فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    الزمامرة والسوالم يكتفيان بالتعادل    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشخيص وتقييم السياسة الحكومية في مجال التشغيل 2012-2016
نشر في هسبريس يوم 24 - 03 - 2016

يعد قطاع التشغيل من بين القطاعات الأساسية في أي بلد في العالم،وتمثل سياسة التشغيل بعدا هاما من أبعاد السياسات الاقتصادية والاجتماعية في عالمنا المعاصر، ولا غرو في أن يكون هذا القطاع إحدى المجالات الرئيسية للفعل العمومي،التي تتم من خلالها مقاربة نجاح أو فشل أي التدبير الحكومي.
وتدل السياسات والاستراتيجيات العمومية المنتهجة في قطاع التشغيل،على مختلف البرامج والتدابير والآليات التي تعتمدها الحكومات في سبيل استحداث مناصب سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص،كما وتمثل هذه السياسة في الواقع الوجه المقابل لسياسة مكافحة البطالة، على اعتبار أن إشكالية التشغيل ومعضلة البطالة وجهان لعملة واحدة.
فالبطالة باعتبارها ظاهرة عالمية، متفاوتة النسب والدرجات تقل وترتفع على حسب درجة تقدم الدول،أصبحت أحد أهم التحديات الراهنة التي تشغل تفكير صانعي القرار الاقتصادي والتنموي في جل دول العالم - على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية- ،فنسبها تعبر عن مدى فعالية السياسات الاقتصادية المنتهجة، ناهيك على أنها من بين أهم المؤشرات المستخدمة إلى جانب عدد المناصب المحدثة لقياس درجة قوة الاقتصاد في أي دولة في العالم.
وفي المغرب، وعلى بعد أشهر قليلة من انتهاء الولاية الحكومية الحالية، بدأت تطفو إلى السطح العديد من القراءات والتحليلات لمجموعة من المؤسسات والباحثين من الذين يشكل تدبير الشأن العام في المغرب موضوع اشتغالهم ومجالا لأبحاثهم وتأملاتهم، وذلك في معرض محاولة تقييمهم ومقاربتهم لحصيلة انجازات وإخفاقات الحكومة ككل وبخاصة ملفات بعينها كتلك التي تهم السياسات الماكرو اقتصادية وبعض السياسات القطاعية، ومن بينها ملف التشغيل،وذلك في ضوء التعهدات والالتزامات التي تضمنها البرنامج الحكومي يناير2012(تخفيض نسبة البطالة إلى 8 في المائة في أفق سنة2016).
ومسايرة لهذا التوجه واتساقا مع العنوان، فإن التطرق بالتشخيص والتحليل واستعراض الجوانب المختلفة لملف التشغيل في عهد الحكومة الحالية في ضوء تعهداتها من خلال البرنامج الحكومي- باعتباره المرجعية الوحيدة التي يمكن الاستناد عليها للحكم على السياسة العمومية في مجال التشغيل- يشكل الهدف الرئيسي لهذا المقال،الذي لن يكون غوصا في المجردات بقدر ما هو محاولة تسعى في مجملها إلى رصد مؤشرات ومعطيات وضعية معينة في بعدها التحليلي وجوانبها الإحصائية .
فبعد ما يزيد عن أربع سنوات ونيّف من عمر الحكومة الحالية، يتراءى للمتابع والملاحظ المدقق في تدبير الشأن العام في المغرب، أن الوضعية أبعد ما يكون من الصورة الوردية - التي حاول ويحاول الفاعل الحكومي رسمها بالعبارات الرنانة، مضمونها ازدياد هموم الشباب المغربي ومشكلاتهم التي كانت بالأصل في أوجها، وخاصة تلك المتعلقة بالتمكين الاقتصادي والاجتماعي من خلال التشغيل ومكافحة البطالة، التي أصبحت تضرب بأطنابها وسط حاملي الشواهد العليا منهم بمختلف أجناسهم ومستوياتهم وتخصصاتهم منذ أواخر سنة2011، وذلك في مقابل غياب البديل أو التعامل الحكومي الجدي مع هذا الإشكال المجتمعي، حيث لا تزال قضايا الشباب المغربي بصفة عامة تراوح مكانها في ظل غياب تام لأي مخططات إستراتيجية، من شأنها تفعيل دورهم وتمكينهم من المشاركة المجتمعية، وهو ما جعلنا نعيش في ظل سياق وطني يتميز بتنامي السخط الاجتماعي،بفعل ما تم ذكره من جهة وبسبب ازدياد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، التي تركت بمجملها آثارا سلبية اتضحت بشكل جلي على قضايا المواطن المغربي بشكل عام وفئة الشباب المعطل بشكل خاص - من منطلق أن الحديث عن إشكالية البطالة في المغرب ترتبط بالدرجة الأولى بهذه الفئة، على اعتبار أن 80 في المائة من المعطلين في المغرب- استنادا لمعطيات رسمية - يقل عمرهم عن 35سنة،و50 في المائة منهم تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 سنة-.
