فايدة حمدي، من يتذكرها؟ هي صاحبة "الصفعة" التي أفاضت صبر الشاب محمد البوعزيزي فأشعل النار في نفسه. والبقية يعرفها الجميع. لكن ما لا يعرفه الجميع هو أن "الصفعة موهومة" يقول شقيق فايدة، وأن النظام السابق جعل من فايدة "كبش فداء" لإخماد الثورة تقول محاميتها. فايدة تضرب الآن عن الطعام منذ حوالي أسبوعين ووالداها معتصمان في بيتهما للمطالبة بمحاكمة عادلة. محامية فايدة تأمل أن تبدأ محاكمتها مع بداية الأسبوع القادم بعد أن عُين قاض جديد للنظر في قضيتها. "المفروض أن الثورة تقضي على الظلم الذي كان في فترة النظام السابق، ولا تظلم الآخرين. لا نريد أن نعيش في ثورة ظالمة"، يقول فوزي حمدي شقيق فايدة. حكاية صفعة في المجتمعات الرجالية والمحافظة تكون صفعة المرأة للرجل أعلى درجات المهانة. و "الصفعة" التي قد يكون محمد البوعزيزي تلقاها من فايدة حمدي - وهي 'عون تراتيب‘ (موظفة بلدية) - هي التي فجرت الثورة التونسية، وكانت وراء ميلاد ما يسمى ب 'الربيع العربي‘. غير أن عائلة فايدة تنفي هذه الفعلة عنها كما تشكك فيها بعض فعاليات المجتمع المدني في تونس وفي سيدي بوزيد تحديدا. يصف فوزي حمدي تلك الصفعة ب "الوهمية". "الصفعة غير موجودة، هي صفعة وهمية وهي عملية مقصودة أساسا لإثارة الرأي العام ورُوجت في البداية من طرف نقابيين وسياسيين قاموا بإشاعتها على وسائل الإعلام العالمية تشجيعا للاعتراض على النظام واستمرار الاحتجاج". يؤكد فوزي لإذاعة هولندا العالمية أن النقابيين الذين اتصلوا به في بداية الاحتجاجات للتمسك بحكاية الصفعة، لم يعاودوا الاتصال به بعد نجاح الثورة كي يصلحوا الخطأ، معاتبا الجميع، إعلاما ورأيا عاما، على تصديق الأسطورة دون التبين. "أختي لا ينبغي لها أن تتحمل أخطاء النظام السابق". محاكمة عادلة في البداية رفض كثير من المحامين، بحسب ما ذكره فوزي حمدي، الدفاع عن فايدة. إلا أن الأمور تغيرت الآن، تقول محامية فايدة الأستاذة بسمة المناصري التي توضح لإذاعة هولندا العالمية أن كثيرا من زملائها ومعهم قسم كبير من الرأي العام التونسي، لم يكونوا يعلمون أن فايدة في حالة اعتقال. ولكن عددا من المحامين أبدوا الآن استعدادهم للدفاع عنها لأنها "بريئة". قضية فايدة بدأت تعرف الآن نوعا من الحراك وخاصة بعد نجاح الثورة، بل هناك من رفع في مدينة سيدي بوزيد شعار: "فايدة .. الشهيدة الحية". يقول أخوها فوزي: "كان على الناس أن يتذكروها لأنها أشعلت الثورة ولو بشكل غير مباشر". تحركات عائلتها عن طريق المحامية ونشطاء حقوق الإنسان تصب في اتجاه المطالبة بتقديمها فورا لمحاكمة العادلة، والحكم عليها إن أجرمت أو إطلاق سراحها. تؤكد المحامية بسمة المناصري أن يوم الثلاثاء (5 ابريل) تم تعيين قاضي تحقيق جديد لمتابعة القضية، وأن هذا الأخير تعهد بالفصل فيها في القريب العاجل، ربما مع بداية الأسبوع القادم: "طلبنا من المحكمة إما حفظ القضية لتجردها. وإن كان قاضي التحقيق مقتنعا بوجه من الأوجه بالإدانة، طلبنا بإحالتها على المحاكمة، والمحكمة إن رأت إدانتها فستصدر حكما ضدها