قال عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، إن إجراءات إصلاح الإدارة التي باشرها المغرب منذ سنوات كان خيارا لا مفر منه، لأن حاجيات المجتمع كانت تحتّم ذلك، في ظل تنامي الطلب على تجررها في جودة الخدمات العمومية وضمان فعالية السياسيات العمومية للدولة. واعتبر أدمينو، الذي كان يتحدث في ندوة نظمتها "الرابطة الوطنية للمتصرفين الاستقلاليين"، مساء أمس الخميس بالرباط، حول موضوع "الحكامة بالإدارة العمومية بين الخطاب والممارسة"، أن النصوص التنظيمية المغربية تحترم أغلب المعايير الدولية في مجال الحكامة بالإدارة العمومية، لكنه اعتبر أن ذلك ليس كافيا لتجويد الخدمات العمومية. أدمينو قال إن السؤال المطروح هو هل هناك منتخبون قادرون على جعل هذه المباديء، المتضمّنة في النصوص التنظيمية سلوكا يوميا لتعزيز الثقة بين المواطن والمرافق التي تقدم خدمات عمومية، لافتا إلى أن النموذج الإداري المغربي يمر بمرحلة دقيقة، ويوجد في مفترق الطرق بين نموذج إداري بيروقراطي، هو السائد حاليا، وبين نموذج إداري ينسجم مع النموذج النيوليبرالي. وأضاف المتحدث أن النموذج الإداري المغربي ما زال محكوما، في الوقت الراهن، بإرث تاريخي مخزني فيه مظاهر الزيونية والمحسوبية والولاء لغير القاعدة القانونية، المبدأ الدستور الذي هو سيادة القانون لا يجري احترامه "حتى في حياتنا العادية حينما يتوجه المواطن إلى الإدارة لا يبحث عمّا يخوِّله له القانون، بل يلجأ إلى طرق أخرى لقضاء حاجياته الإدارية، وبالتالي يتمّ تهميش القواعد القانونية"، يقول أدمينو. من جهته قال عبد الكريم بكاري، رئيس الرابطة الوطنية للمتصرفين الاستقلاليين، إن واقع الإدارة المغربية يؤكد أنها تعاني من اختلالات متنوعة ومتشعبة، تتشعّب معها المشاكل الناتجة عنها، وهو ما يطرح إشكالية الحكامة باستمرار، واعتبر أدمينو أن المواطن المغربي لا يلمس بشكل محسوس مؤشرات الحكامة التي يتحدث عنها الخطاب الرسمي في إصلاح الإدارة العمومية، وفي علاقتها بالمرتفقين. وتطرق حميد أبكريم، أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتعليم بالرباط في مستهل مداخلته إلى "الاختلالات الواردة بين النص والممارسة"، قائلا إن الحكومة لديها مقاربة حديثة، على مستوى الخطاب، لتحديث الإدارة، لكن على مستوى الواقع تغيب هذه المقاربة. وأشار أبكريم في هذا السياق إلى التعيينات التي صادقت عليها الحكومة الحالية، حيث لم يتعدّ عدد المناصب التي أسندت للنساء ثمانية وخمسين منصبا فقط، من مجموع 533 منصبا، في الوقت الذي تتحدث الحكومة عن المساواة والمناصفة، متسائلا: "هل الحكومة أخرت بعين الاعتبار أن تكون النصوص التنظيمية مواكبة لما جاء به الدستور؟". وعلاقة بموضوع التوظيف، قال عبد الله الطيبي، الخبير في قضايا الوظيفة والإدارة العمومية، إن التوظيفات والترقيات داخل الإدارة العمومية كانت، إلى حدود ألفين واثنين عشر عشوائية، قائلا: "الآن نؤدِّي ضريبة ما كان يجري في تلك السنوات حين كان "الأوطوروت" مُشرعا نحو الترقية في سلالم الوظيفة العمومية"، وأضاف الخبير في شؤون الإدارة أن هناك مديرين لا يستحقون هذه الصفة، لافتا إلى أن الترقيات كان يمكن أن تكون أكثر فعالية وفي صالح الوطن والمواطنين لو جرى تدبيرها بشكل جيد. وفي الوقت الذي بات إصلاح الإدارة العمومية أمرا ملحا، كما قال عبد اللطيف أدمينو، فإن هذا الإصلاح، حسب محمد علي بوحلبة، وهو أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، له ارتباط وثيق بعقلية الفاعلين ودرجة التربية الديمقراطية لتفعيل المباديء الدستورية، مشيرا إلى أن الصعوبات التي تعانيها الإدارة المغربية نابعة من نمط الثقافة السياسية والأفكار الموروثة ونمط الثقافة السائدة منذ الاستقلال إلى الآن. وتساءل المتحدث : "هل نتوفر في مخيلتنا الجماعية على مرجعية لاحترام القانون والتفاني في الالتزام التنظيمي والوعي بجسامة المسؤولية؟"، مشيرا إلى أنّ إصلاح الإدارة العمومية يقتضي "وعيا داخليا لتفعيل هذا الإصلاح دونما انتظار إملاءات منظمات خارجية"، وتابع بوحلبة: "هناك عائق نفسي يحول دون بلوغ الإصلاح المنشود، وقد حان الوقت لإصلاح ذواتنا".