بعد المأساة الأسرية التي باتت تعرف إعلاميا بفاجعة "القدامرة"، والتي راح ضحيتها 10 من أفراد عائلة الجاني باستعمال سلاح أبيض، بدأت تطفو على السطح مشاكل المختلين عقليا، الذين باتوا يزرعون الرعب والهلع في قلوب المواطنين المغاربة صغارا وكبارا، حين يهمون بالاعتداء عليهم في واضحة النهار، أو إلى تهشيم الواجهات الزجاجية وتكسير محتويات المحلات بسبب أزمة عصبية. ويحكي مجيد.ش، من مدينة مراكش، لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مختلا عقليا كان يصلي مع الناس في المسجد في الصف الأول، وما إن سجد المصلون حتى أخذ حجرة تيَمُّم وهوى بها على رأس الإمام، فانطلق جاريا، ليودع بمستشفى الأمراض العقلية بالمدينة.. "وبعد يومين من الحادث عاد الشخص نفسه ليتجول في الحي"، يقول المتحدث. مريم.م، التي تشتغل مُدرسة بقرية "بويا عمر"، نواحي العطاوية بقلعة السراغنة، أكدت أنها كانت متوجهة صوب المدرسة على الساعة السابعة والنصف صباحا، ليفاجئها مختل خرج بغتة من أحد قنوات الصرف الصحي، متابعة بالقول: "فوجئت لرؤيته فأخذت أجري وهو يتبعني ويصيح.. وكان عاريا تماما. لولا فضل الله لتمكن من اللحاق بي..كنت أسرع منه بكثير وتمكن بعض الرجال من إيقافه"، وأضافت: "ظل الأحمق يظهر في أحلامي ﻷيام عديدة عقب الحادث، وظللت خائفة من سلك الطريق نفسها". مدينة زاكورة كانت مسرحا لجريمة بشعة راحت ضحيتها والدة مختل عقليا، أمعن في تقطيع أطرافها والتمثيل بجثتها، وفق عبد الله. ط، بعد أن ظلت العائلة تناشد مسؤولي قطاع الصحة بضرورة إلحاق ابنها المريض بمستشفى الأمراض العقلية دون رد إيجابي. كما أن مريضا عقليا آخر كان ينوي قتل أفراد أسرته عن طريق استعمال سلاح أبيض، فتصدى له شقيقه وضربه، ليموت المختل وتحكم المحكمة على قاتله بعشر سنوات سجنا. ولعل أكثر المؤاخذات التي ترفضها ساكنة بعض المدن المغربية، كقلعة السراغنة وأكدز وبرشيد، ما له علاقة بالأخبار التي تؤكد أن سيارات محملة بالمرضى العقليين تحل بمدنهم ليلا لتفرغ حمولتها وتترك المختلين مشردين في الشوارع دون رقيب، خاصة عقب إفراغ "بويا عمر"، وهي "الإشاعة" التي نفاها البروفسور عبد الرحمان المعروفي، المدير العام لمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض، مؤكدا أن جميع المرضى العقليين الذين تم الإفراج عنهم خلال عملية "كرامة" تقوم الوزارة بتتبع حالاتهم داخل المستشفيات، وأن 40 مريضا من أصل 795 طلبت عائلاتهم باصطحابهم للمنزل عقب تحسن حالتهم النفسية والعقلية. وأفاد البروفسور، في حديث مطول جمعه بجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن العائلات المغربية لم يعد بمقدورها الاعتناء بقريبها المريض مرضا نفسيا أو عقليا، كما أن الحكومات المتعاقبة على المغرب منذ الاستقلال لم تضع يوما ملف التكفل بالأمراض النفسية والعقلية ضمن أولوياتها، ما راكم عددا من الإشكاليات التي لازال يعانيها المغرب رغم الجهود المبذولة لإنجاح المخطط الوطني الذي يلزمه مزيد من الوقت لتظهر نتائجه جلية. وأحصى المسؤول عن مديرية الأوبئة بوزارة الصحة أهم الإنجازات التي قامت بها الوزارة للنهوض بمجال الصحة النفسية والعقلية خلال السنوات الأخيرة، عبر اهتمامها بسد نقص العرض الاستشفائي وبناء 3 مستشفيات جهوية متخصصة في الأمراض النفسية في كل من قلعة السراغنة وأكادير والقنيطرة، مع تنفيذ توصيات منظمة الصحة العالمية بألا تكون المستشفيات معزولة عن المدينة، بالإضافة إلى خلق مصالح مندمجة للصحة النفسية داخل المستشفيات العمومية، وهو ما تم إنجازه في مدن الناظور وتزنيت وبوعرفة وسيدي بنور والبيضاء والشاون، ولازالت أخرى في طور الإنجاز بخنيفرة وخريبكة والجديدة وأزيلال. وأشار البروفسور المعروفي إلى أن المخطط الوطني يهتم بتقديم المساعدة والدعم للأسر والعائلات عبر إنشاء مؤسسات وسيطة تعمل على إعادة إدماج المريض اجتماعيا، ودعم الأسر تربويا ونفسيا لتهييئهم للتعامل مع المريض النفسي أو العقلي، فضلا عن إشراك فعاليات المجتمع المدني في الموضوع، والرفع من عدد الأطباء والممرضين المتخصصين في الأمراض النفسية والعقلية، ومحاربة الإدمان المسبب للأمراض العقلية عبر إحداث 6 مراكز بكل من وجدة والرباط ومراكشوالناظور وتطوان وطنجة، و3 أخرى في طور الإنجاز بالحسيمة وفاس وأكادير، مع إقرار قانون يحمي حقوق وحريات المرضى النفسيين والعقليين بالمجتمع وبالمؤسسات العلاجية، ويحميهم من الاعتداء والاستغلال.