعني، من منظور الحزب الديني،أنه هو الممثل الوحيد والشرعي للأمة، وأنه يحضى بتفويض غير مشروط من الشعب لتبرير اختياراته وتموقعاته. وبالتالي، فالأصوات التي يحصل عليها من العملية الانتخابية كافية لإسقاط شرعية الآخرين، ولو اقتضى الأمر أن يصرح رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران في إحدى الجلسات البرلمانية بأنه لا يشتغل إلا مع من صوت عليه. وهو تصريح يترجم مفهوم الديمقراطية الشمولية التي تسعى لاغتيال التعدد السياسي من بوابة ما يسمونه بمناهضة التحكم والاستبداد. وبالتالي يتم توظيف أسطورة التحكم لخدمة غايات سياسية، على المدى القريب والمتوسط، في محاولة لترهيب وتركيع الدولة والمجتمع ، من مواقع مختلفة،بالتلويح المستمر بإمكانية قلب الطاولة وتأزيم النظام ( لنتذكر كيف كان رئيس الحكومة خلال ما سمي بالربيع العربي يردد مقولة " النار تحت الرماد")،أو في محاولة لتقويض العملية السياسية بالطعن المستمر في المشاريع الحزبية المناهضة للمشروع السياسي للحزب الديني، أو بمقايضة الاستقرار السياسي بالبقاء في السلطة. إننا هنا بصدد التذكير( إعادة التذكير) بالذهنية الأصولية التي تعمل على حصر الصراع السياسي بين قوتين..قوة الخير المطلق الذي يمثله الحزب الديني المتستر وراء الايديولوجية الدعوية والتي لا يمكن أن تعترف ب الهزيمة الانتخابية. (لأن التصريح باعتماد المرجعية الدينية يتناقض أصلا مع مفهوم التباري الانتخابي، ومع قواعد اللعبة الديمقراطية التي تفترض الهزيمة والانتصار).ثم ، قوى الشرالمطلق التي تمثلها “قوى التحكم” والتي تأخذ في كل سياق توصيفات ومسميات جديدة. تارة، ملامح ميتولوجية خفية تنهل من المعجم الديني( العفاريت)، أو من المعجم الحيواني( التماسيح)، أوباعتماد ايحاءات سياسية مضمرة كالحديث عن الدولة العميقة، أو المحيط الملكي. غير، أن الخطاب السياسي للحزب الديني يفضل عادة ألا يسمي “قوى الشر”بأسمائها الحقيقية لأن الرأسمال الرمزي في المعركة يقتضي تجييش الأنصار والأتباع ضد خصوم ينفلتون عن الضبط،أو حتى عن المتابعات القضائية لأنهم كائنات شبح توجد في أمكنة لامرئية... وحطب المعركة ووقودها هو التعبئة الإيمانية إلى حين طردها ... إن خطاب التسلط الذي يوظفه الحزب الديني بترويجه لثنائية “الشعب- التحكم"، ولأسلوب المظلومية يستهدف ربح مواقع ومساحات متقدمة في العمليات الانتخابية،وفي المشهد السياسي، تارة ، بافتعال معارك ذات طبيعة هوياتية. وهي الرقعة التي يحلو للبيجيدي أن يجر منافسيه إليها. وتارة أخرى، بالاستعاضة عن فشله في تدبير السياسات العمومية ب الترويج لأسطوانة "قوى التحكم والفساد".وهو ما يعد مظهرا من مظاهر الاختناق السياسي لمشروع البيجيدي. ..