وهذا ما يفسر الطابع الهيكلي المتفاقم لإشكالية البطالة كإحدى المظاهر السلبية لفشل المغرب في ربط التنمية الاقتصادية بالمجالات الاجتماعية، وكانعكاس لتطبيق برنامج التقويم الهيكلي،رغم لجوء الحكومة الحالية إلى طرح بعض المسكنات الظرفية لإشكال بنيوي، من قبيل الإعلان عن مواكبة 10 آلاف حامل مشروع في إطار التشغيل الذاتي خلال الفترة الممتدة بين 2015-2025 ، وإطلاقها من خلال قانون المالية لسنة 2016 لإجراء" تكوين 25 ألف مجاز" وذلك بعد الفشل الذي عرفه برنامج تكوين 10 ألف إطار تربوي في مراكز التربية والتكوين.
وتبعا لذلك، لو أجرينا جردا لما قامت به الحكومة الحالية منذ تنصيبها سنة 2012،بعيدا عن المزايدات واللعب بالأرقام والمؤشرات بين الحكومة والمعارضة، لن نجهد كثيرا بمعرفة النتيجة التي لم تكن مرضية بدرجة كبيرة،نتيجة غياب تصور واضح لدى الحكومة لإشكالية التشغيل بالمغرب تغيير في سياسة الدولة التشغيلية والحد من التوظيف في القطاع العام، وسياسات التحرير التجاري وعدم قدرة القطاع الخاص لا على المنافسة أو امتصاص كل القادمين إلى سوق الشغل- ومن تم لعب دوره كرافعة في التنمية رغم المحاولات التي تم القيام بها على مستوى تحسين المناخ الاقتصادي والقانوني والإداري والمؤسساتي للمقاولات - وبالتالي ساهم هو الأخر ككل في عدم قدرة الحكومة الحالية على الوفاء بالتزامها بخصوص إنعاش التشغيل وخفض نسبة البطالة.
ويكفي في هذا الصدد، أن نشير إلى "الإستراتيجية الوطنية للتشغيل 2015-2025"- كفعل عمومي يختزل تصور الحكومة الحالية لمواجهة إشكالية التشغيل ومعضلة البطالة، و كآلية معتمدة من طرفها لتفعيل مقتضيات البرنامج الحكومي في الشق المتعلق بالتشغيل ومحاربة البطالة منذ توليها مقاليد تدبير الشأن العام -وما رافقها من تعثر حتى قبل أن ترى النور(لازلنا في المغرب حبيسي منطق التدابير الاجتماعية الحكومية وليس السياسات العمومية )،ناهيك عن الفساد والمحسوبية بمجموعة من مباريات التوظيف المصداقية (نستحضر هنا ما أعلنه خلال شهر فبراير من سنة 2015في ندوة صحفية، المندوب السامي للتخطيط من معطيات، وذلك في معرض تقديم التقرير الوطني الخامس حول أهداف الألفية للتنمية حيث صرح بأن الدراسات التي أنجزتها مندوبية التخطيط، خلصت إلى أن 26 في المائة من المناصب والتوظيفات لا تفسير لها من حيث الكفاءة، ولا من حيث الشواهد المحصل عليها ولا من حيث الخبرة ...، بمعنى أن ربع التوظيفات في القطاع العام بالمغرب تمت بالاستناد على منطق المحسوبية والقرابة العائلية والنفوذ وما إلى ذلك من مسلكيات غير قانونية...)، وتراجع عدد المناصب المعلن عنها للتوظيف بفعل المقاربة الحكومية في الوظيفة العمومية(نحيل هنا على الرسالة التأطيرية لمشاريع قوانين المالية منذ سنة 2012 والتي يدعو من خلالها رئيس الحكومة إلى حصر المناصب المالية الممكن إحداثها في الحدود الدنيا).
