بعد توالي صدور العديد من التقارير الدوليّة حول حرية الصحافة والإعلام بالمغرب، كجزء من منظومة حقوق الإنسان ومرجعياتها الكونية، وهي ذات التقارير الصادرة عن هيئات ومنظمات دولية، أخرها التقرير الصادر عن منظمة "أمنستي"، والتي عادة ما تبوِّءُ المغرب مراتب متقهقرة ومتأخرة في سلّم التصنيف العالمي، كما تَلقى – أي التقارير- انتقادات من طرف المسؤولين المغاربة بحكم ما تتضمنه من "حيف" و"استخفاف" و"إنكار" لجهود المغرب التي يبذلها في هذا المجال – وفق ما يؤكده المسؤولون المغاربة دائما رغم ما تحمله من موضوعية ومؤشرات واقعيّة -، بعد كل هذا، أصدرت وزارة الاتصال ال "تقرير سنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة سنة 2015"، والذي يرصد "تطور هذه الحرية بالمغرب استناداً على مختلف المؤشرات المتعلقة بحرية الصحافة والإتصال، المعتمدة من طرف منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة - اليونيسكو"، تبعا لما جاء في الملخص التمهيدي من ذات التقرير الرسمي الذي قدّم مختلف الاجراءات والتدابير المتخذة من طرف الحكومة المغربية خلال سنة 2015، عبر تسجيل "حصول تقدّم في تنزيل مختلف السياسات العمومية المرتبطة بقطاع الصحافة والإعلام"، من خلال إعمال 115 مؤشر تضمنها التقرير، رغم أن هذا العدد من المؤشرات لو كان دالاًّ حقا على الواقع كما هو، لكان المغرب يتصدر قائمة الدول العالمية على صعيد تقدم وتطور مستويات حريات التعبير والصحافة والإعلام وتعددية الرأي السياسي والفكري، والتنوع الثقافي والاجتماعي. فهل يرقى فعلا ما تضمنه التقرير الصادر عن وزارة الاتصال حول وضعية تطور حرية الصحافة بالمغرب إلى مستوى الرهانات ودينامية الإصلاحات الجذرية، القانونية والسياسية والمؤسساتية والاجتماعية، وكل ما يرتبط بالنموذج الاقتصادي الناجع، لمنظومة الإعلام السمعي البصري، بموازاة إكراهات وتحديات الإعلام المكتوب وتحولات الإعلام الإلكتروني أو الرقمي؟ وهل تَقدُّم بعض المؤشرات وتفعيل جملة من الاصلاحات، يعكس حقيقة واقع تطور حرية الصحافة والإعلام بالمغرب، لاسيما ما يرتبط بحرية التعبير والرأي؟ وإلى حدّ سيكون قانون 13.88 المتعلق بالصحافة والنشر، وقوانين أخرى تمت المصادقة عليها خلال السنة المنصرمة، القاطرة التي تقود إلى إحقاق منظومة إعلامية ديمقراطية، تعدّدية، قائمة على حرية التعبير والتعدّدية السياسية واللغوية والاجتماعية والمجاليّة؟ 1 محور الحرية ركز ال "تقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة سنة 2015"، على جملة من الاجراءات والتدابير المتخذة على المستوى الحكومي والبرلماني، منها جهود وزارة الاتصال الوصية على القطاع، وهي الاجراءات التي تعكس، وفق التقرير، "مؤشرات التقدم في حرية الصحافة بالمغرب خلال سنة 2015". والواقع أنه، رغم الأهمية التي تكتسيها هذه المؤشرات، فإنها لا تعكس حقيقة وضع حرية الصحافة بالمغرب، لاسيما ما يتعلق بالحماية المؤسساتية للصحافيين من الاعتداء على سبيل المثال. علاوة على الجوانب المرتبطة بالحق في الوصول على المعلومة وفق قانون 13-31 الذي نصّ في ديباجته على أن حق الحصول على المعلومات من الحقوق والحريات الأساسية تبعا لمضمون الفصل 27 من دستور 2011، وكذا وفق ما تقره المواثيق والمعاهدات الدولية (المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 10 من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد...)، وقضايا أخرى سبق وأن كانت موضوع تدخلات وانتقادات منظمات مهنية، تتعلق أساسا بمدونة الصحافة والنشر التي صادقت عليها الحكومة يوم 23 دجنبر 2015، وهو ما سجله مثلا بلاغ الفيدرالية المغربية لناشري الصحف في شأن مدونة الصحافة والنشر التي تسيء ل "حق المجتمع في إعلام حر ومتعدّد ولصورة المغرب الحقوقية. ينضاف إلى أن المؤشرات الرقمية ليست دائما هي ما يعكس مستوى تطور حرية الصحافة، إذ أن الأخيرة، هي ممارسة ومبادئ وقواعد ديمقراطية ومناخ سياسي، قبل أن تكون أرقاما تتعلق مثلا بعدد بطائق الصحافة المُسلّمة، أوى بعدد الصحف الصادرة أو التي تتلقى الدعم العمومي. 