بسم الله الرحمن الرحيم : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يومنون }. تعيش الأمة العربية والإسلامية اليوم على إيقاع تحولات ضخمة وثورات هائلة، يقودها شباب متعلم كسر حاجز الخوف،بأدوات سلمية في مواجهة أنظمة متعفنة لم تغني عنها جيوشها ولا مخابراتها من الله شيئا ! لكن بعض المنتسبين إلى أهل العلم لا يرون في غضب الشارع العربي إلا فتنة الخروج عن طاعة الحاكم الملهم! بينما الخروج مصطلح شرعي المقصود منه الخروج المسلح عن الجماعة من غير تمييز بين برها وفاجرها، ونموذجه الواضح استهداف المدنيين بتلك التفجيرات العمياء من جماعات معزولة، لا حظ لها من الفقه الإسلامي. الفتنة يا سادة هي تهريب أموال الأمة وتفقير شعوبها وإشغالها بطلب لقمة العيش من حلها وحرامها... الفتنة يا سادة هي نشر ثقافة الميوعة والفساد وبناء مجتمع الإثارة ووضع الحواجز أمام العلاقات الشرعية بين الجنسين لإشغال الشباب بنصفه السفلي...الفتنة يا سادة هي تكميم أفواه العلماء بالترغيب والترهيب، وإطلاق العنان لدعاة الضلالة يصولون ويجولون في الإعلام والسينما والمسرح، فإذا تفوّه عالم بكلمة حق تمّ عزله...الفتنة يا سادة هي ترك الشباب المتدين بدون تأطير علمي وسياسي لتتلقفه جهات مشبوهة وتشحنه ضد مجتمعه ورموزه...الفتنة يا سادة هي إغلاق أبواب الشغل والعيش الكريم في وجه الشباب، وإطلاق أيادي اللصوص الكبار يعيثون فسادا في خزينة الدولة دون حسيب أو رقيب... الفتنة يا سادة هي أن يضع البعض يده على بطنه من عضة الجوع، والبعض الآخر يضعها من شدة التخمة...الفتنة يا سادة هي محاصرة شعب أعزل وخذلانه وإسلامه لعدوه يغتصب أرضه وعرضه... المداخل الخمسة لمواجهة الطغيان من القرآن العظيم يقدم لنا القرآن الكريم نماذج متنوعة لمواجهة الطغاة، ولعل أبرزها نموذج موسى عليه السلام مع فرعون مصر الذي علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، لكنا سنقتصر هنا على نماذج أبطالها ليسوا بالضرورة رسلا أو أنبياء، قص الله علينا من خبرهم، وأثنى عليهم من أجل أن نقتدي بهم، بحسب الشروط الذاتية والموضوعية التي تتغير من جيل لآخر، ومن مكان إلى آخر. الصور التي يقدمها لنا القرآن تعبر في معظمها على أعلى درجات العلو والطغيان،وهي في أزمنة مختلفة ومتباعدة، لملوك ظلموا وتجبروا وزعموا أنهم آلهة أو جزءا من الآلهة يقاسمونها قداستها أو يتكلمون باسمها،فقام في وجوههم أفراد أو جماعات من المومنين أتباع الأنبياء، خلد الله ذكرهم في كتابه العزيز تعظيما لمواقفهم وتنويها بها. وإني لأعجب كيف يستنكر بعض المنتسبين لهذا العلم وهم يتلون القرآن وقوف شباب الأمة اليوم في وجه الفساد والطغيان واحتجاجهم سلميا على سرقة خيرات بلادهم وحرمانهم من الحرية والكرامة، يرفعون شعار " الشعب يريد إسقاط الطغاة "!! مدخل المواجهة من داخل المؤسسات الرسمية ونموذجه مؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه برسالة موسى عليه السلام، ويقال أنه ابن عم فرعون، فلما علم أن قومه يسعون لقتل موسى والقضاء على دعوته، توجه إليهم في البداية يجادلهم بالعقل ويذكرهم بنعمة الملك، وأن موسى لا ينازعهم الأمر إذا هم استجابوا لدعوته وأطلقوا سبيل بني إسرائيل.قال تعالى في سورة غافر: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم،ْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ،إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴿28﴾ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا؟ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )...فعقب مؤمن آل فرعون على استبداد ملك مصر، بأسلوب فيه وعظ وتزهيد في هذا المتاع الفاني الذي أورثهم حبه والتعلق به ظلم العباد،( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿38﴾ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴿39﴾ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ). فلما تبين له أنهم في طغيانهم يعمهون، أظهر إيمانه وجهر في وجوههم بكلمة الحق،وأعلن البراء منهم، فقال متحديا لهم:( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ﴿41﴾ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿42﴾ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴿43﴾ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ،وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿44﴾ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ،وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ). لقد طورت المجتمعات الحديثة أدوات المواجهة من داخل المؤسسات القائمة بما يسمح لها بكبح جماح الدولة المتغولة، فوضعت ما يسمى بآليات التداول السلمي على السلطة، كتحديد ولاية الحاكم، وحق المعارضة في مساءلة الحكومة أو حجب الثقة عنها أو إسقاطها عبر انتخابات حرة ونزيهة تعبر فيها الشعوب عن إرادتها في من يحكمها وبم يحكمها، وتشجيع الصحافة الحرة التي تعري المفسدين، وتعدد الأحزاب، وتنوع نشاط جمعيات المجتمع المدني...إلخ المدخل الثوري السلمي ويمثله مؤمن ياسين، فقد ذكر القرآن في سورة ياسين خبر القرية التي كذبت رسولين من رسل الله، فعززهما الله بثالث من رسله، فتمرد أهل القرية عليهم جميعا وهددوهم بالقتل:( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)، هنا سيبرز على مسرح الأحداث رجل ثائر، غاضب لله ولرسله ، رافع صوته في وجه قومه، محتج على الطريقة التي واجهوا بها رسل الله، غير مبال بالأذى الذي سيلحقه منهم، قال تعالى : (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿20﴾ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴿21﴾ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿22﴾ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴿23﴾ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿24﴾ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿25﴾ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ،قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿26﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ). يقول