حملت ملابسات وتداعيات حادث مقتل الشاب الإيطالي "جوليو ريجيني" في مصر، والشاب المصري "وليد الهيتمي" في السعودية، كثيرا من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول دور الإعلام في إدارة الأزمات، ومدى تأثير طريقة المعالجة الإعلامية على عمل أجهزة التحقيق، فرغم أوجه التشابه في ظروف وملابسات الجريمتين؛ والتزامن في توقيت حدوثهما؛ إلا أن ما رافقهما من ردود أفعال؛ ومواقف سياسية كذلك؛ عبرت عن دلالات متباينة؛ تثير مجددا للنقاش جدلية العلاقة بين السياسية والإعلام. في الحالتين تم قتل الشابين بطريقة وحشية؛ فقد عثرت الشرطة على جثة الشاب الإيطالي يوم 3 فبراير الجاري، بعد أيام على اختفائه؛ ملقى في منطقة صحراوية على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وأثبت تقرير الطب الشرعي تعرضه للضرب على يد مجهولين، لأسباب لم تتضح بعد، وكان الشاب الإيطالي، وهو باحث دكتوراه في جامعة "كامبردج" البريطانية، جاء إلى مصر لعمل بحث عن دور النقابات؛ أما الضحية الأخرى، الشاب المصري وليد الهيتمي، الذي كان يعمل في السعودية، وهو بالمناسبة كان العائل الوحيد لأسرته، فقد قتله أربعة سعوديين عمدا بسبب خلافات على أولوية المرور بالسيارة، وقاموا بعد ذلك بدهسه، وقد ألقت السلطات السعودية القبض على الجناة وتم تقديهم للمحاكمة. وفي الحالتين؛ أيضا؛ تحولت الجريمتان إلى قضيتي رأي عام تفاعل معهما الجمهور، وتحدثت بشأنها وسائل الإعلام لكن بطرق مختلفة، ففي حالة الشاب المصري تناول الإعلام المصري والسعودي القضية كجريمة جنائية يمكن أن تحدث في أي مكان؛ وتطرق إلى ظروف الجريمة وأبعادها الإنسانية؛ في المقابل تحولت قضية الشاب الإيطالي إلى معركة إعلامية لها أبعادها السياسية الواضحة؛ إذ سارعت العديد من الصحف الغربية المعروفة توجهاتها إلى اتهام السلطات المصرية بخطف وتعذيب الشاب الإيطالي. ذهب الموقف إلى نقطة أبعد بتوجيه عدد كبير من الأكاديميين البريطانيين في جامعة "كامبردج"؛ حيث يدرس الباحث الإيطالي، وغيرهم، خطابا نشرته صحيفة "الغارديان" حمل ادعاءات لا يمكن وصفها إلا أنها مجرد افتراضات ومزاعم مرفوضة؛ جاءت على طريقة بعض وسائل الإعلام الغربية نفسها في استغلال القضايا الإنسانية وتحويلها إلى قضايا سياسية لأهداف محددة. أظهرت المعالجة الإعلامية الغربية لقضية الشاب الإيطالي؛ بوضوح، أن هناك تربصا بمصر من جانب بعض المنابر الإعلامية الغربية لبث صورة دولية لها غير آمنة والتضخيم من كل حادث بهدف ضرب السياحة والاستقرار، وهي حملة منظمة تقف وراءها قوى سياسية معروفة تحاول الإضرار بدوائر علاقات مصر الخارجية، وعرقلة تحولها نحو الاستقرار والتنمية. وتلك ليست افتراضات، على نحو الافتراضات التي تضمنتها رسالة الأكاديميين البريطانيين وتقارير صحفية غربية أخرى حول قضية الشاب الإيطالي؛ بل حقيقة ظهرت في أكثر من قضية: في حادث الطائرة الروسية، مثلا؛ سربت صحف غربية معلومات مغلوطة تشكك في إجراءات الأمن في المطارات المصرية، اتضح عدم صحتها لاحقا، وفي قضية الشاب الإيطالي؛ ادعت صحيفة "نيورك تايمز" أن شاهدا رأى السلطات المصرية تلقي القبض على "ريجيني" عقب خروجه من محطة مترو التحرير صباح يوم 25 يناير الماضي، وهو ما نفته التحقيقات الأولية؛ وكذبته صحيفة "كوريرا ديلاسييرا" الإيطالية التي أشارت إلى أن تحليلا لرسائل "ريجيني" على البريد الإلكتروني والهاتف أثبت أنه راسل خطيبته وصديقه الإيطالي "جينارو جرفاسيو"، الذي يدرس العلوم السياسية في القاهرة، مساء هذا اليوم "25 يناير"؛ وتحديدا بعد ساعتين على الأقل من موعد الاختفاء المزعوم الذي أشارت إليه "نيويورك تايمز"، كما توصلت تحقيقات الأمن الإيطالي حسب الصحيفة الإيطالية إلى أن "رجيني" تواصل مع أصدقائه على "فيس بوك" في الساعة الخامسة والنصف مساء هذا اليوم، وهو ما ينفي رواية "نيويورك تايمز" جملة وتفصيلا. الحقائق في قضية "ريجيني"؛ حتى الآن؛ هي إنها قضية قتل محزنة ومرفوضة؛ لم تتوصل جهات التحقيق إلى ظروفها وملابساتها حتى الآن، لكنها تعمل على مدار الساعة لكشف غموض الجريمة، واستجوبت نحو 300 شخص من دائرة أصدقاء وزملاء الضحية، وكل من كان يتعامل معهم؛ وتمت كل تلك الإجراءات بمشاركة فريق تحقيق إيطالي موجود في القاهرة؛ لكن ظروف القتل وملابسات القضية ترجح أنها قضية جنائية وليست سياسية. فلا يمكن على سبيل المثال تصور تورط السلطات المصرية في خطفه وقتله بدعوى أنه تحدث بطريقة غير لائقة مع الشرطة؛ كما ادعت بعض وسائل الإعلام الغربية، فالمعروف أن السلطات في مصر تتعامل بحرص شديد مع رعايا الدول الأخرى؛ وفي مصر ملايين السائحين؛ وآلاف الأجانب الذين يعملون ويدرسون في أجواء إيجابية؛ كما لا يمكن تصور إقدام مجموعة إرهابية باختطافه وقتله على هذا النحو دون أن تعلن ذلك صراحة وبالصوت والصورة كما تفعل في مثل تلك المواقف، ناهيك عن انحصار نشاط تلك التنظيمات في مناطق محددة شمال سيناء، وعدم وجود أي تنظيمات داخل القاهرة أو المحافظات الأخرى بفضل الضربات الأمنية المتلاحقة. الحقائق أيضا حول تلك القضية هي أن إصرار بعض وسائل الإعلام الغربية على الربط بين جريمة قتل الشاب الإيطالي؛ والادعاءات حول تراجع أوضاع حقوق الإنسان في مصر؛ هي محاولات لها أبعاد سياسية واضحة؛ والمبالغة المتعمدة في تشويه سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، وتضخيم الأحداث الفردية وتحويلها إلى ظاهرة عامة لم تعد تجدي نفعا. فحقوق الإنسان في النهاية محصلة لعوامل كثيرة؛ وهناك منظمات حقوقية ووسائل إعلام حرة في مصر تعمل على مدار الساعة لكشف أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وتحويلها إلى قضايا رأي عام، ويتم اتخاذ إجراءات فورية وقوية ضد أي تجاوزات في مجال تطبيق القانون، كما يحدث في كل دول العالم، التي رأينا كيف تعاملت أكثرها ديمقراطية مع حقوق الإنسان عندما ضربها الإرهاب. وتخوض مصر الآن معركة بنجاح يحسب لها ضد الإرهاب وضد كل قواه، التي استغلت أجواء الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير؛ في تدعيم مواردها ونقاط تمركزها؛ وقد تحقق الكثير من اقتلاع جذور الجماعات الإرهابية في سيناء أو غيرها؛ ولم يبق إلا جيوب إرهابية محدودة يتم التعامل معها بحرص في إطار القانون وواجب حماية أرواح المدنيين؛ وهي جماعات تعمل في إطار مخطط كان ولا زال يتربص بمصر؛ ويستميت في محاولاته لعرقلة مشروعها الوطني للتنمية والاستقرار، واستكمال صياغة تجربتها التي توازن بين متطلبات الديمقراطية وحماية البلاد من الفوضى؛ ووفقا لخارطة المستقبل التي توافقت عليها القوى السياسية والمجتمعية، بعد ثورة 30 يونيو؛ وتم في إطارها إصدار دستور جديد؛ وانتخاب رئيس للجمهورية؛ ثم انتخاب برلمان جديد فيه تمثيل غير مسبوق للمرأة والشباب والإخوة المسيحيين، بدأ جلساته مطلع العام الجاري. أعاد الانتقال الديمقراطي الآمن لمصر؛ خلال عامين فقط؛ الكثير من وجهها الحضاري؛ فمصر الآن دولة مستقرة وآمنة؛ فيها مؤسسات ديمقراطية منتخبة؛ ومجتمع متماسك، وأوضاع أمنية مستقرة ومتطورة، وخطط طموحة للتنمية؛ ومعدلات نمو متصاعدة؛ بلغت نحو 4.5% عام 2015؛ مقابل 2% خلال السنوات السابقة؛ وأدت إلى انخفاض نسبة البطالة من 13.4% إلى نحو 12.%؛ كما تحسن ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالم؛ للمرة الأولى منذ خمس سنوات؛ فضلا عن مسار هادئ ومتوازن في العلاقات الخارجية أعاد لها دورها الحيوي في حماية الاستقرار ودعم السلام العالمي؛ وتوجت هذه الجهود بعودة مصر إلى عضوية الاتحاد الإفريقي؛ وانتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن؛ بأغلبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة. *رئيس المكتب الإعلامي المصري بالرباط