مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما نجمع الكتب نجمع السعادة... التجربة السعودية نموذجا
نشر في هسبريس يوم 09 - 02 - 2016

تعرف بلادنا بفضل موقعها الجيوسياسي وحركيتها الثقافية المشهودة والمتجددة إقامة عدة معارض أهمها المعرض الدولي للكتاب الذي ستضيف العاصمة الاقتصادية دورته الثانية والعشرين في 12 من شهرفبراير الجاري، حيث يلقى اهتماما خاصا من لدن وزارة الثقافة المغربية ودعما كبيرا من جل الفاعلين الثقافيين من كتاب وناشرين وأدباء ومهتمين، وتشهد فعالياته أيضا حضورا لافتا من معظم البلدان الصديقة والشقيقة، كما يحظى بتغطية خاصة من قبل وسائل الإعلام الوطنية والدولية، وتزامنا أيضا مع تنظيم عدة معارض للكتاب ببلادنا كالمعرض الوطني للكتاب والكتبيين بالدار البيضاء في دورته الثامنة والمعرض الدولي للكتاب والفنون المقام بطنجة، في دورته التاسعة عشر شهر ماي، ومعارض أخرى لا تعد محلية ودولية في جل المدن المغربية وفي مختلف المجالات.
ولأني تشرفت بزيارة معرض الرياض الدولي للكتاب المقام في النصف الأول من شهر مارس من السنة الفارطة بدعوة كريمة من وزارة الثقافة والإعلام بالمملكة العربية السعودية، وسنحت لي الفرصة للإطلاع على الكثير من المشاهد التي أثارت انتباهي وشدت اهتمامي. سجلت خلالها ملاحظات ارتأيت لأهميتها نقل بعض المشاهد منها للمتتبع والمهتم المغربي للارتقاء بمعارضنا بناء على ما دونته من ملاحظات، كانت هته الزيارة مناسبة لأكون فكرة أُجملها في أسطر وأنقلها للمهتم والمتتبع المغربي والمشرف الإداري، ومنهم العاملين في وزارة الثقافة المغربية، خصوصا أني أحتفظ بتجربة متواضعة في هذا المجال، من خلال حضوري المتكرر كمشرف على الجناح السعودي في معرض الكتاب بالدار البيضاء في دورات عديدة، وحضرت فعاليات معرض الرياض من ألفها إلى يائها، وتمكنت من نسج عدة علاقات مع المسؤولين والمثقفين هناك، معترفا بحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، والاهتمام الملاحظ من خلال تكليف لجنة خاصة من قسم العلاقات العامة بالوزارة لخدمة الضيوف من خارج المملكة، وقد أتيحت لي الفرصة للتعرف عن قرب على معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي وإلى جانبه وكيل الوزارة ناصر الحجيلان ومدير البرنامج الثقافي صالح الغامدي ومدير شؤون المكتبات عبد الله الكناني ونائبه عبد الله الضيف إضافة إلى الأستاذ محمد الدهيش، الذين يعود لهم الفضل بعد الله في نجاح تلك الفعاليات حيث تحول المعرض إلى سوق عكاظ جديد تتلاقح فيه الثقافات وتتأجج الروابط وتتقوى بين مثقفي مختلف البلدان وتتوطد، وتلتهب العواطف وتشتد، فلا حواجز تحول بينك وبين لقاء أي مسؤول مهما علت مكانته، إذ أن الاستماع خلق سائد بكل معانيه الإنسانية خصوصا لما يُكتشف أنك ضيف مغربي، فتزداد الحفاوة وحرارة اللقاء.
وأول ما شد انتباهي بعد هذا الذي ذكرت من استقبال حار واقتران الكرم والجود، بتواضع المسئولين والقائمين وتواصلهم الجيد والإيجابي مع الضيوف وكافة المدعوين.
أ حرص على الصلاة قل نظيره
حيث يصير المعرض بأكمله بممراته وجل أجنحته ساحة للصلاة يتزين بتكبير واحد وركوع وسجود واحد، تتوقف حركة البيع والشراء ويتحول إلى مصلى جميل، وتتوقف حركة المرور، ويتحول الجو الصاخب الذي يعج بالحركة والضوضاء إلى جو ساكن وقور، لا أحد يتذمر أو يعترض، بل ينخرط الجميع في صفوف متراصة وحركات موحدة وكأننا في صالة رياضية كبيرة، أو في استعراض عسكري عظيم، الكل يشترك في تلك الحركات الموحدة في خشوع وسكينة، فإذا انتهى القوم من الصلاة، عادت حركة البيع والشراء وتصفح الكتب كما كانت، ولا يسع المرء وهو يرى تلك المشاهد إلا أن يفخر بالانتماء لهذا الدين العظيم الذي وحد القلوب وإن فرقت الحدود بين الأجساد، ينسيك ذلك غربتك وبعدك عن أهلك وأصحابك، متمنيا أن تتكرر هذه المشاهد في المغرب الحبيب بلد الفتوحات التي انطلق منه الآذان متجاوزا أمواج المتوسط إلى الأندلس بعد أن فتح المغاربة قلوبهم لهذه الرسالة الربانية واحتضنوها، وأن تصبح ساحاتنا أيضا فرصة لانخراط الشباب والشيوخ مجتمعين في تجديد العهد مع الله تأدية لفرائضه، تزكية للنفس وتقوية للإيمان.