وعلى ضوء ما سبق بيانه من التشخيص، لن نجافي المنطق ولا الموضوعية إن قلنا أن ملف التشغيل ومحاولة امتصاص البطالة، هو أحد مجالات إخفاق الحكومة الحالية، استنادا على مجموعة مؤشرات ومعطيات، من جملتها:
 ارتفاع معدل البطالة(خاصة طويلة الأمد) في شقيه الكمي والنوعي والذي حسب إحدى نشرات المندوبية السامية للتخطيط، شهد ارتفاعا خلال الربع الثالث سنة2015، وانتقل من 9.9 في المائة سنة 2014إلى 10.1 في المائة على المستوى الوطني حاليا – رغم تحفظ الكثير من الباحثين الاقتصاديين المغاربة على الأرقام المصرح بها لنسبة البطالة في المغرب بسبب محدودية المعطيات الإحصائية وعدم ملائمة المعايير المتبعة من قبل المندوبية في مجال حساب مؤشرات التشغيل والبطالة للواقع الوطني - أي بخلاف تعهدات الحكومة بتخفيضها إلى 8 في المائة في أفق 2016؛
 تراجع صافي عدد مناصب الشغل المحدثة سنويا،فبحسب تقرير مؤسسة بنك المغرب برسم2014 ، لم يتجاوز صافي عدد مناصب الشغل المحدثة برسم تلك السنة 21 ألف منصب شغل، وفي نفس الاتجاه واستنادا إلى المعطيات المقدمة من طرف المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب،نجد فقط 33 ألف منصب شغل تم خلقها خلال سنة 2015، علما أن الاقتصاد المغربي كان يسهم في إحداث 166ألف منصب شغل سنويا في المتوسط وذلك في الفترة بين 2000 و2007،بحسب معطيات سابقة نشرتها المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب؛
 تراجع مساهمة القطاع العام (الإدارات العمومية، الجماعات الترابية، المقاولات والمؤسسات العمومية)، في السوق الوطنية للشغل بالمغرب، من 10.7في المائة سنة 2007 إلى 8 في المائة حاليا من مجموع الساكنة النشيطة الوطنية(نسبة لا ترقى إلى النسب المتعارف عليها دوليا ولا للباروميتر الدولي في مجال التشغيل في القطاع العام=27 في المائة )، في مقابل انتقال طفيف لمساهمة القطاع الخاص في المغرب في سوق الشغل الوطنية من 89.3 في المائة سنة 2007 إلى 91 في المائة حاليا؛
 انخفاض في معدل التشغيل بحيث انتقل من 46 في المائة سنة 2007 إلى 43.3 في المائة سنة 2015.
وتأسيسا على ذلك، فالحصيلة في هذا المضمار لم تكون بالمستغربة، من منطلق أن ملف التشغيل لم يكن أولوية لدى الحكومة( ثمة من داخلها حتى الآن من لا يراه من الملفات المهمة والتي يجب معالجتها)،فهي لم تكن قادرة على الاستجابة لتطلعات الشباب المغربي وطموحاتهم، وخاصة مسألة تشغيلهم وتأمين فرص العمل لهم، فهي لم تمتلك منذ البداية برنامج عمل وإستراتيجية واضحة لتشغيلهم - بعيدا على لغة التسويف والإغراق في الأماني - على اعتبار أن تركيزها انصب على ضبط التوازنات الماكرو –اقتصادية، التي تقتضي في جزء من فلسفتها التقليل من نسبة عجز الميزانية العامة ولو على حساب التوازنات الاجتماعية.
