"لَقَد بَتروا يَدِي، يا إلهي بماذا سأكتب؟".. تلك هي الجملة التي ظل "مصطفى. م" يرَدّدها بعد أن استعاد وعيه وتأكد أن يده اليُمنَى بُترت بمُستشفى مولاي علي الشريف بالرشيدية، بعد أن تعذّرت الحلول الطبية الأخرى. التلميذ مصطفى تعرّض رفقة زملائه لحادثة سير بعد اصطدام شاحنة كانت تقِل ما يزيد عن أربعين تلميذا بسيارة رباعية الدفع، مساء الجمعة الماضي، في طريق عودتهم من مؤسساتهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع رفقة ذويهم، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه. وأودت الحادثة بحياة تلميذة (ك.م)؛ فيما تنوعت الإصابات في صفوف التلاميذ الآخرين بين الخطيرة والخفيفة. "ربّاه بماذا سأكتب وقد بتروا يدي؟"، يكَرّرها مصطفى بلسانه الأمازيغي وهو يغالب دموعه، ويقضي كل وقته في تأمل ذلك الجزء من جسده الذي لم يعد يملكه، متسائلا عن مصير تلك الأصابع التي كانت قبل يومين تُدَوّن الواجبات المنزلية في قسم بإعدادية ابن خلدون، وهو يَعِد أستاذه بأن ينجزها كما يجب.. هاهي قد بُترت يده، كمن أُرغم على المشاركة في حرب لا تعنيه، وعاد منها دون جزء من جسده الصّغير، ودون طموحات وأمنيات كان يتمنّى أن يُحققها. مصطفى، ابن قرية بوديب بجماعة مصيصي بإقليم تنغير، التي تبعد ب40 كيلومترا عن ألنيف، وتبعد عن الإعدادية التي يدرس بها ب25 كيلومترا، لم يكن يعلم أنه يوم الجمعة الماضي سيدفن يده التي يكتب بها، وهو التلميذ المُجدّ الذي لا تقل مُعدلاته عن 16/20..عندما اتّصلت به هسبريس، وسألته عن حالته، ردّ قائلا: "ما يؤرقني ليس هو الألم، بل تفكيري المستمر في عدم قدرتي المستقبلية على أن أمسك القلم وأكتب". بَاهَا وْيُوسف، وَالد التلميذ مصطفى، الذي يرقد حاليا بمستشفى مولاي علي الشريف، عبّر لهبسريس عن حزنه الكبير بعد بتر يد ابنه المُجِد، وزاد بأن "الطبيب أخبره بضرورة أن يغادر مصطفى المستشفى اليوم الاثنين، رغم أن يده بُترت، والضمادات بالكاد استُبدلت مرة وحيدة فقط"؛ وأضاف: "هل أذهب به إلى قريتي، حيث لا يوجد سوى الرمل، ولا دواء ولا طبيب. ألنيف حيث يوجد أقرب مستوصف، لا يتوفر على أي شيء، تبعد عن منزلي ب40 كيلومترا .يجب أن يبقَى هنا ليتلقّى العلاج الملائم على الأقل". وعن دراسة مصطفى، يقول والده إنه يدرس بإعدادية ابن خلدون، بمركز مصيصي، ويتناول وجباته بداخلية تلك الإعدادية، ويبيت ب"الخيرية"، مضيفا: "المدير أخبرني بعدم وجود أسرة للنوم بالدّاخلية، لذلك عمدت إلى دفع مبلغ إضافي ليتمكن من النوم في الخيرية". وأضاف الأب أن ابنه كان يود قضاء نهاية الأسبوع رفقة إخوته بالمنزل، ولم تكن هناك من وسيلة نقل غير تلك الشّاحنة، التي اصطدمت بسيارة، فهرول الآباء إلى موقع الحادث، وعملوا على نقل التلاميذ إلى تنغير ثم إلى الرشيدية. الحادث جعل المئات من ساكنة ألنيف يخرجون إلى الشارع يوم السبت الماضي، ويحتجون قبالة المسشفى المحلي، مطالبين السلطات المعنية ب"توفير النقل المدرسي لفلذات كبدهم، حتى لا يُغامروا بركوب الشّاحنات التي لا يجدون غيرها، والتي يتطوع سائقوها لنقلهم مجانا، من وإلى مدارسهم، خاصّة وأن المسافة طويلة، ولا يمكن للتلاميذ أن يقطعوها راجلين". وطالب المحتجون وزارة الصحة ببناء "مستشفى يتوفر على تجهيزات ومعدات، ويُعفي سكان دائرة ألنيف من التنقل في كل مرة نحو الرشيدية أو نحو تنغير وورزازات". وأكد محتجون تحدثوا إلى الجريدة أنهم لن يتابعوا السائق الذي جُرح أيضا في الحادث، وقال أحدهم: "لا وسائل لدينا لنقل التلاميذ..منذ سنوات وهم يتنقلون عبر الشّاحنات أو عبر سيارات النقل المزدوج. سائقو الشاحنات إنما يتطوعون لتخفيف معاناة أبنائنا، في غياب نقل مدرسي بجماعاتنا القروية".