ب السعوديون يشترون الكتب بنهم
مشاهد الزرافات من السعوديين، وخصوصا الشباب المتزاحم في مداخل المعرض وبين أجنحته، تدفعنا نغير نحن المغاربة إلى تغيير نظرتنا المتشائمة اتجاههم، فنحن هنا في المغرب غالبا ما نتصور السعودي مجرد مترف يلهث خلف مختلف المُتع، مُسرعا خلف الثروة، باحثا عن اللذة، بفضل ما أفاء الله عليه، والحقيقة أنه ليس كل السعوديين كذلك، فأول ما يثيرك وأنت تلج صالة العرض، تلك العربات التي يجرها الزوار خلفهم وكأنهم يلجون سوقا للخضار كما تعودنا نحن هنا في المغرب حين نتسوق، ولكنك تصاب بالدهشة وأنت ترى تلك العربات مكدسة بما ألقى فيها الشاب السعودي من كتب حتى أنه لا يقوى على جرها إلا أن يستعين بسيارته المركونة قريبا من المعرض، أيضا جعلني هذا المشهد أتفاءل بالخير وأتيقن أن المستقبل الجميل آت لا محالة، لأن الأمة المقبلة على الكتاب أمة لا تزال حية وأن القلوب الشابة التي تتسابق على الرواية والقصة وكتب التاريخ والسير إنما تنحت مسيرها نحو العلا. والخوف على الأمة اللاهية فحسب.
ت مجانية الولوج للمعرض
فلا تشترط إدارة المعرض أو تفرض رسوما على الراغبين في ولوج صالة العرض مما يتيح الفرصة للجميع لزيارته، ويُمَكِّن بالتالي من الاطلاع على جديد الإصدارات ويقع الزائر في شباك الإغراء، وهكذا يتم الترويج بفاعلية للكتاب، ويسهم بشكل جيد في توسيع دائرة الاهتمام بالقراءة وتعميم المعرفة فهي السبيل لحماية شبابنا من التطرف والانحراف.
أما أن يتم تغليب المصلحة المادية والتجارية، فذلكم دلالة على انحطاط مستوى التفكير وقزميته، لأن استحواذ المادة دال على قصر نظرة القائمين على معارض الكتاب، إذ وجب التركيز على صناعة الإنسان وتأهيله وتأطيره بدل التفكير فقط في طرق الاستفادة منه ماديا وسلب ما في جيبه، وترك الشباب أسيرا بين فكي التاجر والناشر اللاهث خلف الربح المادي هو الخطأ الأكبر.
ث الاستراحات المسائية..تقاليد سعودية عريقة
في الأخير دعوني أختم بهذه القصاصة التي أحب أن أثير بها انتباه مثقفينا في المغرب السعيد إلى عادة حميدة أخرى وسلوك راق شد انتباهي وذكرني بأيام العرب الخوالي، تلكم هي الصالونات والمجالس التي يقيمها السعوديون مساء ويسمونها استراحات، وهي أماكن للقاء بين مختلف المكونات المجتمعية، قبيلة، أوعائلة أو نخبة من الأساتذة والمثقفين، فقد تلقيت دعوة من الملحق الثقافي السعودي السابق في المغرب الدكتور ناصر البراق وحسبتها مجرد دعوة للعشاء، كأي عشاء، ولكنها كانت على الطريقة السعودية شكلا ومضمونا، قاعات فخمة واسعة وفراشها من الزرابي العربية التقليدية التي ترمز إلى مدى تمسك السعوديين، رغم ما يشاع عنهم بتقاليدهم العربية الأصيلة حيث يفترشها الحضور، الاستقبال غالبا ما يكون ببخور العود العربي الفاخر مع ابتسامة بادية على محيى المستقبلين، وبعد الترحاب والسلام والعناق تتسلم كيسان من الشاي الأسود المطهى على الطريقة التقليدية فوق الحطب، يقدمه بترحاب وارف أصغر القوم سنا تأدبا وتواضعا، أما الوجبة الرئيسية في أغلب تلك الأمسيات فليست سوى صحون الكبسة، وهي أرز مفروش على صحن كبير يعلوه خروف ممتد، يذكرك بمجالس امرؤ القيس وأبي العتاهية والمتنبي، وفوق هذا الكرم العربي تتفاجأ بأدب رفيع لا يزال المجتمع السعودي يحافظ عليه ويتمسك به، إذ يثب القوم جميعا قياما فور دخول وافد جديد لا فرق في ذلك بين كبير أو صغير، وحين يعلم القوم أنك جئت من المغرب فإنك ستحظى بمزيد من التكريم والتقدير والحظوة.
حينما عدت إلى الرباط صرت أردد كلما تذكرت المعرض والندوات والأمسيات وتهافت الشباب على الكتب وصحون الأرز المقدمة في الأمسيات، كانت بحق مجالس ثقافية عادت بي إلى الزمن الجميل يلقى فيها الشعر بكل ألوانه وأجناسه، ويتناوب فقهاء اللغة والفلسفة على الكلمات الجاذبة، فكأنني سافرت ليس إلى السعودية التي تضاهي طرقها السريعة اليوم طرق باريس ومدريد، وناطحات السحاب بها تغزو الفضاء كشبيهاتها في لندن ونيويورك، ولكن إلى سقيفة بني ساعدة، التي منها عدت بهذه الذكريات إلى الرباط، لربما أشهد يوما مُؤَذِّنا ينادي في ساحات معارضنا حي على الصلاة، فيسرع قومي إليه ملبين، الله أكبر، تلبية لمنادي الرحمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.