يجمع أغلب متتبعي الشأن التركي على أن مؤسسة "زمان" الإعلامية الشهيرة تعتبر إحدى الأذرع القوية لجماعة الخدمة التي يتزعمها فتح الله غولن. هذه الآلة الإعلامية القوية ما فتئت تفتح منشوراتها الإعلامية لمعارضي نظام حكم العدالة والتنمية بتركيا، وتعمل على تتبع مختلف أخطائه الدبلوماسية وخروقاته الحقوقية، بحكم الصراع الذي لم يعد خفيا بين أنصار جماعة الخدمة وأعضاء حزب العدالة والتنمية التركي؛ مما جعل الجريدة الأكبر شعبية ومبيعا في تركيا تتعرض للتضييق واعتقال صحافييها وملاحقتهم ومتابعتهم قضائيا في أكثر من مرة، وعند كل محطة انتخابية. وفي سابقة من نوعها، نشر العدد الصادر يوم 06 مارس 2016 لجريدة "زمان"، الناطقة بالتركية، على صفحته الأولى، صورة لرئيس الجمهورية التركية، طيب رجب إردوغان، وهو يمسك بيد امرأة عجوز، رافعا إياها إلى الأعلى، وهي تحمل صورته بيدها الأخرى دعما له. هذا التحول المفاجئ اعتبره رجال السياسة والصحافة التركية تغيرا ملفتا في خط تحرير مجموعة «زمان» التي تعرضت في وقت مضى للوصاية القضائية من قبل القضاء التركي. وكان داوود أوغلو، رئيس الحكومة التركي، قلل من شأن هذا الإجراء، واعتبره إجراء قضائيا عاديا وليس قرارا سياسيا، إلا أنه مباشرة بعد إصدار هذا القرار تحولت الجريدة التي كانت توصف بأشرس جرائد المعارضة إلى منبر للرئيس إردوغان، بعدما تم الإتيان بمسؤولين وصحافيين من خارج هيئة تحرير الجريدة. وكانت بوادر تغيير الخط التحريري للجريدة ظهرت بعد طرد رئيس التحرير عبد الحميد بليجي من مكتبه يوم السبت 05 مارس، كما أن الإدارة الجديدة عملت على إعداد الصفحة الأولى في سرية تامة، وبأقلام من خارج الجريدة، وتضمنت كخبر رئيس حفل تدشين الجسر الجديد بإسطنبول، وخبر استقبال قصر الجمهورية للعموم بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة "08 مارس". قدماء جريدة "زمان" لم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سارعوا إلى إصدار جريدة جديدة تمت تسميتها "يارينا باكيش"، وتعني باللغة العربية "نظرة نحو المستقبل"، وتضمنت صفحتها الأولى تفاصيل الحصار الأمني وتدخل رجال الشرطة لاقتحام مقر مؤسسة "زمان" الإعلامية، وكل ما رافق ذلك من إطلاق لخراطيم المياه والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وبهذا الحدث المفاجئ، يكون أردوغان قد وجه لغريمه فتح الله غولن ضربة موجعة في أقوى أسلحته الإعلامية، تماشيا مع الخط التحكمي الذي أصبح يمارسه على الإعلام التركي منذ أحداث "تقسيم" بإسطنبول، إذ اعتبر أن الإعلام حاول تهويل المظاهرات التي تزامنت مع الربيع العربي، وقام بتضخيم أعدادها لتهييء انقلاب على حزب العدالة والتنمية التركي. غير أنه في المقابل لا ينتظر من جماعة فتح الله غولن أن تبقى مكتوفة الأيدي، فبإمكانياتها المالية وفروعها المتعددة داخل تركيا وخارجها، وبالاستعانة برجالات الأعمال المنتمين إليها، تبدو قادرة على خلق مجموعة إعلامية جديدة على غرار "زمان"، في انتظار القرار القضائي النهائي بشأن هذه الأخيرة.