إن الإهمال في تربية الطفل ذنب لا يغتفر وإن موت الطفل خير من أن يترك بلا تعليم، وعليه نجد النظم التعليمية عبر العالم، تُسابق الزمن بغية تحديث مناهجها الدراسية، فسرعة التطور العلمي والمعرفي جعل شعار اليوم يحمل عقيدة معلنة لحاقا ، فغدت بذلك مناحي التفكير لإعادة النظر في سُبل التدبير التربوي ضرورة مُلحة لا مفرّ مِنها . وهو توجه اعتمدته جميع الدول خصوصا تلك المرتبة في سلم التدهور ، وغالبا ما تعزى مشاكلها إلى الإمكانيات المادية ، وهي حقيقة لا تكتفي التقارير الدولية والوطنية برسمها، بل حتى المسؤولين القيمين على هذا المجال يعترفون بذلك، وفي السياق ذاته عقدت الوزارة الوصية على القطاع لقاءاتها التشاورية مع مختلف الشركاء التربويين والاجتماعيين والحكوميين والمهتمين بالشأن التربوي، لإخراج مشروع إصلاحي يرتكز على تسعة محاور ذات الأولوية مرتبة كما يلي: 1- التمكن من التعلمات الأساسية؟ 2- التمكن من اللغات الأجنبية 3- دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني 4- الكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي 5- تحسين العرض المدرسي 6- التأطير التربوي 7- الحكامة 8- تخليق المدرسة 9- التكوين المهني و تثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة. فهل محاولات الإصلاح هذه قد هدفت إلى تشكيل مدرسة ديمقراطية تقوم على المساواة وتعكس مبادئ الوطن؟ بعد أن كانت المدرسة انعكاسا مباشرا للانقسام الاجتماعي بين الفقير والغنيّ التي لم تنجح في تجسير الفرو قات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، الأمر الذي بدا جليّا من خلال ارتفاع نسب الرسوب بين شباب الطبقات الفقيرة وتخليهم عن متابعة مسارهم الدراسي . بسبب انعدام العدالة الاجتماعية حتى في أرقى قطاع ( التعليم) يساهم في تنوير المجتمع و ازدهاره. وهو ما يتعارض مع "المدرسة" التي ينشدها الميثاق الوطني المتسمة بالحياة والإبداع والمساهمة الجماعية في تحمل المسؤولية تسييرا وتدبيرا ،فأين هي مدرسة المواطنة الصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان ؟ وهل سيشعر المتعلم بسعادة التلمذة من خلال المشاركة الفعالة في جميع أنشطتها ؟ كيفما كان الواقع وكيف ما كان سبيل الإصلاح ومقوماته نرى أن التدابير ذات الأولية أغفلت التربية الروحانية للطفل المغربي كأحد الركائز الأساسية الذي يساهم في بناء الحضارة الجديدة والتي تعترف بالمبادئ الكونية الشمولية التي تساهم في اتحاد العالم ورفاء جنسه البشري، فتعويد النشء على اكتساب الكمالات الروحانية لا يمكن أن ينفصل عن تقدم العالم نحو المدنية على حد سواء كانت وطنية أم عالمية لأنهما مرتبطتان معا، أي أننا لا يمكن أن نتحدث عن التعليم الأخلاقي بالطريقة التي اتبعتها البرامج السابقة، ولا نتكلم عن أخلاقيات محدده لفرد بل ارتباطها بالجانب الاجتماعي وبناء الحضارة المدَنِية التي تعتمد على كيفية اكتسابنا للكمالات الروحانية داخل المدرسة . إذا فكرنا بهذه الطريقة يتضح لنا أن التربية الأخلاقية لا يمكنها أن تقاس بمعزل عن القوى التي تشكل المجتمع ولا بمعزل عن تلك القوى التي تخلق الحركة في التاريخ ، فتلك القوى يجب أن تعمل على خلق حضارة جديدة تنطلق من المدرسة كمؤسسة اجتماعية وتربوية صغرى ضمن المجتمع الأوسع ، يقوم بتربية النشء وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع لتكييفهم معه . وحسب إميل دور كايم فالمدرسة ذات وظيفة سوسيولوجية وتربوية هامة أي أنها فضاء يقوم بالرعاية والتنشئة الاجتماعية وتكوين المواطن الصالح . فهل نحتاج إلى مواطن صالح فقط ؟ أم صالح و في نفس الآن فعال؟ إن مفهوم التربية الأخلاقية يختلف حسب تقدم العصر وتبقى الأخلاق هي الأخلاق، والتربية الأخلاقية هي اكتساب تلك الصفات ، إنما تبقى حقيقة واحدة يجب أن ندركها وهى إدراك معنى الصفات الروحانية والأخلاقية وطرق تطبيقها ، فالتطبيق العملي ليس ثابتا في كل الأزمان ، ففي المجتمعات المتقدمة تأخذ نفس الكلمات معاني جديدة كليا ، وما لم نعرف معانيها الجديدة فنحن نفقد أهمية التربية الأخلاقية ككل وحتى في تعليم أطفالنا داخل المدارس وهذا جانب أخفقت التدابير ذات الأولوية في إصلاحاتها الأخيرة . فإذا كنا نتكلم عن تطور الفضائل والقوانين الأخلاقية فنحن لا ندرك تماما أننا نشتغل بنفس الطرق القديمة والتي كانت متبعة منذ مئات السنين متجاهلين احتياجات العصر التي أصبح من الضروري مواكبتها ومسايرتها . وقد أشار السيد عباس" أفندي" عبد البهاء في إحدى كتاباته المترجمة على أن : " العالم يتطور من جميع الجهات، إن قوانين الحكومات والحضارات السابقة في تغيير وتراجع ، تتطور الأفكار العلمية والنظريات و تتقدم لتواجه ظاهره جديدة ، فالاختراعات والاكتشافات التي تمت حتى الآن تكشف عن عجائب وأسرار مكنونة للعالم المادي ، الصناعة والإنتاج في اتساع كبير وعالم اليوم والبشر في كل مكان في احتضار عنيف وفى حالة انفعال ، ففعاليات الأوضاع القديمة تتجدد مع ظهور عصر جديد ، مثلما الأشجار القديمة التي لا تعطي ثمرا ، كذلك فالأفكار والأساليب القديمة مهملة ولا قيمة لها الآن فان كل مستويات الأخلاقيات والقوانين الأخلاقية وطرق المعيشة السابقة ليست كافية للعصر الحالي عصر التقدم والرقي . " فعندما نبدأ التفكير في سياق الكلام عن الأخلاقيات والتربية الأخلاقية يتضح بأن التغيير هو نظام اليوم ، أي أنه يجب الأخذ في الاعتبار تغيير الأخلاق وليس الاحتفاظ بحالة الأخلاق وإذا كان عالمنا اليوم تتجاذبه قوتان (الهدم – البناء) وفي ظلهما يتأرجح مؤشر بناء الحضارة بتطورها العلمي والتكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي فالأساس مرتبط بالخيارات التي تم اكتسابها حسب مفهوم الأخلاق الملقّن للطفل داخل المدرسة. فعندما يُنجِب المجتمع عالِما صالحا أو طالحا فهو رهين بالفهم الجديد للفضائل وبالخيارات التي كيفما كانت يبقى أساسها أخلاقيا والعكس صحيح. إن التربية الأخلاقية التي نحتاجها اليوم داخل المدرسة المغربية هي تربية تطبيقية بالأساس حتى تنتج لنا فردا أخلاقيا بما تحمل الكلمة من معنى بعيدا كل البعد عن المفهوم التقليدي للفرد الأخلاقي ،لأننا لا نحتاج اليوم فقط إلى فرد صالح بل يجب أن يكون فعالا داخل المجتمع وهذا ما يجب أن تهدف إليه برامجنا التعليمية اليوم فنحن نحتاج إلى أخلاقيات إنسان نشِطٍ وفعال لأن الفرد الأخلاقي غير الفعال لم يعد إنسانا جيدا وكافيا، يجب أن نطور نظام التربية الأخلاقية لكي نخلق أفرادا قادرين على بناء حضارة جديدة وقادرين في نفس الوقت على جلب التغيير، ومن الأجدر بإصلاحاتنا الجديدة الانتباه إليه ، لأن الحياة المدرسية ترتكز على مجموعة من المقومات أهمها انفتاح المدرسة على محيطها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وأنها مجتمع مصغر من العلاقات الإنسانية والتفاعلات الإيجابية. إن قدرة الفرد أخلاقيا على تغيير العالم كأحد الأهداف التي تسعى إليها إنسانيتنا المعذبة، تعاني مسألة التعثر والإخفاق التي لا تخص قطاعا بعينه، فهي تشمل قطاعات متعددة (الصحة، الشغل، الصناعة، الإعلام، الثقافة والعدل....) كما تشير إليه التقارير الدولية حول وضعية البلاد، وبالتالي فهو حسب المتتبعين ظاهرة مجتمعية مرتبطة بطبيعة القيم المجتمعية السائدة في المجتمع، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بقدرته -الفرد -على تغيير نفسه ، وتطوير نظام التربية الأخلاقية ،هذا يعني أن نظام التربية الأخلاقية عليه أن يهتم بأخلاقيات الفرد وفي نفس الوقت يهتم بتغيير بنية المجتمع ليخلق القدرة لدى الفرد لتغيير المجتمع بند أساسي لابد لنا من الانتباه إليه في الإصلاحات الأخيرة المرتبطة بميدان التعليم في وطننا العزيز .