قبل نحو أسبوع بمدينة سلا كان أتباع عبدالإله بنكيران رئيس الحكومة وزعيم الحزب "الإسلامي" العدالة والتنمية، ومعهم المغاربة، مع موعد آخر ومع خرجة إعلامية أخرى لا تشبه مثيلاتها شكلا وإنْ كانت مضموناً تصب في خانة نفس مثيلاتها السابقات، وهي خانة التزلف والخداع والمكر والتدليس، للدفاع عن مغانم الحكم وأبهة المنصب. بنكيران الذي كان يتحدث في لقاء نظمه حزبه حاضّاً إياهم على الابتعاد عن ما سماه نهج أسلوب "ابتزاز الدولة"، أردف قائلا بعدما أشار إلى أنه كلام قد يكون قاسيا عليهم: "أنا مرةً قلت لسيدنا شوف آسيدنا وخا تديني للسجن أنا ديما معاك" !! ولأن ظاهر هذه الرغبة الجامحة لرئيس حكومة في الدخول إلى السجن تفيد بما لا يدع مجالا للشك مجرد واحدة من طرقِ التمسح والتملق الكثيرة التي ما عادت تخلو من خطابات بنكيران المتعددة، إلا أن فضول المتتبع تجعلنا نتساءل عما إذا كانت هناك أسباب أو لنقل سياقات معينة ومحددة جعلت الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يتفوه بما ذهب إليه؛ ومن باب الفضول أيضا نرصد السياقات التالية الأقرب إلى الافتراضات: - ربما كان هناك حديث مع الملك بصفته رئيس الدولة عبارة عن تأنيب لرئيس حكومته، حول قضية ما رأى فيها رئيس الدولة فشلا أو تقصيرا من طرف رئيس الحكومة قد يجر على البلاد والعباد مشاكل هُما في غنى عنها، تماما كما أيقظ الملك ذات صباح بمكالمة هاتفية رئيس الحكومة من نومه باكرا، وأمره بالذهاب إلى مدينة طنجة لحل أزمة فواتير الماء والكهرباء التي كادت أو بدأت في إشعال احتجاجات الشارع. بحيث أن إقرار بنكيران نفسه بأن الملك اتصل به بتلك الطريقة "النادرة" يعني أن أعلى سلطة في البلاد استشعرت خطرا داهما، هو في الأول والأخير من تدبير السلطة التنفيذية، قد يحل بالدولة والنظام جراء غضب شعبي نقلت مواقع التواصل الاجتماعي ومنابر إعلامية عدة بدايات تشكّله. فتبع التأنيبَ تهديدٌ معين قد يكون في الغالب التلويح ب"سحب الثقة الملكية" منه كرئيس حكومة، فرد بنكيران بقوله ذاك الموغل في الخضوع والخنوع ! - استحضار بنكيران تجربة مِصر المريرة للإخوان المسلمين، وإدخال قياداتهم البارزة يتقدمهم الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي السجن، بعد فترة قصيرة فقط على حكمهم؛ إذ أن الانتماء إلى نفس الإيديولوجية الدينية لجماعة الإخوان المسلمين ول"جماعة" عبدالإله بنكيران التي تجسدها دعويا وواقعيا "حركة التوحيد والإصلاح"، هو انتماء ثابت ولا ريب فيه وإن ظل "إسلاميو التوحيد والإصلاح" يتقدمهم زعيمهم بنكيران ينفون أية صلة لهم ب"الإخوان" منذ بداية مآلاتهم المأساوية في أرض الكنانة، وما تبعها من اعتبارهم "جماعة إرهابية" من لدن أنظمة سياسية عربية مؤيدة للنظام المصري الحالي الذي أسس له ويقوده جنرال عسري، هذا وحده سبب كافٍ ليظل بنكيران يعيش على ما يشبه وضعية "المتهم" الذي يريد التبرير لمن يهمهم الأمر على براءته في كل المناسبات. وقد يكون السيد بنكيران في هذا الإطار