في خضم الحديث عن إمكانية انبعاث تنسيقية "حركة 20 فبراير" وخروجها للاحتجاج، من جديد، بخريبكة، قال المهدي عسّال، أحد مناضلي الحركة بالمدينة، إن "الشروط والظروف التي أدت إلى بروز الحراك الشعبي، قبل سنوات، لا تزال قائمة إلى اليوم". وأشار الناشط الفبرايري إلى التراجع عن العديد من المكتسبات، وتلكؤ إدارة المجمع الشريف للفوسفاط في التنفيذ الكلي لمشروع OCP skils، وتنامي الفقر والعطالة والتهميش والغلاء، وانسداد الآفاق على جميع المستويات، مع تنامي الفساد والاستبداد"، بحسب عسّال. وأوضح أن النضالات السابقة للحركة ساهمت في كسر جدار الخوف لدى المواطن الخريبكي، حيث ظهرت حركات احتجاجية عديدة، خاصة في صفوف الشباب المطالب بالشغل، تكلّلت باستفادة بعضهم من برامج أطلقها المجمع الشريف للفوسفاط على سبيل المثال، أو بالعمل في قطاعات أخرى. وأضاف المتحدث أن "الهجوم الكاسح على المكتسبات المحققة من طرف الشغيلة والشعب المغربي يوفّر الشروط الموضوعية للاحتجاج من جديد"، مستدركا أن "ما يحسم هذا الحراك هو العامل الذاتي للقوى المناضلة ومدى وحدتها". أخطاء وأخطاء المتحدّث ذاته ذكّر، في تصريحه لهسبريس، بالأيام الأولى لانطلاقة تنسيقية حركة 20 فبراير بخريبكة، واصفا إياها بالمتميّزة مقارنة مع أغلب المدن المغربية، عازيا ذلك إلى قدرة المحتجين بالمدينة على رفع شعارات قوية من ضمنها "طرح إسقاط المخزن، والمطالبة بالديمقراطية والمساواة.. وفيما أرجع المتحدث قوة الحركة آنذاك إلى "انطلاق السيرورات الثورية في العالم العربي، وتراكم الملفات الكبرى للشعب المغربي كالفقر، والعطالة، والتمايزات الطبقية، والاستبداد المخزني، وتخاذل قوى سياسية مناضلة وارتمائها في أحضان النظام المخزني"، لم يُنكر عسّال وقوع الحركة في أخطاء أثرت على قوّتها. وسرد الناشط ذاته بعض تلك الأخطاء، من ضمنها "العجز عن حشد وتوحيد الحركات الاحتجاجية بالمدينة، وعدم استيطانها في الأحياء الشعبية، وسماحها لعُملاء بحضور اجتماعاتها، وتذبذب بعض القوى المشاركة في الحراك". المهدي ربط تراجع الفبرايريين بخريبكة، في الفترات الأخيرة، ب"مآل الثورات في بعض البلدان، والانسحاب المشبوه لجماعة العدل والإحسان من الحركة، والقمع وتقديم الدولة لبعض التنازلات". وختم المتحدث تصريحه بالتأكيد على أن الزيادة في بعض الأجور، والتعديل الدستوري، والدخول في انتخابات سابقة لأوانها، وجعل الشعب في وضعية انتظار نتيجة صعود حزب العدالة والتنمية للحكومة، كلّها عوامل ساهمت في التخفيف من حدّة الحراك المجتمعي والغضب الشعبي. احتجاجات جديدة أما محمد قاسيمي، عضو تنسيقية حركة 20 فبراير بخريبكة، فقال إن "الحراك ساهم بشكل عميق في إخراج المدينة من السبات السياسي والاجتماعي، وأسّس لانبثاق أشكال احتجاجية ونضالية جديدة ومبتكرة، لم تبرز فقط لدى نشطاء الحركة، بل عند عموم الشعب"، وأشار إلى أن "الحركة احتُضِنت في بدايتها من قبل المجتمع، ما أعطاها زخما كبيرا لسنوات، قبل أن تتراجع جماهيريا بعدما لمس المواطن توجها سياسيا للحراك أكثر منه اجتماعي". وأبرز المتحدث أن النضال الذي خاضته "20 فبراير" سيجعلها راسخة في ذاكرة التاريخ السياسي المغربي لعقود، بعدما ساهمت في كسر جدار الصمت من جهة، وإعطاء الشرعية لتنظيمات أخرى لاحقا، كاحتجاج ساكنة طنجة ضد "أمانديس"، ونضال الأساتذة المتدربين ضد المرسومين. وبعد أن أكد أنه "من الوارد أن تنبعث للاحتجاج من جديد، لكنها قد تعود تحت مسميات أخرى، من أجل رفع شعارات مختلفة"، أشار قاسيمي إلى أن الحركة وقعت في أخطاء تنظيمية وأخرى مرتبطة بقرارات سلبية، مؤكّدا أن "ما ارتكبه مناضلو خريبكة من أخطاء لا يختلف عما حصل بباقي المدن الكبرى، بغض النظر عن الانسحاب المفاجئ لجماعة العدل والإحسان". وشدد المتحدث على أن "الدولة راوغت كعادتها، ما أسفر عن ردّة على كافة المستويات، كما أن النظام السياسي المغربي عجز عن تنزيل بنود الدستور"، خاتما تصريحه لهسبريس بالقول: "العصا الغليظة للمخزن عادت بكل أشكالها، والتغيير الذي وُعدَ به الشعبُ عاد مجدّدا إلى الرفوف". تأثيرات داخلية وخارجية أما منذر السوهامي، أحد النشطاء الفبرايريّين، فأوضح أن ضُعف تنسيقية 20 فبراير بخريبكة يعودُ إلى تأثّرها بعوامل خارجية مرتبطة بضعف الحراك في المنطقة العربية ككل، وأخرى داخلية متّصلة بطول الحراك الذي أدى إلى تعب المحتجّين وتناقص عددهم يوما بعد يوم. وأضاف الناشط الشاب عاملا حاسما آخر، هو الصراعات الداخلية التي أسفرت عن تغيّر أرضية الاحتجاج أربع مرات تقريبا، مشيرا إلى أن غياب أرضية موحّدة ومشتركة أثّرت سلبا على مكونات حركة 20 فبراير، وساهمت في إضعافها نسبيا. وأشار المتحدث ذاته إلى أن "الشرارة الأولى لانطلاق الحراك سنة 2011 كانت في المحيط العربي، خارج المغرب، وهو ما لا يتوفر الآن، إضافة إلى المناخ الإعلامي الساخن الذي عرفه المغرب آنذاك، حيث عرف الحراك مواكبة إعلامية أجنبية ساهمت في بروزه بشكل قوي، في حين إن معظم الإذاعات والقنوات الحالية لا تهتم بإبراز الحركة"،. السوهامي أورد أن الشروط التي أفرزت الاحتجاجات سنة 2011 لا زالت قائمة إلى اليوم، ومعظم المطالب لم تتحقق لدى الشعب المغربي، مردفا "نظام الملكية البرلمانية لم نصِلْه، ونادي الديمقراطيات لم ندخُله، والتنمية الاقتصادية لم تتحقّق، والمؤشرات الاجتماعية لم ترتفع، وبالتالي فالمغرب لا يزال أرضا خصبة لبروز حركات احتجاجية أخرى، ليست بالضرورة حركة 20 فبراير"، بحسب منذر.