قراءة في القوانين الجديدة لتدبير الموارد الطبيعية. تقديم : إن محاربة ممارسات الفساد و وضع الحد لسلوكات الريع المستشرية لعقود طويلة ليس بالأمر الهين ، لكونها تجذرت في مختلف مستويات التدبير و التسيير وتغلغلت في ثقافة الأفراد وفي واقع المجتمع ، حتى أصبحت تلك الممارسات جزءا من حالة عامة ترسخت إلى درجة تستحيل مواجهتها بقرارات وإجراءات بسيطة . الأمر بالتالي يتطلب إقرار آليات وميكانزمات ذات آثر عميق موجهة لجذور الداء ، سواء منها المؤسساتية أو التشريعية أو الثقافية كما أن صعوبة الموقف مرتبطة أيضا بصعوبة تقييم الوضع وتقييم آثار الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه الظواهر حيث بسهولة يمكن التبخيس و التنقيص من أي إجراء يتخذ وبشكل غير موضوعي وغير مؤسس على حجج ولا على مؤشرات. الحكومة ومن خلال برنامجها ليناير 2012 أقرت مجموعة من التوجهات المؤسسة لقواعد محاربة الفساد والريع خصوصا في مجال تدبير الموارد الطبيعية ، مؤكدة على ضرورة الإنتقال من منطق مؤسس على تفويت الإمتياز إلى منطق مؤسس على الإلتزام والتعاقد ودفاتر التحملات. كما أن المخطط التشريعي الذي التزمت به حكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران هو في جزء كبير منه يستهدف اعادة النظر في العديد من التشريعات وفق هذا المنظور ، مع وضع أخرى جديدة ترسيخا للمنطق الجديد وتجاوزا للوضع السابق . ونسجل ضمن هذه التشريعات : 1- القانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة. حيث أن وضع هذا القانون يعتبر ضروريا كإطار شامل للمحافظة على البيئة وعلى الموارد الطبيعية ولإقرار التنمية المستدامة. ويهدف بالأساس كما جاء في مادته الأولى الى تعزيز حماية الموارد والأوساط الطبيعية والموروث الثقافي من الإيذاءات ومكافحتها مع تحديد التزامات الدولة والجماعات الترابية وباقي المؤسسات منها مؤسسات المجتمع المدني ، وارساء نظام للمسؤولية البيئية ونظام للمراقبة ، حيث أن المادتين (34) و (35) من هذا القانون نصتا على وضع نظام قانوني للمسؤولية البيئية يوفر مستوى عال لحماية البيئة يلزم بإصلاح الأضرار والتعويض عليها ، مع احداث شرطة البيئة لتعزيز سلطات الإدارات المعنية بالخصوص في مجالات المراقبة والتفتيش والوقاية أيضا ، عموما فهذا القانون يهدف تقنين كل الجوانب المرتبطة بالبيئة ومواردها حفاظا عليها ودرءا لسلوكات الإعتداء عليها ومنها ما يرتبط بسوء استغلال الموارد الطبيعية في إطار ممارسات الريع المتعددة الأوجه ويضع لأول مرة نظاما واضحا للمسؤولية والالتزام. 2- قانون الساحل : 12/81 المتعلق بالساحل حيث لأول مرة تمتلك المملكة المغربية قانونا خاصا بالتدبير المندمج للمجال الساحلي يحافظ على التوازنات البيئية وعلى الموروث الطبيعي والمواقع التاريخية والإيكولوجية وعلى المناظر الطبيعية بهذا المجال. ويأتي لإيقاف سوء الاستغلال البشع للسواحل المغربية الذي دام لعقود طويلة حيث تم الاستحواذ على السواحل والشواطئ إلى درجة أن البعض أغلقها على العموم وتم تجزيئها لتصبح وقودا للمضاربات العقارية وللإغتناء الفاحش . و تنامت بشكل ملفت مظاهر الترامي عليها خارج القوانين والأعراف ، وكانت وسائل الإعلام الوطني كثيرا ما تشير إلى خطورة الموقف وتتابع وقائع بعينها حيث تقام تجزئات يستفيد منها المحظوظون على الواجهة البحرية للملكة دون مراعاة أدنى الإشتراطات البيئية والطبيعية والإجتماعية ، وكان استغلال النفوذ هو القوة القاهرة في هذا الإطار ، وتم بذلك احتلال أحسن شواطئ المملكة والأضرار بعدد آخر حتى أن الواجهة البحرية التي كانت مصدر إعتزاز وفخر للمغرب لعقود طويلة بحسن استغلالها وبأساطيله القوية ، أصبحت مع الأسف واجهة للإعتزاز بالشقق والفيلات وحتى بالشواطئ الخاصة التي تملكها البعض بالترامي. القانون الجديد جاء في عهد هذه الحكومة ليوقف هذا النزيف في مجال عرف فراغا كبيرا تم استغلاله بشكل بشع وجاء مؤسسا على أربعة أهداف : المحافظة على التوازنات الإيكولوجية والطبيعية وعلى الموروث الطبيعي والثقافي . الوقاية من تلوث وتدهور الساحل. ضمان حرية ولوج العموم إلى شط البحر. تشجيع سياسة البحث والابتكار بهدف استصلاح الساحل . ولتحقيق هذه الأهداف جاء بمقتضيات تهم الزامية اعداد المخطط الوطني للساحل والتصاميم الجهوية للسواحل ، في إطار تشاركي مع المؤسسات المنتخبة خصوصا منها الجهوية وفي إطار واضح وشفاف يضع الحد للسلوكات القديمة ويؤسس لمنطق حسن التدبير في إطار المصلحة العامة . وجاء هذا القانون بتدابير صارمة لأول مرة منها تحديد منطقة المنع حيث أن المادة (15) تنص على إحداث شريط بعرض لا يقل عن 100 متر من الساحل يمنع فيه البناء إلا وفق استثناءات محددة ومضبوطة تخضع لدراسة التأثير البيئي. وأيضا نص على منع استغلال الرمال أو استخراج أي مواد اخرى من الشواطئ ومن الشرائط الكثبانية ومن الجزء البحري للساحل إلا في إطار شروط واضحة تروم في الأصل إعادة الإستصلاح أو القيام بأشغال الجرف أو تهيء مواقع طبيعية أو قصد الحماية من البحر ، وهذا وفق المادة (24) من هذا القانون التي جاءت لتقطع مع أساليب نهب رمال الساحل الذي كان ساريا لعقود طويلة وأضرت بتوازنات الساحل ومثلت مصدرا للاغتناء الفاحش على حساب هذه الأوساط الطبيعية . كما أن المادة (22) نصت على أن احداث التجمعات العمرانية وتوسيع القائمة يتم في اتجاه المجالات الأكثر بعدا عن الساحل وذلك لتصحيح الوضع القائم حيث مع الأسف تمت السيطرة العمرانية على أجمل المجالات الساحلية والشاطئية لبلادنا. نفس القانون نص في مادته (29) على حرية الولوج إلى شط البحر وذلك لإنهاء عمليات الاحتكار والسيطرة على الشط التي ظهرت في العديد من المناطق إلى درجة أن البعض يهئ شواطئ خاصة ويحدها ويمنع عموم المواطنين من ولوجها. المادة (36) قننت استعمال المركبات المائية ذات المحرك خارج الأماكن المخصصة لذلك التي تضر بحقوق الآخرين وبسلامتهم وبهدوء الشواطئ ورونقها. والمادة (37) تنص على منع طرح المقذوفات المسببة للتلوث في البحر إلا وفق شروط وحدود معينة تؤدي عليها إتاوات. وقد نص هذا القانون ايضا ومن خلال مادته (44) على آليات المراقبة وضبط المخالفات ومعاينتها ، كما نصت المواد المحددة للمخالفات والعقوبات الزجرية. 3- القانون 33.13 المتعلق بالمناجم تعتبر المناجم ذات أهمية اقتصادية كبيرة على الصعيد الوطني ، وبالرغم من ذلك فقد ظل استغلالها مقيدا ومرهونا بقوانين تعود إلى بداية خمسينيات القرن الماضي (ظهير 16 أبريل 1951) مما لا يتلاءم مع التطورات الحاصلة في هذا المجال ولا مع تطلعات بلادنا بهذا الخصوص وتركت المجال مفتوحا أمام سوء استغلال وتدبير القطاع المنجمي. القانون الجديد جاء بتوسيع مجال تطبيق التشريع المنجمي ليشمل كافة الموارد المعدنية ذات الإستعمال الصناعي باستثناء مواد البناء والهندسة المدنية والرخام والكرانيت. القانون الجديد أيضا يشترط التوفر على القدرات التقنية والمالية لمن يرغب في استصدار تراخيص الاستكشاف أو البحث أو الاستغلال ، وذلك لتجاوز إشكال الحصول على التراخيص بدون قيود واستغلالها في المضاربات بيعا وشراء وكراء وحتى إبطال مفعولها ، كما كان مع الأسف ساريا في الماضي ، حيث أشخاص لا علاقة لهم بالمجال ولا طاقة لهم بالاستغلال