قد تلقى إشارات أو إيحاءات من الملك تفيد ب"اتهامه" ب"الأخونة" أو حتى لمجرد أن خُيل له ذلك، فانبرى المسكين يعقد مقارنة بينه وبين المسكين مرسي القابع في السجن رغم أن لا وجود لأوجه المقارنة. ولأجل أن يبدي حسن النية أكثر والتبرئة من هذا الانتماء المفترض قال للملك إنه معه دوما وليس ضده حتى وإن أدخله السجن، وكأن لسان حاله يردد أنه بعكس مرسي الذي يرفض الاعتراف بالنظام الذي أطاح به فإنه (بنكيران) سيظل مع الملك يؤيده وإن من زنزانته بداخل السجن. - وهناك سبب أو سياق آخر له علاقة بالذي سلف ويتعلق باحتمال مرض السيد بنكيران (نطلب الله أن يستره) بما يسمى مرض "الوسواس القهري"، وهو المرض النفسي الذي عرّفه المختصون بأنه "نوع من الاكتئاب أو انعدام السعادة أو الراحة لدى الإنسان، مما يدفعه للبحث عن أي شيء غريب يمكن أن يفعله لا شعوريا، للترويح عن نفسه والإحساس بنوع من تفريغ الطاقة حتى بشيء غير معقول"! (عن موسوعة ويكيبيديا). ولن نتعب كثيرا إذا ما رجعنا لخطب بنكيران وتجمعاته لنجد أمثلة كثيرة من تلك الأشياء "غير المعقولة" التي قالها بنكيران؛ فمِن ترديده "لازِمة" أنه وحزبه "أنقذوا" المغرب من "الضياع" على غرار ما شهدته وتشهده بلدان في محيطنا العربي من أحداث حوّلت "ربيعها" إلى نارٍ تأتي على الإنسان والعمران. إلى قوله ذات خطبة بأنه يشعر أن حياته في خطر ومعتبرا ذلك "استشهادا وجهادا" في سبيل الله والملك والوطن. ثم حديثه في مناسبة أو دون مناسبة عن أنه مع الملكية إلى درجة بات معها ملكيا أكثر من الملك، كما يقال. إلى حديثه الأخير عن طلبه للملك بإيداعه السجن ليظهر له تعلقه بالعرش العلوي، كلها أمور "غير معقولة" لاسيما إذا كان رجلُ دولة هو قائلُها ومُرددها، ما يعني أن الرجل في حالة لا يُحسد عليها يبدو فيها كأنه لا يشعر بالراحة والسعادة إلا عند لجوئه إلى الغريب من مثل هذا القول أو الأقوال. وفي هذه الحالة ليس عيبا أن يعرض نفسه على طبيب مختص ! وبعيدا عن الافتراضات فإن ما هو ثابت ومؤكد هو أن السيد بنكيران الذي حملته إلى الحكم احتجاجات الربيع العربي ودستور 2011 المتقدم جدا، من حيث ضمانات ممارسة السلطات التنفيذية وصلاحياتها، وخاصة منها تلك التي منحها لرئيس الحكومة، قد فرط كثيرا -وتحت ضغط وساوس لا توجد إلا في مخيلته حول "بيعته" من عدمها للملك والملكية- في سلطاته الممنوحة له دستوريا، وليس قوله حرفيا "جئت فقط لأساعد الملك" إلا قولا فصلا يبرز إلى أي مدى هو قادر هذا الرجل على الجنوح إلى أساليب الخنوع والانبطاح بدل الأساليب الدستورية والقانونية المقدسة، التي احتراما لها لن يُدخل يوما ملكُ البلاد بنكيران السجن حتى ولو شاء اللهم إذا فعل فاعلة وقتها القانون سيكون سيد الجميع، وأما إذا كان هناك مِن سجن فهو هذا الذي وضع فيه بنكيران دستور 2011 وتركه في زنزانة دون حرية تطبيق إلى أجل غير مسمى !! اللهم نجّنا وأهلَنا بمن فيهم بنكيران من السجن..آمين. [email protected] https://www.facebook.com/nourelyazid