سيد قطب رحمه الله معلقا على نهاية هذا المشهد المؤثر: " ويوحي سياق القصة بعد ذلك أنهم لم يمهلوه أن قتلوه (قلت : هذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين) ،وإن كان لا يذكر شيئاً من هذا صراحة، إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها ، وعلى القوم وما هم فيه ، ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جهر بكلمة الحق ، متبعاً صوت الفطرة،وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل ، نراه في العالم الآخر،ونطلع على ما ادخر الله له من كرامة تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد: قيل ادخل الجنة، قال:يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.وتتصل الحياة الدنيا بالحياة الآخرة، ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء، وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة، ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق، ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم ،ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين . " مدخل العصيان المدني وتمثله جماعة المومنين المشار إليها في سورة "البروج"، فقد روى مسلم قصة الغلام الذي أراده الملك أن يكون وارثا لعلم كبير السحرة عنده، لكنه فضل الأخذ عن الراهب العابد، فأمر الملك وكان يدعي الألوهية جنوده بقتله ،فوقاه الله شرهم، وجاء الغلام حتى دخل على الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ فقال : كفانيهم الله تعالى، ثم قال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال وما هو؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع وتأخذ سهما من كنانتي، ثم قل باسم رب الغلام، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، ففعل فوقع السهم في صدغ الغلام فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام.فقيل للملك أرأيت ما كنت تحذر؟ فقد والله نزل بك، قد آمن الناس كلهم، فأمر بأفواه السكك فخدّت فيها الأخاديد وأضرمت فيها النيران، وقال ذلك الجبار: من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها، قال فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون. قال تعالى : (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴿4﴾ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿5﴾ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ﴿6﴾ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴿7﴾ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿8﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿9﴾ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ). فهؤلاء الذين عصوا ملكهم الذي كان يأمرهم أن يتخذوه معبودا من دون الله،وصبروا على حرّ النار في الدنيا، يمثلون أرقى درجات ما نسميه اليوم بالعصيان المدني. وكذلك سحرة فرعون لما بارزوا موسى عليه السلام في ميدان السحر و الناس شهود، فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون،( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴿46﴾ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿47﴾ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴿48﴾ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ،إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿49﴾ قَالُوا لَا ضَيْرَ، إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴿50﴾ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ). فعصوا أمر فرعون رغم التهديد والوعيد وما نزل بهم من البلاء. مدخل الانسحاب من المجتمع ويمثله أصحاب الكهف، وهم شباب قيل كانوا أبناء أشراف وعظماء آمنوا بربهم وكفروا بما كان عليه قومهم، وبدؤوا في نشر دعوتهم، وكانوا في زمان ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس كان يأمر الناس بعبادة الأصنام والذبح عندها وتقريب القرابين لها، فلما بلغه خبر الفتية استحضرهم بين يديه، فسألهم عن أمرهم وما هم عليه، فأجابوا بالحق ودعوه إلى الله عز وجل، فهددهم وتوعدهم وأمر بنزع زينتهم، ثم أمهلهم لينظروا في أمرهم، فاغتنموها فرصة للفرار بدينهم والاختباء في الكهف،وكان من خبرهم العجيب ما قصه القرآن مفصلا في سورة الكهف.قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ﴿9﴾ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴿10﴾ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ﴿11﴾ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴿12﴾ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴿13﴾ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴿14﴾ هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾. فهذا مسلك جائز، خصوصا عند ظهور الفتن وكثرة الهرج واعتداد كل ذي رأي برأيه واتخاذ الناس رؤوسا جهالا يقودونهم بغيرعلم ولا هدى من الله، وهو احتجاج بصورة حضارية على ما آل إليه أمر الناس من الفساد وظهور أهل البدع والزندقة وتبوئهم منزلة النخبة. عن أبي ثعلبة الخشني قال في هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم }: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا بد لك منه، فعليك بنفسك وإياك وأمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، صبر فيهن على مثل قبض على الجمر، للعامل منكم يومئذ كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله". مدخل الجهاد المسلح وله أحكامه وضوابطه وقواعده مبسوطة في مظانها من كتب الفقه، ليس هذا مجال ذكرها. تلك خمسة مداخل لمواجهة الطغيان ذكرها القرآن الكريم ليس من باب الحصر، ولكن تنويها بأصحابها وتعليما لنا أن نقتدي بهم ، كل بحسب ظروفه وإكراهاته وما أوصله إليه اجتهاده، والله أعلم.