المنجمي يحصلون على هذه الرخص والمتاجرة والمضاربة فيها مما يمثل وجها من أوجه الريع الخطير المبدد لثروات البلاد والكابح لحسن استغلالها. وقد تم الوقوف على أشكال من هذا الإستغلال السيء كما حصل مؤخرا في استغلال منجم تورزة للحديد بجماعة أيت الفرسي مما أفضى إلى اضرار بيئية وأضرار بالمنشآت واستغلال جد سيء للمقدورات المنجمية. كما ينص هذا القانون أيضا على إحداث ترخيص خاص بالفضلات والركام و الأنقاض المنجمية ، وهو مجال يعرف أيضا سوء استغلال بشع ونوع من الإستغلال الريعي الضار بالبيئة وبالأشخاص المستغلين لذلك.( حالة منجم تيويت الأخير نموذجا). كما جاء هذا القانون لينظم أيضا مجالات غير مقننة من قبيل استغلال المستحثات والأحجار النيزكية والتمعدنات الجيو- حرارية ، وكلها تعرف استغلالا سيئا يضر بالموارد الطبيعية للبلاد ويمثل ايضا وجها من أوجه الريع. كما أن القانون الجديد جاء بأحكام تتعلق بدارسة التأثير البيئي ومخطط التخلي وذلك حفاظا على البيئة وضمانا لاستعمال مستدام للموارد المعدنية ، وقطعا للطريق أمام تصرفات كثيرة تضر بالبيئة وبعقلنة وحكامة تدبير هذه الموارد. 4- قانون رقم 27.13 يتعلق باستغلال المقالع تجدر الإشارة هنا إلى أن بلادنا عرفت فراغا في هذا المجال خصوصا في الفترة الممتدة بين اعتماد القانون 01/08 سنة 2002 إلى حدود اعتماد القانون الجديد ، فراغ لم تتمكن بالشكل المطلوب دورية السيد الوزير الأول عباس الفاسي سنة 2010 من ملأه ، فراغ رافقته علامات استفهام كثيرة . حيث لم يتم اخراج النصوص التنظيمية لتنفيذ نص 2002 في ظرف سنة كما نص عليه ذلك القانون نفسه في مادته -61- ليتم إجهاضه و ليبقى قطاع المقالع لسنوات عديدة في شبه انفلات حيث شهد المغرب أكبر عمليات للنهب لهذه الخيرات أفضت إلى إلحاق أضرار كبيرة بالبيئة وأفرز ذلك الوضع واحدا من أكبر تجليات ممارسات الريع والفساد في استغلال الموارد الطبيعية ببلادنا. القانون الجديد نص على تعميم مسطرة طلبات العروض لفتح واستغلال المقالع ، وإعداد مخططات جهوية لتدبير المقالع إضافة إلى تحديد الآجال للبث في الطلبات مع تعليل قرارات الرفض وربط كل استغلال بالتعاقد في إطار دفاتر التحملات وفق شروط المهنية اللازمة مع إقرار الزامية تحيين دراسات التأثير البيئي. وهي إجراءات جاءت لتعزيز الإشتراط البيئي لاستغلال المقالع مع الضبط الجبائي وإيقاف الإستغلال العشوائي والإستنزاف الخطير للثروات حيث أن ظهير 05 ماي 1914 جعل من المقالع ملكا خاصا يكفي لاستغلالها استصدار رخصة ادراية بسيطة . أيضا نص هذا القانون على إلزامية إعادة تهيئ مواقع المقالع (المادة 34) بعد الانتهاء من الإستغلال مع تعزيز المراقبة (المادة 42). 5- القانون رقم 58.15 يقضي بتنغير وتتميم القانون 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة. جاء هذا القانون في إطار ترسيخ وتثبيت خيارات بلادنا في توجهاتها الإستراتيجية التي تهم المجال الطاقي خصوصا التوجه نحو دعم خيار الطاقات المتجددة ، ويأتي بمقتضيات تدخل في باب ما قد نسميه الخيار الشعبي في إنتاج الطاقات المتجددة خصوصا الطاقة الشمسية أو دمقرطة انتاجها وتدبيرها. حيث سيمكن هذا الإطار الجديد الخواص وعموم المواطنين من انتاج الطاقة انطلاقا من المصادر المتجددة مع إمكانية ضخها في مختلف مستويات الشبكة الوطنية وبيع الفائض. وهذا بالفعل سيحد من كل أشكال الإحتكار بهذا الخصوص ويمكن الجميع من إمكانية الاستثمار في هذا المجال والمساهمة في دعم توجهات بلادنا بهذا الشأن ، و يساعد على تجاوز اشكالات الخصاص الطاقي والتكلفة الطاقية وتفاوت الولوج إلى مصادر الطاقة.