وإن اقتنعت ببراءتها – إن شاء الله – فستفرج عنها". ظلم عام طارق، هو الاسم الحقيقي للبوعزيزي الذي عرف باسم محمد. يقول فوزي شقيق فايدة إنه يعرفه جيدا لأنه ابن مدينته، وأن ما دفعه للاحتجاج بتلك الطريقة هو "ظلم عام" عانى منه التونسيون جميعا تحت ظل النظام السابق. "ما أقدم عليه طارق البوعزيزي هو نتيجة ظلم عام، ولا تتحمل أختي مسؤولية هذا الظلم (...) هي حُملت مسؤولية نظام كامل. عندنا أطراف كانت فاعلة في السلطة وإلى غاية يوم 13 و 14 (يناير) كانت تأمر بقتل المتظاهرين والثوار، ومع ذلك مُنحوا أحزابا سياسية وينشطون الآن في العلن، بينما مسؤولية النظام تتحملها فايدة. وهذا خطأ". أراد الرئيس السابق بن علي أن يئد الثورة في المهد بوضع فايدة في السجن، فأمر منفذي سياسته بالقبض عليها وهو ما حدث بالضبط. لكن الثورة لم تخمد لأنها في الجوهر لم تشتعل بسبب فعلة فايدة، لكن تسارع الأحداث وتزاحمها أنست الناس مصير فايدة (45 سنة). يقول الناشط الحقوقي الأمين البوعزيزي، وهو أحد أقرباء محمد البوعزيزي: "خلال أيام الثورة، لا أخفيك أن لا أحد التفت إليها لأن النفوس كانت محتقنة والصراع كان أساسا موجها لمصارعة الطاغية وأزلامه. عائلتها الصغيرة هي من انتبهت إليها. أما بعد انتصار الثورة فلا بد من إنصاف الناس، بدأ الناس يستفيقون بأن هذه الفتاة تم التضحية بها من قبل النظام المخلوع، ولا بد إذن من إنصافها". عفو يقول فوزي حمدي إنه شارك منذ الساعات الأولى في الاحتجاجات الشعبية أمام مبنى الولاية في سيدي بوزيد بعد إحراق محمد البوعزيزي نفسه. وسألنا الناشط الحقوقي الامين البوعزيزي عن عائلة فايدة وكيف ينظر الناس إليها، وأكد لنا أن هذه العائلة شاركت في الثورة كما شارك فيها التونسيون جميعهم، وأن الصورة في سيدي بوزيد تختلف كثيرا عن تلك التي رسختها وسائل الإعلام الخارجية. "المعركة ليست ثأرا شخصيا بين هذه الفتاة والشهيد محمد البوعزيزي. الآن عندما تزور سيدي بوزيد لا تجد نفسا ثأريا من السكان، لأنهم لا يعتبرون أن خصمهم هو تلك الفتاة". ومع ذلك فعائلتا البوعزيزي وحمدي لا تتزاوران حتى الآن، ولم تجر أية محاولة للصلح بينهما. "لم أتصل بهم ولم يتصلوا بي"، يقول فوزي مضيف: "رحم الله البوعزيزي، لكنني لا أريد أن أطلب العفو عن شيء لم تقم به أختي. ولو أنها قامت بأي شيء يستوجب العفو، فأنا والعائلة على استعداد لتقديم جميع الاعتذارات". تقبع فايدة الآن في سجن قفصة ولا يسمح بزيارتها إلا لأفراد أسرتها ومحاميتها، ولا يتحدثون معها إلا من وراء عازل زجاجي. يؤكد زوارها أنها منهارة نفسيا، وأن أخبار الثورة كانت محجوبة عنها في البداية، ولكنها على علم بنجاح الثورة التي تترجى منها إنصافها. تقول المحامية بسمة المناصري: "حالتها (فايدة) المعنوية منهارة، يداها ترتعشان وحالتها الصحية سيئة جدا. لا تأكل ولا تشرب (...) إنها مستاءة. قالت لما علمت بفرار الرئيس: 'من قتل هرب وأنا هنا. الناس استعادوا حريتهم بعد الثورة وأنا حرمت من حريتي‘". *بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية