بسم الله الرحمن الرحيم سمعنا صرختك أيها الأخ المكلوم،وسمع الله قول الذين يجادلونك في ما ذقته من العذاب والنكال،ولو شاء الله لانتقم من جلاديك، ولكن يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء! عن هشام بن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه مرّ بالشام على أناس من الأنباط ، وقد أقيموا في الشمس ، وصُبّ على رؤوسهم الزيت! فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج! وفي رواية: حبسوا في الجزي،فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا"،فدخل على الأمير فحدثه ، فأمر بهم فخلوا سبيلهم، رواه مسلم وأبو داود وغيره. فتعذيب الناس من الكبائر ، لأن الشارع رتب عليه الوعيد والعذاب يوم القيامة ، بل هم أشد الناس عذابا،لكن هل يدري هذا الجلاد ما هو عذاب الله؟ إن بطش ربك لشديد!! قال تعالى:( إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما)، وقال سبحانه: (إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر)، وقال عز من قائل : (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثمّ ينجيه، كلا!إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى). ومن علامات الساعة التي أخبر عنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وظهرت، ومازالت في استمرار: كثرة الجلادين، الذين يحملون بأيديهم الهراوات، يضربون بها أبشار الناس، ظلماً وعدواناً، وهم أعوان الظلمة. أما هؤلاء الذين يجلسون الناس على "القراعي" أو يغتصبونهم دون حياء أو وجل، فلا أدري ماذا يكون حالهم إذا أوقفوا بين يدي الجبار يوم القيامة، يوم يقال لهم : ( وقفوهم إنهم مسؤولون، مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون) أما قرأت أيها الفتان قوله تعالى: ( إن الذين فتنوا المومنين والمومنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق)؟ ! عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال أو قال : يخرج رجالٌ من هذه الأمة في آخر الزمان معهم سياط، كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه".رواه أحمد والطبراني وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وصححه الحافظ ابن حجر.فالاعتداء على الناس ظلم، وإعانة الظلمة ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس.. " الحديث رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك إن طالت بك مدة، أوشكت أن ترى قوماً، يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنة الله، في أيديهم مثلُ أذناب البقر" رواه مسلم. ولما ابتلي الإمام أحمد في محنة خلق القرآن سأله مرة أحد جلاديه: " هل نحن أعوان الظلمة ؟"، فأجابه الإمام: " لا !! بل أنت من الظلمة، أعوان الظلمة هم الذين يخيطون بدلتك..." لو كان استقرار البلد مرتبطا بوجود معتقل " تازمامّارت" أو معتقل " تمارة " أو غيره من المعتقلات، لكانت تونس أكثر بلاد الدنيا استقرارا، فقد حوّلها الطاغية بنعلي إلى معتقل كبير، وأبدع في تعذيب معارضيه، وزرع الرعب في المجتمع، نصف سكانه يتجسس على النصف الآخر!! لكن كان من مكر الله أن تهاوى نظامه البوليسي تحت صدى صرخة البوعزيزي، وأصبح رأسه مطلوبا للعدالة!! ولو كان استقرار البلد مرتبطا بشدة بطش الجلادين، لكانت مصر أكثر بلاد الدنيا استقرارا،فالسجن الحربي و" ليمان طرة" وغيرها من المعتقلات التي سارت بذكر شرّها الركبان، لم تغن عن النظام المصري شيئا، وقيل لرئيسه المخلوع ووارث عرشه : " أدخلا السجن مع الداخلين "!! إن استقرار البلد مرتبط