ضاربة بعرض الحائط ، كون الميزانية العامة التي يطغى عليها طابع التقشف لا يكون تأثيرها إيجابيا في خلق فرص الشغل، إذ يقول في هذا الصدد العديد من الاقتصاديين ومن بينهم " جون مينارد كينز"، أنه " لمعالجة الأزمات الاقتصادية لا بد من دور تدخلي للدولة من خلال ميزانية توسعية، وأن عجز الميزانية العامة للدولة يمكن معالجته من خلال معالجة مشكلة البطالة،بتدخل الدولة لصالح إيجاد فرص شغل للعاطلين عن العمل حتى لو كان عملا وهميا من نمط حفر حفرة في الأرض وإعادة ردمها، فإن رواتبهم ستسهم في خلق طلب على السلع والخدمات مما يدفع بالعجلة الاقتصادية ويحرك ككل الدورة الاقتصادية".
وفي ضوء ذلك، وخلال السنوات الماضية، ورغم أن الحكومة وعدت من خلال قوانين المالية السنوية بتأمين فرص الشغل وطرحت العديد من مبادرات التشغيل(مبادرة، المقاول الذاتي...)، لكنها لم تكن قادرة على تنفيذها، فكيف إنجاحها بسبب غياب الرؤية الواضحة ونتيجة غياب النهج الاقتصادي الواضح لتشغيل الشباب، وكذا بحثها عن حلول من الماضي وإعادة إنتاجها من جديد (برنامجي إدماج وتأهيل).
ولعل ما زاد و سيزيد - لا محال- من تفاقم البطالة في المغرب وبخاصة وسط حاملي الشواهد العليا، هو النموذج الاقتصادي المتبع (توجد علاقة جدلية بين مستويات النمو والتشغيل،بحيث انه كلما ارتفع معدل النمو ارتفعت فرص الشغل الممكن إحداثها، إلا أن الاقتصاد المغربي يتميز بنسب نمو متأرجحة من سنة لأخرى ، تبقى غير كافية لخلق دينامية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث من المتوقع أن تبلغ نسبة النمو 2.1 في المائة سنة 2016)، وكذا التغيير في سياسات الدولة التشغيلية ومحاولاتها الحد من التوظيف في القطاع العام، نتيجة التحجج الحكومي المستمر بكون الترسانة البشرية داخل الإدارات العمومية ككلفة مالية تشكل عائق ماكرو اقتصادي أمام الدفع بعجلة التنمية (الإدارة المغربية لا تعاني تضخم في أعداد موظفيها مقارنة مع العدد الإجمالي للسكان، إذ يمثل فقط 2.71 في المائة إذا ما قورنت النسبة بدول ذات المستوى التنموي المماثل تونس3.7 في المائة، بأكثر من 450 ألف موظف لساكنة تقدر بحوالي 10 ملايين نسمة ، كما أن نسبة التوظيف في القطاع العام بالمغرب لا ترقى إلى النسب المتعارف عليها دوليا)، كما تشكل عبئا على ميزانية الدولة (105.51 مليار درهم2015)،وهو الأمر الذي مهد الطريق ويمهد للحكومات المتعاقبة نحو الإقدام على إجراءات من قبيل التقليص من عدد المناصب المالية في قوانين المالية السنوية -كما اشرنا سلفا- وتجميد المناصب الشاغرة بفعل التقاعد وذلك على الرغم من أن السبب الحقيقي لهذا التوجه كونه تنفيذ للتوصيات المملاة من لدن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، هذا الأخير الذي أوصى المغرب في تقريره الشهير لسنة 1995 (حول القطاعات الأساسية الثلاث الاقتصاد والتعليم والإدارة)، بتقليص أعداد الموظفين وقد تعهدت الحكومات أنداك والحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام إلى يومنا هذا بتنفيذ هاته التوصيات.
أما المسألة الأخرى، التي ستلقي بظلالها على التوظيف في القطاع العام، هي تلك المتعلقة بالتوجه الحكومي الرامي لإصلاح أنظمة التقاعد وما يعنيه ذلك تقليص عدد المناصب المحدثة تلقائيا بالنسبة لكل سنة مالية جديدة، وذلك إذا ما صودق على القانون المقترح والقاضي برفع سن التقاعد،وما يعنيه ذلك من تعويض المنصب الذي كان سيحدث بمنصب الموظف الذي سيتم رفع سن إحالته على التقاعد،علما أن التقليص من نسبة التوظيف هو الذي أضر بقاعدة التوازن المالي والديمغرافي لصناديق التقاعد في المغرب،ووجود معطيات سابقة للمندوبية السامية للتخطيط تشير إلى وجوب خلق 400 ألف وظيفة سنويا حتى سنة 2020 لمنع تفشي البطالة وتفادي تهديد السلم الاجتماعي.
