بعد محاولات خارج أسوار السجن لمحاصرة الفكر المتطرف وسط المعتقلين، خاصة المدانين في قضايا الإرهاب بمن فيهم الموالين لتنظيم "داعش"، اهتدت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إلى خطة عملية لتعزيز التسامح داخل السجون، ينفذها موظفون وعلماء، وكذلك سجناء سيتم انتقاؤهم وتكوينهم. وتدخل الخطة ضمن مشروع دعم إصلاح المنظومة السجنية من أجل النهوض بالجوانب الإدماجية، الذي تشرف عليه المندوبية، بمساهمة الحكومة اليابانية وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية، إلى جانب الرابطة المحمدية للعلماء. وخصص للمشروع غلاف مالي قدره 864 ألف دولار، فيما أعطيت الانطلاقة الرسمية مطلع الأسبوع الحالي، بحضور مسؤولي المؤسسات الوطنية المذكورة وممثلي المؤسسات الدولية في المغرب. وتهم الخطة المذكورة تكوين موظفي السجون والعلماء في مجال "تعزيز خطاب التسامح"، ودعم قدراتهم في مجال تحليل وتقييم المخاطر الناتجة عن تفشي العنف، خاصة ظاهرة التطرف داخل السجون، فيما يهدف التدريب إلى إكسابهم المعارف والمهارات اللازمة في مجال الوقاية من التطرف والأصولية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، مع تحديد مكامن الضعف الخاصة بالسلوكيات الخطيرة. التدريب سينفذه المركز الوطني لتكوين أطر المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتيفلت، ويستهدف، في مرحلة أولى تدوم ثلاثة أيام، موظفي سجن تولال نواحي مكناس وسجن آيت ملول بأكادير، ليتم توسيعه لفائدة مؤسسات سجنية أخرى، على أن يشمل، في مرحلة ثالثة، عددا من السجناء الذين سيتم اختيارهم لتكوينهم في مجال تعزيز خطاب التسامح داخل السجون عبر أنشطة تحسيسية. في سياق ذلك، قال أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إن الهدف من المشروع يبقى "توفير بيئة سجنية آمنة وعدم إهمال المؤسسة السجنية"، على أن تنأى عن توفير "بيئة حاضنة لأي خطاب كراهية"، عبر تزويد المستفيدين من كفايات منهجية ومضمونية "تمكنهم من تفكيك خطاب التطرف والكراهية ونشر قيم التسامح". وعن محاور التدريب الأساسية، كشف محمد بلكبير، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم، أن الأمر يتعلق ب"تدابير المواجهة الفكرية للتطرف ومقولاته"، و"معرفة أسس التطرف ومفاهيمه"، و"كيف تتم صناعة التطرف"، و"المنطلقات الفكرية للإرهاب من حيث التصور والتخطيط"، و"أهمية البيئة السجنية لمحاربة التطرف وخطاب الكراهية". وبحسب أرقام رسمية، يوجد داخل السجون المغربية قرابة 890 سجينا مدانا بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرته الحكومة المغربية عام 2003 مباشرة بعد تفجيرات 16 ماي الإرهابية التي هزت الدارالبيضاء، فيما تشير معطيات حقوقية إلى أن قرابة 300 سجين تم اعتقالهم منذ 2012 إثر عودتهم من بؤر التوتر في كل من سوريا والعراق، وأن عددا منهم يحمل فكرا متطرفا واعتقل إثر تفكيك خلايا إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالمغرب. ووفق المعطيات ذاتها، فإن السجون المغربية، خاصة سجن سلا2 والسجن المركزي بالقنطيرة، تعد مشتلا لنشر الفكر المتطرف؛ حيث لا يزال عدد من السجناء موالين لفكر "داعش"، ما دفع بمندوبية السجون، في الآونة الأخيرة، إلى اعتماد نظام تصنيف جديد يعزلهم عن باقي معتقلي الحق العام، وهو ما سرّع بإطلاق مشروع نشر فكر التسامح ونبذ التطرف وسط المؤسسات السجنية.