بإقامة العدل وتكريس النظام الديمقراطي بمؤسساته الإعلامية الحرة وقضائه المستقل وأحزابه القوية، وتحسين ظروف العيش لدى مواطنيه، ومحاصرة آفة البطالة بإيجاد الشغل لحملة الشهادات، وإصلاح الصحة والتعليم، والضرب بقوة على أيدي المتلاعبين بأموال الشعب، وتقديم المتورطين في ملفات الفساد للعدالة لتقول كلمتها فيهم،وإشاعة روح التضامن لدى فئات المجتمع. لسنا اليوم بحاجة إلى مغرب إذا حكمه اليساريون زجوا بخصومهم الظلاميين في السجون والمعتقلات باسم الحداثة ومحاربة الإرهاب، وأفسدوا المقررات الدينية، وفتحوا الخمارات وأغلقوا دور القرآن!! وإذا حكمه الإسلاميون زجوا بخصومهم الملاحدة في السجون والمعتقلات باسم الدين،وأسكتوا المهرجانات ولعنوا المتبرجات! كلا! المغرب اليوم بحاجة إلى جميع أبنائه لطي صفحة الماضي وبناء مغرب حديث،مغرب يتعايش فيه الإسلامي إلى جانب اليساري،والسلفي إلى جانب الحداثي،والأمازيغي إلى جانب العروبي،وهذه الشابة المتبرجة التي بكت " الشارف" إلى جانب أختها المتنقبة !! مغرب الحوار المفتوح بين كل الأطراف، حوار يتناول كل القضايا بدون حرج وبلا حدود،بدءاً من قضايا الإلهيات إلى قضايا الخبز والبطالة، مرورا بقضايا الحكم والتداول السلمي على السلطة، وليس التداول الدموي على السجون والمعتقلات!. فبالأمس القريب كان اليساريون ضيوفا على السجون المغربية، ذاقوا ويلاتها ومسهم من حرّها وسمومها ولفحتهم سياطها،وجاء العهد الجديد، عهد الإنصاف والمصالحة، فتمّ إدماج جزء منهم في دواليب الدولة، فهل تمّ القطع مع ثقافة الإقصاء وتدبير المؤامرات ضد الخصوم السياسيين والأعداء الإيديولوجيين والزج بهم في السجون؟! أم أن للدولة بنيتها وشخصيتها التي تفرضها على كل من تلبس بالسلطة؟! فتجعله رهينا لمقتضياتها، خاضعا لحساباتها وتوافقاتها، عاجزا أمام منطقها الصارم!! من حق المغاربة اليوم أن يهتموا لمستقبل بلدهم، ويتخوفوا عن مصير أبنائهم وهم يرقبون بحذر ما يجري عند جيرانهم،فالشعب الليبي يحترق تحت قنابل الأخ القائد! والشعب اليمني في عصيان مدني يواجه حاكما متصلبا يزعم أنه كره السلطة لأنها مغرم وليست مغنم، لكنه متشبث بها في انتظار تسليمها للأيادي الآمنة! والشعب السوري يواجه رصاص فلول حزب البعث بصدور أبنائه العارية، ويرفع صوته مطالبا بالحرية ! والشعبين المصري والتونسي العظيمين في كرّ وفرّ ضد قادة الثورة المضادة! أما الشعب الجزائري فملحمته الثانية لم تبدأ بعد،ويوم يأذن الله لها بالخروج فستكتب تاريخا للمنطقة بأحرف من نور،يوم ترفع شعار " الشعب يريد إسقاط جنرالات فرنسا" ! المغاربة اختاروا أن يصنعوا ثورتهم الهادئة " ثورة الملك والشعب" بما يتناسب وتاريخهم والثوابت التي توافقوا عليها ، فسجلوا عناوينها يومي 20 فبراير و 9 مارس،لكن التهديد مازال قائما من لوبيات الفساد الذين لن يتورعوا عن عرقلة مسار الثورة الهادئة كما فعلوا بعد أحداث 16 ماي التي لم يحل بعد لغزها!لكن الذين ظلموا في هذا الملف يجب تعويضهم بما يسمح لهم بالاندماج في مجتمعهم، وربما يكون بعضهم بحاجة لعلاج نفسي جراء ما تعرض له من إهانة لكرامته، فعلى الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها في جبر الضرر، حتى لا نعرض مؤسسات الدولة لمخاطر الانتقام الأعمى،أما هذه العصابة التي تحدث عنها " الشارف "، والتي لا تقل إجراما عن العصابة " السلفية " التي قتلت في غزّة مؤخرا بوحشية الناشط الاجتماعي والصحفي الإيطالي فيتوريو أريغوني،هؤلاء لا يجوز أن يفلتوا من العقاب بعد أن هبت الشعوب تطالب بحقها في تقرير مصيرها.