النسبة الإجمالية لملء السدود والمنشآت المائية تتجاوز 38% في المغرب    حاجيات الأبناك من السيولة فاقت 131 مليار درهم خلال مارس 2025    القضاء الفرنسي يلاحق ثلاثة أشخاص بتهمة خطف معارض جزائري    بين طموح الهجرة وظلال الجريمة : حكما قاسيا ضد عصابة استدرجت ضحاياها في طنجة    الأمطار تبلغ 17 ملمترا في الرشيدية    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    بين أعمدة الأطلس وأروقة برلين .. شراكة اقتصادية تولد من رحم التحديات    مندوبية التخطيط: تراجع قيم الواردات مدفوع بانخفاض أسعار الطاقة والمواد الغذائية    بنسعيد: المغرب يخطو بثبات نحو الحداثة والتقدم    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    مناهضو التطبيع يدعون لمسيرة شعبية في اتجاه ميناء البيضاء رفضا لرسو "سفن الإبادة"    ‪المغرب يبادر إلى تصدير أول "شحنة بلدية" من غلة القنب الهندي الطبي    انتشار أمني يواكب "ديربي البيضاء"    رغم قرار المقاطعة... استنفار أمني كبير يحيط بمركب محمد الخامس قبيل مباراة الديربي بين الوداد والرجاء    فتح تحقيق تقني جراء حادث سقوط طائرة بفاس    تزامنا مع المعرض الدولي للكتاب.. قضايا الصحافة والخطأ القضائي والعدالة الرقمية في صلب اهتمامات العدد الجديد من مجلة "محاكمة"    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    حزب المغرب الحر يعزز وجوده في مدينة العرائش من خلال تأسيس فرع محلي جديد    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    إقليم الحسيمة.. هزة أرضية بقوة 4.0 درجات تضرب تارجيست    "واتساب" تطلق 12 ميزة جديدة لتحسين الأداء وسهولة الاستخدام    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    الصناعة التقليدية بإقليم العرائش في قلب تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 سبل النهوض وتجاوز الإكراهات والمعيقات التحديات والفرص    تشريح ثلاثي يفجر مفاجأة في وفاة الممرضة فاطمة الزهراء بخنيفرة    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    أهازيج الرمال توحد القلوب في محاميد الغزلان    بحضور سفير الهند.. الإخوة بلمير يطلقان فيديو كليب 'جاية'    مدرب المنتخب الإسباني: حظوظ ريال مدريد لا تزال قائمة لتحقيق ريمونتادا ضد أرسنال    تداولات بورصة الدار البيضاء تتخطى حاجز 4 مليارات درهم    عودة الديربي إلى "دونور": ملعب محمد الخامس يحتضن الكلاسيكو البيضاوي بعد الإصلاحات    مسؤول بوزارة الاتصال: المنصات الرقمية الدولية تحظى ب7 مليارات درهم من الإشهار المغربي    ميسي يقترب من تجديد عقده مع إنتر ميامي    الغابون تفتح مراكز الاقتراع الرئاسي    باعة إيرانيون جوالون يتلمسون الأرزاق في جنوب العراق    "كارولينا الجنوبية" تواصل تنفيذ أحكام الإعدام بالرصاص    عشرات الجيوش تلبي دعوة المغرب وأمريكا للمشاركة في "الأسد الإفريقي"    فرنسا توجه الاتهام لموظف في قنصلية جزائرية باختطاف أمير ديزاد.. قنبلة دبلوماسية في قلب باريس    فراقشية الصحافة.. من يوقف هذا العبث؟    المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم داخل القاعة يفوز وديا على نظيره الصيني (8-0)    كيوسك القناة | جيتكس إفريقيا المغرب.. نسخة ثالثة كبرى لبناء مشهد رقمي إفريقي    ترامب يستبدل صورة أوباما في البيت الأبيض بلوحة تظهره وهو ينجو من محاولة اغتيال    الوداد الرياضي يستقبل درع كأس العالم للأندية بحفل في الدار البيضاء    الوداد يحتفل بمشاركته في مونديال الأندية بمهرجان فني    الولايات المتحدة وفرنسا تمران للسرعة القصوى بتنسيق مع المغرب لإغلاق ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي    العصبة المغربية لحقوق الإنسان تراسل وزير الداخلية بشأن حرمانها من وصل الإيداع    تونس: عريضة تطالب قيس سعيد بالتنحي وتحذر من خطر انهيار الدولة    حملة أمنية واسعة بطنجة لمواجهة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن        الدرهم يرتفع بنسبة 3% مقابل الدولار بين فبراير ومارس 2025    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    الدول المنتجة للنفط في مأزق.. أسعار الخام تهوي لأدنى مستوى منذ الجائحة    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوسريف مخاطبا بنكيران: الإنتاج ليس النِّكاح وتَسْليع النِّساء
نشر في هسبريس يوم 07 - 04 - 2016

"طَالَمَآ أنَّ دِينَكَ مُجرَّدَ خُدْعَةٍ، فَنَمْ"، جلال الدِّين الرُّومِي
‫°°°‬
"شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ النَّاسَ"، قَوْل للرَّسُول‬
تَبَيَّنَ، بما لا يَحْتاجُ إلى حُجَّةٍ أو دليلٍ، أنَّ رُؤُوسَ حزب "العدالة والتنمية"، يكرهُون الفَلْسَفَة والشِّعْر. يكرهُون سُقراط، وأفلاطُونَ، وأرسطو، ويكرهُون هُومِيرَ، وهُوراسَ، كما يكرهُون امْرَأَ القيس، الذي بَوَّأَهُ، قَبْلَهُم، "أمير المُؤمِنِين" عمر بن الخطَّاب حَمْل لِواءِ الشُّعراء إلى النَّار. فَهُم يعملون، بشكلٍ مُمَنْهَجٍ، وبما أصبح في يَدِهِم من سُلْطَة وإعْلامٍ، على مُحاربَة شُعَبِ الآداب والعُلوم الإنسانيةِ، ويعتَبِرُون "التكْوِين المِهْنِيّ"، هو الحَلّ لِمُعْضِلاتِ "الإنتاج" في البلاد.
لا يا "عُقُول" الحزب الحاكِم، وأنا هُنا أسْتَعْمِلُ كلمة عقول تَجاوُزاً، فليست هذه مَعْرَكَتُكُم، وإنَّكُم ستكونون في هذه المعركة، الخَاسِرَةِ سَلَفاً، كَمَنْ يُحارِب طَواحِين الرِّيح، لأنَّكُم، ببساطَة، لا تُدْرِكُون أنَّ إدريس البصري، الَّذِي عَمَّر في السلطة أكثر من عقديْن من الزَّمَن وكانتْ يَدُهُ مَمْدُودَة، لَمْ يَغُلَّها شَيْءٌ، سِوَى سقوطه المُدَوِّي من كراسِي السُّلْطَة، إلى حَضِيض التَّزَلُّف والتَّباكِي على ماضٍ انْتَهَى ووَلَّى، وأنتُم تعرفونَه جَيِّداً، كما كانَ هو يعرفُكُم، بما كَان بينَكُم مِنْ تَوادُدٍ وتَزَاوُر، لَمْ يستطع هذا الرَّجُل البَاطِش دَحْر العَقْل، رغم أنَّه منع تدريس الفلسفة في الجامعاتِ المغربية، واعْتَبَرَها شُعَباً لليسار وللعقلِ المُنْتَقِد، اليَقِظِ، والرَّافِض للتَّبَعِيَّة والخُضوع، بل إنَّ الفلسفة كشَفَتْ عَوْرَة العَقْل المغربيّ وهَشَاشَتَه، حين جَرَى ما جَرَى من تَفْجِيراتٍ إرهابية في مدينة الدار البيضاء، وحِزْبُكُم كان قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدْنى من الانْحِلال والتَّلاشِي، لِما كان لكُم من مواقِف مُلْتَبِسَة إزاء ما جَرَى، وتَبَيَّنَ أنَّ شُعْبَة "الدِّراسات الإسلامية"، التي تَمَّ اسْتِحْداثُها كبديلٍ عن الفلسفة في الجامعاتِ المغربية، والتي لا تَنْتَقِدُونَها ولا تَعْتَبِرُونَها غير مُنْتِجَة، مثلما تَنْظُرُون إلى الشِّعر والفلسفة، لَمْ تَزِدِ الطِّينَ إلاَّ بَلَّةً، لأنَّ ما يُدَرَّسُ فيها من موادّ، وطريقة تدريس الدِّين فيها، بالاقتصار على الإسلام دون غيره، أو تدريس غَيْر الإسلام من الدِّيانات، بنَوْعٍ من الازْدِراء أو التَّنْقِيص، ساهَم في هذه الماضويَة والرِّجْعِية في التَّفْكِير والنَّظَر، والتي أنْتُم بعض زَرْعِها.
