بعدما يعجز الأطباء في مدن المغرب العميق وغير النافع من فعل شيء أمام حالة مرض ما، لغياب المستشفيات والأطر الطبية، يصبح تفضل الطبيب بكتابة رسالة الى أطباء الرباط مطلبا أساسيا للمريض وذويه، وبعد ان يكتب الطبيب المشرف تلك الرسالة التي تبدأ عادة بعبارة " شير كونفرير" ويشد الرحال وأهله الى ارض الرباط "الموعودة" حيث يضيعون وسط الزحام في البحث عن هذا "الكونفرير" الذي يفضل عدم الظهور أمام المرضى وذويهم الآتين من كل فج عميق، يحملون متاعا تافها ومالا قليلا، وعلى مثل هؤلاء البؤساء يمارس الممرضون والأعوان ديكتاتوريتهم الخاصة، بسادية غريبة، ولا يجد المريض المسكين حتى من يدله على المصلحة التي ستمارس فيها وزارة ياسمينة بادو مزيدا ألوان الإذلال والمهانة والعذاب، وهناك يكتشف المريض وذووه ان الفرق شاسع بين الخطابات التي يخرج علينا بها الرسميون وزعماء أحزاب الخزي والعار وبين الواقع الذي يرونه ويعيشونه في ردهات مستشفى ابن سيناء، تصوروا معي مريضا يأتي من ابعد بقاع المغرب وهو مصاب ب"مرض عضال" والتي تقضي خطورة الموقف مبادرة العلاج فورا قبل فوات الأوان، فإذا ب"الماجور" الذي "يخفي" الطبيب في مكان ما، يعمد الى التأجيل الى الأسبوع القادم، وبعد عودة المريض وذويه من رحلة العذاب هذه ليعيش مع مرضه اللعين، يحمله أهله المعوزون في الأسبوع التالي مرة أخرى الى جهنم ابن سينا وبعد انتظار والمريض ممدد على الأرض- اذ عادة ما يحدد الموعد على العاشرة صباحا ويغيب جميع الأطباء ولا يعود أي واحد منهم الا بعد منتصف النهار- يخرج "الماجور" من كوته فيجمع أوراق المواعيد من المرضى لدراستها على يد "البروفيسور" كما يقول، ثم يعود ليطل من كوته وينادي على عدد لا يكاد يفوق خمسة مرضى، ويوزع على الآخرين أوراق المواعيد بعد أن يؤجلها مرة أخرى الى الأسبوع المقبل، وفي الأسبوع المقبل يحدث نفس السيناريو... والمصيبة ان المرضى المعنيين يكونون عادة من حاملي الأمراض القبيحة والقاتلة، كأمراض السرطان والقلب..وهكذا يجد المريض نفسه مرة أخرى مرغما على العودة من حيث أتى دون أن يمكنوه حتى من ملاقاة الطبيب لعله وعسى يصف له دواء مهدئا للآلام المروعة التي تنخر جسده المريض، اما ان يسارعوا الى علاجه كما تقضى الاخلاقيات والاعراف الطبية في العالم قبل ان يستشري المرض ويقضي على المريض، فذلك ترف لا يمكن لزوار ابن سينا ان يطمعوا فيه، الا اذا حصلت تدخلات محسوبية وزبونية رشوائية من المستوى الرباطي الرفيع،أو معجزة من السماء! يحصل هذا الآن، وهو ما يفسر ارتفاع عدد وفيات مرضى السرطان عندنا، ان ذلك لايحدث بسبب عدم نفع العلاج، وانما يحدث لعدم القيام بأي علاج اصلا، والغريب أن أولائك الأطباء الذين يؤخرون معالجة المرض حتى مراحله المتقدمة دائما نجدهم يلومون المرضى لعدم توجههم الى الطبيب بمجرد شكهم في إصابتهم بمرض ما، وخصوصا حينما يتحدثون في التلفزة والراديو، وحينما يسمع مواطن "بوجادي" مثلي كلام البروفيسورات، يلوم المغاربة "الجهلاء"لأنهم يفرطون في صحتهم ولايزورون الطبيب، ياترى أي طبيب عليه ان يزوره المواطن الفقير الذي لا يتوفر على تغطية صحية ولا على أي شيء؟ فالفقير المغربي لايبقى أمامه من خيار الا الدخول في المسلسل الجهنمي لما يسمى بالمستشفيات العمومية حيث يموت ب"الفقصة" قبل ان يقتله المرض دون ان يحظى ولو بفحص واحد من الطبيب، الذي يتعمد رفقة الماجور العتيد على تأجيل موعد العلاج الى أن يأخذ الله أمانته بعد العذاب والذل وقضاء الساعات الطويلة وراء الأبواب لعلهم يجودون بموعد قريب، وغالبا ما لا يفعلون، بدعوى قلة الأسرة او سفر الطبيب المعالج لحضور المؤتمرات العالمية! هذا مشهد صغير مما يحدث في مستشفياتنا العمومية الكبرى بالمغرب، وللذين يقولون إن المغرب لا تتطلب حالته الخروج الى الشارع لأنه حالة ديموقراطية استثنائية يجب ان تقتدى في الشرق الأوسط، لمثل هؤلاء نقول هل يوجد بلد ديموقراطي في العالم يقتل مواطنيه المرضى كما نفعل نحن في المستشفيات العمومية؟ في بلاد الناس الذين يؤمنون بالإنسان، يضمنون العلاج والتطبيب لاي إنسان بأرضهم حتى وان كان مهاجرا غير شرعي او عدوا يسارعون الى معالجته، ونحن في هذا المغرب الذي يتجرأ بعض الوقحين بوصفه "سويسرا العرب" يموت المواطنون قبل أن يحظوا بالكشف عنهم من طرف الطبيب، ان هذا وجها من وجوه الفساد الذي يطال كل المؤسسات في بلادنا، وعلى كل مغربي حر أن يتصدى لرموز الفساد والمفسدين بكل ما أوتي من وسائل. وأقترح على الوزيرة الموناليزا أن تتنكر وتتمارض ب"مرض عضال" وتقصد مستشفى ابن سينا لتعيش وتقف بنفسها على التقدم الكبير الذي تعرفه مستشفيات المملكة في عهدها.