بعيدا عن أية بروباغندا وعن أي بوليميك، كما قد نُتهم، وليشفع لنا في ذلك عدم انتمائنا أو موالاتنا لأي لون حزبي، وقريبا من الموضوعية التي تفرضها علينا المهنية والبحث العلمي، فإننا نستطيع القول إن ظهور رئيس حزب "الأصالة والمعاصرة"، السيد إلياس العماري، إلى جانب الوزراء في حفل التوقيع، يوم الخميس الماضي وهو اليوم الثاني من الزيارة الملكية للصين، هو ظهور غير موفق ويحمل علامة ناقص بالنسبة للذين يشرفون على البروتوكول الملكي هذا إذا كانوا ذوي نيات حسنة، وإذا كان الظهور جاء عمدا وعن سبق إصرار وترصد، فإن ذلك يعني إصرار بعض المقربين من السلطات العليا على عدم تقدير الأمور حق قدرها والعبث بمستقبل البلاد والعباد ! وربما كان ليس مفاجأةً للبعض أن يظهر العماري وهو يوقع إلى جانب الوزراء على اتفاقيات بين القطاعين العام والخاص، في كل من المغرب والصين، تحت إشراف وحضور مباشر لملك البلاد، ما دام أن الأمر يتعلق باتفاقيات أو مذكرات تفاهم على إقامة مشاريع مهمة بمنطقة الشمال التي يتربع "زعيم البام" على رئاسة جهتها، لكن هذا البعض غير المفاجَأ بهذا الظهور غير المألوف لرئيس جهة يوقع على اتفاقيات دولية خارج أرض الوطن، ربما نسي أو تناسى أن نفس اللقاء عرف التوقيع على عديد من الاتفاقيات التي تهم إقامة مشاريع بجهات أخرى من المملكة، ولا نعتقدها مشاريع أقل أهمية من تلك التي تستقبلها جهة طنجة-تطوان-الحسيمة. ويكفي هنا أن نذكر أن مثل تلك الاتفاقيات تهم الطاقات البديلة والتنقيب عن النفط وهما المجالان الأكثر حيوية ورهانا من لدن الحكومة وحتى السلطات العليا بالبلاد، عدا عن اتفاقيات تهم المجال الصناعي. والأكيد أن رؤساء تلك الجهات الأخرى كجهة الدارالبيضاء الكبرى-سطات، وجهة درعة-تافلالت، كانوا هم أيضا جديرين بالحضور هنالك ببكين للتوقيع على تلك الاتفاقيات إسوة بزميلهم رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، إن لم يكن من باب الانصاف والمساواة بين رؤساء الجهات، فعلى الأقل من باب اتقاء شبهة محاباة هذه الجهة أو هذا الشخص دون غيره، أو درءا لتورطٍ في تهمةِ تحضير شخصية ما لغرضٍ أو منصبٍ ما مستقبلا ! قد يكون مِن المُعقبين علينا مَن يقول إن المغرب في إطار تنزيل قانون الجهوية الجديد المتقدم، وأخْذا أيضا بعين الاعتبار مكانة الجهة الشمالية في الإستراتيجية الوطنية الهادفة إلى جعلها جهة رائدة صناعيا واقتصاديا وعلى صعيد البنيات التحتية في منطقتها المتوسطية وإفريقيا، فإنه كان ولا بد من حضور الجهة ممثلة برئيسها في الزيارة الملكية للصين حتى يقتنع الصينيون أكثر لاستثمار رؤوس أموالهم بالجهة، إلا أن ذلك لا يقوم فقط مبررا مردودا عليه وعلى أصحابه وحسب، ولكنه قد يكون مبعثا لدى الأطراف الأخرى (الصينيون) على أن يترددوا كثيرا ويحسبوها ألف مرة قبل أن يضعوا استثماراتهم بجهات أخرى من المملكة من منطلق أنهم لم يوقعوا أي اتفاق أو مذكرة تفاهم مع رؤسائها أو من يمثلهم إسوة بجهة طنجة التي مثلها رئيسُها. بل إن ما يمكن وصفها ازدواجية الشريك المغربي التي أبان عنها المسؤولون في الزيارة الملكية قد تؤدي بالصينيين -وهذا ليس غريبا على عملاق اقتصادي عالمي يحلل كل صغيرة وكبيرة على الأقل من منطلق مبدإ الرأسمال جبان- إلى التوجس وربما إلى الإعراض عن الاستثمار في الجهات التي