إنَّ تَناسُلَ هذه السَّلَفِياتِ الماضوية، بما تَحْمِلُه من أفكار جافَّةٍ، مُغْلَقَة وَمَخْنُوقَةٍ، لا تَحْتَفِي بالعَقْل، أو لا تَجْرُؤ على أن تَسْتَعْمِلَ العَقْل في رُؤيَتِها للأشياء، هو ما ترغبون فيه، وما تَسْعَوْن لِتَرْكِه خَلْفَكُم، بعد أن تُغادِروا كراسِي السُّلْطَة، لأنَّ هذا هو المَاء العَكِر الذي خَرَجْتُم منه، وهو ماءٌ مُتَرَسِّبٌ في الماضي، غارِقٌ فيه، وأنتُم تَعْرِفُون أنَّ من يَنْشَأ في ماءٍ آسِنٍ كهذا، ويَكْبُرُ فيه، لا يُمْكِنُهُ أن يَعِيشَ في الماء المُتَغَيِّر، الذي لا تَحْبِسُه الأوْحالُ، أو تَحْجُر عليه.
إذا كان الهَاجِس الأمْنِي، هو ما دَفَع إدريس البصري إلى تَعْطِيل الفِكْر والعَقْل في الجامعاتِ والمدارس، واسْتِبْدَاله، ب"الدراسات الإسلامية"، مثلما فَعَل أنور السَّادات في مصر، حين قَوَّى شَوْكَة الإخوان المسلمين، الذين أنْتُم منهُم، ضِدّاً في اليسار المصري، فأنتُم، بحَمْلَتِكُم على الشِّعر والفلسفَة، وعلى شُعَبِ الآداب والعُلوم الإنسانية، في مُقابِل "التكوين المهْنِيّ"، إنَّما تَسْعَوْن إلى لَجْمِ العَقْل والخَيال، وتَسْعَوْنَ إلى قَتْلِ الإنسانِ، بتحْوِيلِه إلى آلَةٍ، أو إلى ماكِينَة يُمْكِنُ التَّحَكُّم فيها، واسْتِعْمالُها لِما ترغَبُون فيه، وما تدَّعُونَه، وتتوَهَّمُونَه من أفْكارٍ الدِّين بَرِيءٌ منها. ألَيْس هذا ما تَفْعَلَه "داعش"، بإفْراغ الإنسان من عَقْلِه، وَمَلْئِه بالدِّينامِيت و "TNT" والمَسامِير الفَاتِكَة التي تَخْتَرِق أجْسامَ النَّاس، وَتُجْهِز على وُجُودِهِم؟!
