نجحت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عبر ذراعها المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، في توجيه ضربة موجعة ل"تنظيم الدولة"، وأفشلت مخططا دمويا كان "داعش" يستعد لتنفيذه خلال شهر ماي. وراء هذا الإنجاز الأمني معطيات مثيرة يكشف عنها توقيف المواطن التشادي، سواء على مستوى التخطيط والإعداد، أو مرور التنظيم إلى السرعة القصوى لزعزعة الاستقرار في المملكة. التخطيط والإعداد للعمليات المجهضة يعد نوعيا ويعتمد على المناورة والمفاجأة والسرعة في التخطيط والإعداد وبعث إرهابيين أجانب، ولعل بهجمات سابقة شنتها تنظيمات إرهابية ما يساعد على فهم طبيعة المخطط الإرهابي الخطير. في التاسع من نونبر من سنة 2005، هزت ثلاث هجمات انتحارية العاصمة الأردنيةعمان، أوقعت العشرات بين قتيل وجريح، وأعلن تنظيم الزرقاوي، الذي يعد النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية، مسؤوليته عن الهجمات. فعلى الرغم من مهنية الأجهزة الأمنية الأردنية على المستوى الإقليمي، فإن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين تمكن من تنفيذ هجمات عنيفة. وأظهرت التحقيقات أن الانتحاريين استأجروا شقة مفروشة في عمان بعد يوم من دخولهم الأردن عبر العراق، ونفذوا عمليتهم في اليوم نفسه؛ حيث إن الخلية الإرهابية دخلت الأردن بدون أحزمة ناسفة، فيما تكفلت عناصر أخرى بإعداد المتفجرات. عنصر الزمن وسرعة التنفيذ المباغت وتوظيف الانتحاريين الأجانب، لم يترك للأجهزة الأمنية الأردنية الفرصة في تحديد سبب دخول الانتحاريين العراقيين الأربعة إلى الأراضي الأردنية. بين عمانوطنجة، قواسم عديدة مشتركة. فالمعطيات المتوفرة، إلى حدود اليوم، تبرز أن المواطن التشادي، الملقب بأبي البتول الذباح، اعتمد على عنصري الزمن والسرعة؛ حيث ولج التراب الوطني عبر مطار محمد الخامس بالدار البيضاء في الرابع من ماي. مدة قصيرة لم تتجاوز عشرة أيام تمكن خلالها موفد "داعش" إلى المغرب من تحديد الأماكن المستهدفة في كل من الرباطوطنجة عبر التقاط صور لها، واقتنى المعني بالأمر كميات هائلة من مواد لصنع المتفجرات والأحزمة الناسفة في ظرف زمني قياسي. التحريات الأولية تشير إلى مخطط كبير يعتمد على هجمات انتحارية متزامنة، وهو ما يفسر شروع المواطن التشادي في صنع أحزمة ناسفة. لكن السؤال الذي لا يزال مطروحا هو: من هم المنفذون؟ وهنا يمكن طرح فرضيتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بأن تنفيذ المخطط كان يعتمد على إمكانية ولوج عناصر انتحارية، سواء من دول الساحل الأفريقي أو القارة الأوربية، لتنفيذ الهجمات الانتحارية في يوم دخولهم، على غرار ما وقع في اعتداءات عمان. أسلوب المباغتة يمكن من عدم ترك أي آثار أو دلائل للمصالح الأمنية المغربية من أجل التعقب وتحديد سبب قدومهم إلى المغرب، وما يعزز الفرضية هو عدد الأحزمة التي شرع المواطن التشادي في تصنيعها. الفرضية الثانية تكمن في وجود خلية نائمة أعضاؤها مغاربة كانوا يستعدون للحصول على المواد المتفجرة، فيما كانت مهمة التشادي إعداد القنابل استعداد لتسليمها للمنفذين بفضل خبرته في المجال. تظل مجرد فرضيتين في انتظار أن تسفر التحقيقات عن حقيقة المخطط، لكن إيفاد قيادي "داعشي" إلى المغرب يكشف مرور التنظيم الإرهابي إلى السرعة القصوى لاستهداف أمن المملكة. وينبئ المخطط الإرهابي بتصاعد حجم الأخطار القادمة من الساحل الإفريقي أو من القارة الأوربية التي يتواجد فيها عدد كبير من الخلايا الأوربية المرتبطة بتنظيم الدولة، والتي نفذت عمليات في بروكسيل وباريس. وحملت مشاهد توقيف الإرهابي في طنجة، عندما انبرى عشرات المواطنين في التصفيق والهتاف بمهنية الأمن المغربي، رسائل قوية؛ في مقدمتها وقوف المغاربة صفا واحدا في مواجهة الإرهاب. كما أن التصفيقات تشير إلى قوة الإصلاحات التي شهدها جهاز أمني لطالما ظل عمله مطبوعا بالسرية والكتمان لسنوات، قبل أن ينتقل إلى دائرة الضوء بعد سلسة إجراءات قانونينة. إصلاح هام صفق له المواطنون بطنجة وجنب البلاد حمام دم، عكس تجارب في المنطقة لا يزال ذكر اسم جهاز المخابرات يثير الرعب في النفوس. * صحافي بقناة ميدي1 تيفي