2- محور التعدّدية أكد تقرير وزارة الاتصال الصادر مؤخرا على أن سنة 2015 "شهدت تعزيز مبادئ التعددية والخدمة العمومية في الاعلام السمعي البصري"، كما تم الارتقاء بالتنوع اللغوي في الشبكات البرامجية في وسائل الإعلام التلفزية والإذاعية. إضافة إلى جملة من المؤشرات التي قدّمها التقرير المذكور. وإذا كان التقرير المذكور أكد على التطور الحاصل في هذا المجال خلال السنة الماضيّة، فلا ينبغي أن يكون ذلك التأكيد بمثابة الغربال الذي يريد حجب واقع التعددية في المنظومة الإعلامية، لاسيما منها الاعلام السمعي البصري. والحال أن هناك من المؤشرات التي تبرز محدودية تقدم مستويات الحرية والتعددية في الإعلام العمومي بالمغرب. كما أن في عدم تطبيق العديد من البنود الواردة في دفاتر التحملات 2013- 2016، التي تشكل ضوابط ومرجعيات هذه المؤسسات الإعلامية، ما يؤكد هذه المسألة. ينضاف إلى ذلك، الفشل في تنزيل مقتضيات إصلاح المنظومة الإعلامية السمعية البصرية تبعا لسياسة تؤسس لمفهوم جديد لما يسمى ب "الخدمة الإعلامية العمومية"، بشكل يساير تحديات التنافسية والمهنية والتطوير في ظل مشهد إعلامي لا يخضع للإصلاح والتغيير إلاّ وفق جرعات قليلة تبطء من ديناميته. علاوة على تعزيز جودة المنتوج الإعلامي وتطوير- تأهيل الحقل السمعي البصري تبعا لقواعد الاستقلالية، والحرية والتعددية والديمقراطية. أما التساؤل الأهم، ونحن بصدد التطرق لمستويات التعددية والحرية في المشهد الصحفي والإعلامي بالمغرب، لاسيما المشهد السمعي البصري لمحوريته وأهميته وحيويته في المجتمع، فهو تساؤل يتعلق أساسا بمساءلة واقع التعددية المرتبطة بالتنوع اللغوي والثقافي والمجالي في الإعلام العمومي، خاصة ما يرتبط بتعزيز الأمازيغية وإدماجها في المنظومة الإعلامية، وهو واقع لا يختلف كثيرا عن مشهد إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية بالمغرب، وهو واقع لا يرقى لمستوى رهان المصالحة مع الذات والهوية ورد الاعتبار الحقيقي لهذا المكون والعنصر الجوهري، على أساس سياسة إعلامية متوازنة وديمقراطية. (تجدر الإشارة هنا إلى تسجيل عدم تنزيل مقتضيات دفاتر التحملات الخاصة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، لاسيما ما يتعلق برفع عدد ساعات بث القناة الأمازيغية بشكل تدريجي في أفق سنة 2016، إذ أنه منذ أزيد من 5 سنوات من انطلاق هذه القناة، ورغم تجاوزها لصعوبات وتعثرات البداية، لازال مشروع تأهيلها وتعزيز إمكانياتها لترقى ل "قناة وطنية عمومية" تقدم خدمة إعلامية بنفس امكانيات القنوات الأخرى، لازال هذا المشروع أشبه بالوضع الرسمي للغة الأمازيغية كما نص الدستور عن ذلك، لكنه وضع معلق ومؤجل في غياب القانون التنظيمي). أما التقرير المذكور الصادر عن وزارة الاتصال الخاص بجهود النهوض بحرية الصحافة بالمغرب خلال السنة الفارطة، فلم يسجل سوى "تعزيز دور قناة تمازيغت بإضافة 7 برامج جديدة"، في غياب خطوات وانجازات هامة في هذا الصدد تهم تأهيل وتطوير القناة الأمازيغية ضمن شبكة – أخطبوط إعلامي تبدو فيه هذه القناة معزولة وغير مرغوب فيها. 3-محور الإستقلالية والحماية رغم تسجيل التقرير المذكور عدم وجود أية حالة مس للسلطة التنفيذية باستقلالية وسائل الإعلام، وإقرار مشروع قانون لإحداث المجلس الوطني للصحافة، وكذا تعزيز أنظمة التقنين والشفافية للإعلام السمعي البصري على مستوى ضمان الاستقلالية، ثم تراجع عدد حالات الاعتداء أو التضييق على الصحافيين أثناء مزاولة عملهم بأزيد من 50 ℅مقارنة مع سنة 2014، واعتماد تشريعات لحماية الصحافيين وعدم صدور أي حكم سالب للحرية في حق الصحافيين ضمن الإجراءات الخاصة بتعزيز الحماية، ورغم الأهمية التي نسجل بها ما شهدته المشهد الإعلامي خلال ال 10 سنوات الأخيرة، على المستوى القانوني والمؤسساتي والاقتصادي، فإن تعزيز هذين العنصرين لا يرقيان لحجم الرهانات المطروحة والتحولات القائمة، في ظل بطء سير قطار ورش إصلاح هذا القطاع، ولعل من أبرز القضايا المطروحة كتحدي ضمن هذا النطاق، ما يتعلق بسؤال استقلالية وحرية الصحافة بالمغرب، بكل مداخلها وآلياتها ومتطلباتها. على العموم، ورغم الجهود المبذولة في إطار ورش إصلاح الإعلام بالمغرب، وهو السؤال الذي ما فتئ يؤجل طيلة سنوات عدة، فإن رهان إحقاق تغيير الواقع الإعلامي أصبح متزايدا بحدة أكثر أمام راهنية هذا التحدي، بشكل يؤسس لمنظومة تشتغل بقواعد مهنية وبضوابط الاستقلالية والتعددية والحرية والديمقراطية والجودة والتنافسية وتقديم الخدمات العمومية للمواطن. هذا الأمر، بطبيعة الحال، لا ولن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية ومنظور استراتيجي على مستوى التدبير ورسم سياسات عمومية ناجعة في مجال الصحافة والإعلام تساير التحولات المتسارعة والتحديات المفروضة على إعلام محوري، لكنه مقيّد بثقل إكراهات الاحتكار والرقابة في بلد يعيش ازدواجية وتردّد.