لا يِمْكِن لِأَيٍّ كانَ أنْ يَقْتُلَ العَقْل ويُجْهِز عليه، ولا يُمْكِنُ لِأيٍّ كان أن يَخْنُقَ الخيالَ ويَمْنَع انْطِلاقَه، لأنَّ هذا هو جَوْهَر الوُجود، وجوهَر الإنسان نفسه. فهل يمكن أن نَحيا ونَعِيش دُون مَحبَّة وجَمال، ودُونَ حُرِّيَة وانْشِراح. فالفلسفة والشِّعر، والأنتربولوجيا والتاريخ، وعلم النفس، هي كُل هذا، وهي الإنسانُ وهو يُفَكِّر، ويُخَطِّط، ويَبْنِي، ويُعَمِّر المُدُن، ويُحْيِي في الإنسانِ رُوحَ الإنسان، أو ينْزَع منه القِسْطَ البَهِيمِيَّ الكَامِنَ فيه، حتَّى لا يصيرَ ثَوْراً هائِجاً يَفْتِكُ بِكُلِّ ما يَقِفُ في طريقِه.
أنَسِيتُم أنَّ "إعجاز القُرآنِ" في شِعْرِيَتِه، في أسلوبِه ولُغَتِه، وفي طريقة بِناء الكَلام فيه، فَهُو خِطابٌ ساحِرٌ، وفق عبارة النبي "إنَّ من البيانِ لَسِحْرا"؟ وهل نَسِيتُم أنَّ ما وَرَدَ في القرآنِ عن الشُّعراء، في سُورَة "الشُّعراء" التي جاء فيها ذِكْر الشُّعراء في آخرها، بما يجعل من تَسْمِيَة السُّورة باسْم الشُّعراء، فيها ما فيها من الْتِباس، وقَصْدٍ للمَسِّ بالشِّعْر، الذي كان هو عُقْدَةَ من تَجاهَلُوا أنَّ الرسول نفسَه لَجأَ إلى الشُّعراء لِمُواجَهَة الشُّعراء، وأنَّ حسَّانَ حين وقَفَ على منبر أحد المساجد يقرأ شِعْراً، بعد وفاة الرسول، وجاءَ عمر بن الخطَّاب لِيَمْنَعَه، وَاجَهَهُ بقوله: "كيف تَمْنَعُنِي من هذا، ورسول الله لَمْ يَمْنَعْنيَ منه؟" ثم، هل نسِيتُم، أو أنَّكُم لا تَعْرِفُون كُلّ هذا، ما دُمْتُم تكرهُون الشِّعر والفلسفةَ، أنَّ قُوَّة المسلمين، وازْدِهارَهم، كانت في العصر العباسي، هذا العَصْر الذي فيه ازْدَهَر الشِّعْر وتَجدَّدَ بالمُوَازَاة مع ازْدِهار الفلسفة والمنطق، وازْدِهار الطِّب، والكيمياء، والرياضيات، وغيرها من العلوم، وكان للمأمُون، الذي تَكْرَهُونَه لأنَّه كان مُعْتَزِلِيّاً، فضل جَلْب كُتُب اليونان، وترجَمَتِها إلى العربية، وتأسيس "بَيْتِ الحِكْمَة"، الذي كان نَقْلَةً في الحضارة والفكر العَرَبِيَيْن، ولَمْ تتكرَّر إلى اليوم؟ مِنْ أيْن جِئْتُم؟ أو بالأحْرَى، أيْن كنتُم؟ وما الفِكْر الذي تَحْشُون به رُؤُوسَكَم؟ أتِبْنٌ، أمْ غُبارٌ تَذْرُوه الرِّيح في كُلِّ اتِّجاهٍ؟!
لا يا رئيس الحُكُومَة، ولا يا وزيرَ التعليم العالي، ولا يا حزب العدالة والتنمية. فأنتُم لا يَشْغَلُكُم سِوَى وَقْتُ النِّكاحِ، ومَتَى ستطؤون النِّساء، أو تَرْتَمُون فَوْقَهُم كأكْياسٍ رَمْلٍ. ولا يَعْنِيكُم "الإنتاج" بالمعنى الاقتصادي والعلمي. لا ترغَبُون سوى في التَّوالُد، وتكثِير النَّسْل، وأنتُم لَمْ تَسْتَطيعوا حَلَّ مُعْضِلاتِ هذا القَليل من البشر الذي تَوَلَّيْتُم أمْرَهُم. ليس الإنتاج هو النِّكاح، وتَسْليعُ النِّساء.