وبتمثيل أدق، ولكي نقرب هذا المعطى للفهم والاستيعاب، سنأخذ مثال قانون المالية لسنة 2016 الذي يتحدث عن إحداث 25.948 ألف منصب مالي، وهو رقم جيد إذا ما قرئ بشكل مجرد، إلا أنه وبربطه باعتزام الحكومة تنفيذ تصورها القاضي بإصلاح أنظمة التقاعد خلال سنة 2016.
فيعني أن عددا من المناصب المالية المحدثة ستلغى تلقائيا إذا ما طبق هذا المنظور للإصلاح والقاضي في شطر منه برفع سن التقاعد، وذلك بتعويض المنصب المحدث عن سنة 2016بمنصب الموظف الذي سيتم رفع سن إحالته على التقاعد، علما أن العديد من القطاعات وخاصة الاجتماعية تعاني من خصاص مهول في الموارد البشرية بفعل تأثيرات عملية المغادرة الطوعية المسماة (انطلاقة)، والتي أسس لها المرسوم رقم 2.04.811 ،الصادر بتاريخ 23 دجنبر 2004 سنة.
وأمام هذه الوضعية والحصيلة، نستخلص أن:
- قضية التشغيل والبطالة،لا تزال تقع في قلب المفارقات الكبرى للنموذج التنموي المغربي.
- مجهود الحكومة والاقتصاد المغربي لا يلبيان سوى قرابة 60 في المائة من حاجة سوق الشغل الوطنية.
- فشل المغرب في ربط سياسة التنمية الاقتصادية بالمجالات الاجتماعية.
- تحكيم المقاربة الظرفية التي تنطلق من منظور يكرس المعالجة الاختزالية الجزئية في التعاطي مع ملفات لها طابع بنيوي.
- استمرار تركيز السياسات العمومية المتبعة في المجال الاقتصادي في المغرب على هاجس الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية وذلك على حساب التوازنات الاجتماعية.
وهذا – بالمحصلة- ما يفضي بنا إلى طرح أسئلة كثيرة تهم السياسات الحكومية المتبعة في المغرب إزاء معضلة البطالة ومقاربتها للملفات الاجتماعية من جملتها ملف التشغيل ،وذلك من قبيل:
هل تخلت الحكومات في المغرب عن دورها الاجتماعي؟ هل لا تزال تستحضر الحكومات الانتظارات الاجتماعية لعموم المواطنين المغاربة وبخاصة فئة الشباب؟ إلى أين تريد الحكومات والدولة المغربية أن تدفع الشباب المغربي؟ هل يمكن للمجتمع المغربي تحمل تبعات وتداعيات إشكالية البطالة التي تعد عدوة التنمية والسلم الاجتماعي؟ هل تملك الحكومات المغربية الشجاعة في تقييم حصيلة تطبيقها لوصفات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية وبخاصة في القطاعات الاجتماعية؟.
نقطة أخيرة، لم يبقى لنا إلا أن نؤكد أنه إذا كان من جهة مؤشر البطالة يتحرك عادة ارتفاعا وانخفاضا تبعا لازدهار أو ركود القطاعات الاقتصادية في البلد،فذلك من جهة أخرى لا يعفي الحكومات من مسؤوليتها في معالجة الأوضاع والإشكالات المتولدة عنها، إذ يعتبر عجز الدولة ككل عن إيجاد الحلول المناسبة لتشغيل الشباب، مشكلا حقيقيا يحرم البلد من أهم مقومات النهوض بالتنمية ألا وهو الرأسمال البشري الذي من المفروض أنه أعد لهذا الغرض.
فمن غير الطبيعي والمعقول بالمطلق أن يكون مصير الاعتمادات المالية المهمة التي استثمرت في تكوينهم الإهدار والضياع، هذا لمن يفهم لغة الكلفة المالية، أما لمن يفقه صوت الحكمة، فالمنطق السليم يدعو إلى الإسراع بالاستفادة من هذه الطاقات الواعدة للاستبشار بمستقبل مشرق.