غاب ممثلوها، في ظل الضبابية التي أحدثها تصرف المسؤولين عن البروتوكول باصطحاب إلياس العماري في "الرحلة" دون زملائه الآخرين المعنيين باستضافة الاستثمارات الصينية. ولعله من نافل القول أنه حتى في الأنظمة السياسية التي تأخذ بنظام الفدرالية حيث يتم تقاسم السلطة بين الإدارة المركزية والولايات أو الجهات لتنفيذ مختلف السياسات العمومية، إلا أن مجال السياسة الخارجية يبقى محفوظا للإدارة المركزية. هذا ردُّنا على من قد يقول إن الجهوية المتقدمة التي بدأ المغرب يأخذ بها تمهيدا لمنح حكم ذاتي مفترض لأقاليمنا الجنوبية الصحراوية، تقتضي إشراك الجهات وممثليها في تنفيذ بعض جوانب السياسات الخارجية للبلاد على غرار ما تم مع إلياس العماري رئيس حزب "الجرّار". وبعيدا عن لغو التعاليق تعالوا نتصفح بنود القانون والتشريع لنستكشف إلى أي حد يمكن الدفع بلا قانونية وجود إلياس العماري ب"الصفة" التي ظهر بها يوم الخميس الماضي، أثناء الزيارة الملكية، ولنستنتج ما إذا كانت الدوائر العليا للسلطة قد خرقت القانون عدا عن "أشياء أخرى"؛ حيث إن القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات المنشور في الجريدة الرسمية عدد 6380 الصادرة بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو 2015)، بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.15.83 الصادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015 )، ينص في المادة 82 على أن من بين ما يسميها المُشرع "الاختصاصات الذاتية" للجهة في مجال التنمية الجهوية وفيما يخص تحديدا "التعاون الدولي"، فإنه "يمكن للجهة إبرام اتفاقيات مع فاعلين من خارج المملكة في إطار التعاون الدولي وكذا الحصول على تمويلات في نفس الإطار بعد موافقة السلطات العمومية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل". ولاحظوا كيف أن القانون يحصر اختصاص الجهة على المستوى الدولي في ما سماه "التعاون" وليس إبرام اتفاقيات استثمار، وهو ما ستؤكده الفقرة الموالية من نفس المادة، التي تمنع ذلك بصراحة بالقول أنه "لا يمكن إبرام أي اتفاقية بين جهة أو مجموعة جهات أو مجموعة الجماعات الترابية ودولة أجنبية". ثم بعد ذلك تأتي المادة 101 لتُوضح بشكل أكثر جلاء مهام رئيس الجهة، حيث نصّت على عدة اختصاصات ذات طابع جهوي قبل أن تخصص له مهاما ذات بعد دولي وهي أن "يبرم اتفاقيات التعاون والشراكة والتوأمة طبقا لمقتضيات المادة 82 من هذا القانون التنظيمي". مهما يكن فإن هذا القبس من التشريع هو فقط للاستئناس ولمن يهمه الأمر عليه بالعودة لذلك ومقارنة ما تم التوقيع عليه في بكين من طرف إلياس العماري وتكييفه؛ لكن ذلك وإن كان لا يسعفنا بالحكم البات والقاطع على لا قانونية زيارة العماري، فإنه مع ذلك يجعلنا نقول إن الذين أقحموا "قائد" الجرّار في الزيارة الملكية ارتكبوا كبيرة لها ما بعدها ويكفي أن هذا الفعل جاء عشية انتخابات 7 أكتوبر التشريعية، وهي وحدها مناسبة تجعل المتتبع الرصين الذي لا تحركه أي مصلحة نفعية من أي لون حزبي أو غيره يستبعد بالمطلق "حسن النية" لدى الذين حددوا لوائح المسافرين مع الملك، بل إن ما قاموا به يبدو وكأنه تتويج سابق لأوانه بمنصب وزاري للمعني بالأمر ! فهل قُضي الأمر؟ ! [email protected] https://www.facebook.com/nourelyazid