ولوْ قرأتُم بعض الشِّعر، وبعض الفلسفة، لَفَهِمْتُم معنى الحُبّ الذي تزْدَرُونَه، ولا يدخُل إلى قُلوبِكُم، لأنَّكُم لا تَسْمَحُون بما سمح به الله من تَوادُد وتقاربٍ وتَعاطُف، وهو ما عبَّر عنه الرسول في علاقته بعائشة، التي أحبَّها فعلاً، ولم تَكُن له مُجرَّد رَغْبَةٍ أو نَزْوَة، أو خادِمَة، بل إنَّ نِصْف العِلْم بالدِّين أوْكَلَه إليها، لِما أخَذَتْه عنه وعن أبيها، وهذا لعمري هو أوْج التقدير والاحترام للمرأة، ولِمَكانِتِها باعتبارها إنساناً كامِلاً، لا فُضْلَةً.
دعُونا من مُهاتراتِكُم، وأصْلِحُوا ما أفْسَدْتُم في البلاد. فأنتُم أجَّجْتُم التَّوتُّرات الاجتماعية، وأجْهَزْتُم على السِّلم الاجتماعي، وشَرَّدْتُم الطلبة الأساتذة في الشوارع والأزقَّة، ووضَعْتُمُوهُم في يَدِ الأمْن لِيَفْتِك بهم، لم يبْق قِطاع من قِطاعاتِ "الإنتاج" إلاَّ ووقف ضِدَّكُم أمام البرلمان، فهل هذه هي ثِقَة الشَّعب فيكم، وهل هذا هو ما جِئْتُم من أجْلِه للسٍّلْطَة؟ يكفي أن يَنْظُر الواحد مِنَّا إلى رغبتكم في عقد مؤتمر استثنائي لإعادة تَنْصِيب كبيركم ذاكَ لولايةٍ ثالثة، لِيَفْهَم كيف أنَّ السُّلْطَة تُدَوِّخُ الرؤوسَ وتعْمِيها، ولا يبقى شيء يعنيها، سِوَى ما تَحْظَى به من امتيازاتٍ، وتقاعُد مُريح، مدَى الحياة.
إنَّنا، مَعْشَر الفلاسفة والشُّعراء، لَنْ نَمُوتَ، وما نكتُبُه ونقولُه لن تَمْنَعُوه من الوُصول إلى الناس، ولعلَّنا أنْتَجْنا ما لَم تُنْتِجُوه، أنْتَجْنا الإنسان العاقِل، الواعي، المُدْرِكَ، المُتَخيِّلَ. وحتَّى لا تَفْهَمُوا الخَيالَ، بما عندكُم من قُصورٍ في الخيال، بأنَّه "أضْغَاثَ أحْلامٍ"، فالخيالُ هو مقدمة العِلْم، والقاعدة التي عليها يُبْنَى العلم، لأنَّ كُل ما حقَّقَه العَقْل من مُنْجزاتٍ كان بفضل الخيال، وأحِيلُكُم على رغْبَة التَّحْلِيق والطَّيَران عند إيكار، وعند عبَّاس بن فرناس، لِتَفْهَمُوا أن هذا الخيال القاتِل، هو ما سَهَّل فَهْم أسباب التَّحْليق والطَّيران، الذي هو اليوم، أحد دواعي تَنَقُّلِنا عبر جهاتِ الكَون، دون دَوابٍّ أو بِغالٍ، كما كان زَمَن "السَّلَف الصَّالِح"، الذي لَمْ يَتْرُك لَنا لا طائرات، ولا سيَّاراتٍ، ولا هواتف محمولة أو حواسيب، مِمَّا لا يَدَ لَنا فيه، لأنَّنا مُجرَّد مُسْتَهْلِكِين، أهْلَكنا الدَّهْر لِبَقائِنا في مُشْكلاتِ النِّكاح، ومتى يمكن للذَّكَر أن يَطأَ الأنْثَى، إذا ما النَّهار طالَ، أو دَخَل الليلُ فيه..
* شاعر ومهتم بشؤون المعرفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.