وعلى هذا الأساس، فإن إشكالية التشغيل ومعضلة البطالة، تعتبر من أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة التي ستنبثق بعد الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر2016، خاصة، والمجتمع المغربي بوجه عام في قادم السنوات،في ظل وجود أرقام تفيد بأن 180 ألف مغربي ومغربية يصلون إلى سوق الشغل سنويا.
وترتيبا على ذلك، ودرءا لكل المخاطر والتداعيات الحاصلة الآنية والمستقبلية، فالساهرون على تدبير الشأن العام في المغرب مطالبون اليوم – وأكثر من أي وقت مضى- بالنهوض بالتشغيل وتعزيز برامج محاربة البطالة الأخذة بالاتساع، على اعتبار أن التشغيل هو ضمانة لاستقرار الاجتماعي وللكرامة وعنوان للتمكين من مختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولن يتأتى ذلك إلا من خلال مايلي :
 أولا : تلافي اللجوء إلى الحلول الإسعافية وكذا العشوائية والارتجالية في تدبير ملف التشغيل، وهي النقطة التي حالت دون التنزيل السليم للبرامج القطاعية المتوجهة نحو معالجة الإشكالية- بالإضافة إلى العجز الذي تحتويه تلك البرامج والمتمثل في غياب حسن التخطيط وعدم التناسق بين القطاعات وبالأخص التفاوتات النظرية الموجودة بين السياسات التعليمية المتعاقبة من جهة وغيرها من السياسات ذات الأثر المباشر على الاقتصاد المغربي وبالتبعية حاجياته من الأطر والكفاءات واليد العاملة من جهة أخرى- وشمولية الرؤية ووضوحها والتعامل بمعقولية؛
* ثانيا:صياغة إستراتيجية وطنية إرادوية للتشغيل،يشارك في بلورتها إلى جانب الحكومة،الفاعلين الاقتصاديين والفرقاء الاجتماعين وكذا الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية في المغرب، وتتضمن مجموعة برامج ومبادرات واضحة الأهداف والأساليب و تأمين شروطها الموضوعية وآليات تنزيلها (نحن بحاجة إلى حكومة لديها إرادة وشيء تقدمه للشباب المغربي وتلتزم به لا حكومة كثيرة الشكوى والتبرير وقلة العمل) ؛
* ثالثا: وضع مجموعة من المؤشرات لتتبع وتقييم مختلف الاستراتيجيات والبرامج المعتمدة في مجال تشغيل؛
* رابعا : تصميم نظام معلوماتي مندمج لتتبع وتقييم هذه الاستراتيجيات والبرامج المعتمدة في مجال تشغيل؛
* خامسا :دعم البعد الجهوي للتشغيل في المغرب، من خلال التسريع بخلق المجلس الجهوي للتشغيل الذي جرى النقاش حوله إبان إعداد تقرير الجهوية المتقدمة، بهدف جعل الجهات شريكة للدولة والقطاع الخاص في خلق مناصب الشغل من جهة، ومن جهة أخرى لمعالجة التفاوتات المجالية فيما يتعلق بمعدلات التشغيل والبطالة،ذلك أن تحليل معدلاتهما يظهر وجود فوارق،بحيث يسجل وجود تفاوتات كبيرة في معدلات البطالة بين الجهات المغربية؛
* سادسا:التفعيل الحقيقي لتدخل الحكومة عن طريق الحسابات الخصوصية للخزينة المخصصة لحل إشكالية التشغيل ومعضلة البطالة في المغرب، والتي يجري التنصيص عليها سنويا في مختلف قوانين المالية،ونعني بذلك "صندوق النهوض بتشغيل الشباب" (خصصت له كاعتمادات مثلا في قانون المالية لسنة 2016 ما مجموعه 710 مليون درهم )،و"صندوق تمويل نفقات التجهيز ومحاربة البطالة" (خصص له هو الأخر اعتمادات في نفس القانون تصل إلى 566 مليون درهم و 600 ألف درهم).
*باحث في التدبير الإداري والمالي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.