لا أحد ينكر التأثير المتزايد لريادة الأعمال النسائية على النمو الاقتصادي، إذ بولوج المرأة عالم الأعمال أصبحت المقاولات النسائية تشكل قوة اقتصادية أساسية استطاعت تحقيق أرقام معاملات عالية وإحداث مناصب شغل وخلق ثروات، لترفع بذلك مؤشرات إسهام المرأة في التنمية الاقتصادية على الرغم من التنافسية العالية للرجل. ولعل المناخ الاقتصادي في المغرب يتيح للمرأة خوض غمار المنافسة وولوج عالم الأعمال من أوسع أبوابه، فليس هناك أي تمييز بينها وبين الرجل، من الناحية القانونية، في ما يتعلق بالمساطر الخاصة بإحداث المقاولات، فضلا عن وجود هيئات تنتظم داخلها النساء المقاولات، من قبيل "جمعية النساء رئيسات المقاولات بالمغرب"، وأخرى توفر الدعم والمساندة في مجال إحداث المقاولات كما هو الشأن بالنسبة للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات، والمراكز الجهوية للاستثمار. واعتبارا لكون عالم المقاولات يحتاج إلى قدرات متطورة وكفاءات تدبيرية عالية، فإن الجامعات المغربية أدرجت خلال الإصلاح الجامعي الأخير مسالك متخصصة في تدريس ريادة الأعمال، فضلا عن كون هذا التخصص شكل موضوع برامج تم توقيعها مع جامعات أجنبية من قبيل "برنامج فهم المقاولة" بين بعض الجامعات ومكتب العمل الدولي، وبرامج أخرى تروم تنمية ثقافة المقاولة لدى الشباب. لكن رغم المؤهلات المتاحة على المستوى القانوني والتعليمي، فإن معطيات للمندوبية السامية للتخطيط تفيد بأن عدد المقاولات التي تديرها النساء ينحصر في 12 ألف وحدة، أي 10 في المئة من مجموع المقاولات، وهي في مجملها مقاولات صغيرة تنشط في قطاع التجارة والخدمات بنسبة 67 في المئة. ويعزى انخفاض نسبة المقاولات التي تديرها النساء، حسب رئيسة "جمعية النساء رئيسات المقاولات بالمغرب"، أسماء مورين عزوزي، في بعض الأحيان، إلى عدد من التحديات والاكراهات فضلا عن بعض الأوساط التي تنظر للمرأة المقاولة على أنها تعدت بعض الخطوط الحمراء. وأوضحت عزوزي، أن المجتمع المغربي ينتظر من المرأة أن تكرس وقتها وجهدها لأسرتها وتستغل مؤهلاتها التدبيرية في إدارة الشؤون اليومية للأسرة، "وحتى إذا اضطرت للعمل فيستحسن أن يكون ذلك في قطاعات تضمن لها الاستقرار، وبشكل أمثل في أسلاك الوظيفة العمومية". وحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "النهوض بالمساواة بين النساء والرجال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية" فإن المغرب يحتل المرتبة 135 على صعيد المشاركة الاقتصادية للمرأة برسم سنة 2014. كما يحتل المرتبة 24 من أصل 30 في ما يتعلق بسياسات وآليات دعم ومواكبة المقاولات النسائية ذات الإمكانات القوية، علاوة على تصنيفه ضمن البلدان التي لها ثقافة محافظة من حيث قبول الدور السوسيو- اقتصادي الذي تلعبه النساء في المجتمع. وحسب نفس التقرير، فإن نسبة النساء التي تحتل مركز قرار في المقاولات الخاصة التي تعمل في مجال التجارة و الصناعة و الخدمات لا تتعدى 0,1 بالمائة، فضلا عن ذلك، فإن تمثيلية النساء في هيئات الحكامة داخل المقاولات تظل ضعيفة، بحيث لا يمثلن سوى 7 بالمائة فقط من نسبة مديري أكبر المقاولات العمومية. لكن ولوج التمويل يشكل أكبر عائق أمام النهوض بريادة الأعمال لدى النساء في المغرب، بالنظر لكون المرأة غير مؤهلة، حسب العزوزي، للدفاع عن ملفها لدى مؤسسات بنكية تتحفظ في التعامل مع النساء وتتخوف من إقراضهن، وهو ما يفسر أيضا، برأيها، اعتمادهن على ادخارهن الشخصي أو على دعم العائلة لإحداث مقاولات صغيرة أو صغيرة جدا في معظم الحالات، مشيرة في الوقت ذاته إلى الدور الذي يمكن أن يضطلع به صندوق الضمان المركزي، باعتباره آلية من آليات الدولة، في تحفيز المبادرة الخاصة عبر تشجيع خلق المقاولات وتطويرها وتحديثها، لا سيما من خلال برنامج "إليك" الذي يضمن قروض الاستثمار الممنوحة للنساء بمعدل 80 في المئة. وحتى إذا توفرت مصادر التمويل، فإن الممارسات السوسيو الثقافية للمجتمع المغربي لا تقبل بعد انخراط المرأة في إطار مقاولاتي مهيكل ومنظم بل لا تتعدى حدود تقبلها مستوى القطاع غير المهيكل أو في إطار تعاوني على أبعد تقدير، حيث نجد نسبة كبيرة من النساء تعمل في قطاع التجارة لكن بصفة غير منتظمة. يضاف إلى ذلك ضعف شبكات دعم النساء الراغبات في خلق مقاولات، رغم توفر الإرادة السياسية للنهوض بريادة الأعمال لدى النساء، كما أن تمثيلية النساء في الغرف التجارية والجمعيات والفدراليات المهنية ضعيفة للغاية، حسب تقرير المجلس، على الرغم من التطور الذي عرفته في السنين الأخيرة. وتصل هذه النسبة في الغرف المهنية إلى 5 بالمائة. ومن أجل الرفع من حصة النساء في الحياة الاقتصادية ومكانتهن داخل المؤسسات والآليات الاقتصادية، يتعين التعاطي مع المشاركة الاقتصادية للمرأة من أبعاد متعددة لا تغطي فقط الناحية الاقتصادية بل تشمل الجانب الاجتماعي والثقافي، إذ يقتضي الأمر العمل على تغيير عقلية لا تؤمن بالقدرات التسييرية للنساء ولم تتقبل بعد ريادتها في عالم الأعمال ولا وجودها في مراكز القرار. * و.م.ع