بعد انتخابه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، "صوب" إلياس العماري أول سهام تصريحاته نحو "الإسلاميين" باعتبارهم "خطرا على المسلمين"، في إشارة واضحة إلى حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية. تصريحات "السائق الجديد للجرار" تلتها مجموعة من التحليلات السياسية، اعتبرت بعضها أنها تجعل حزب العدالة والتنمية خطا أحمر، وذلك قبيل أقل من تسعة أشهر عن الموعد الانتخابي المقبل، لكنها أعادت تسليط الضوء من جديد على توظيف الدين في المشهد السياسي والحزبي المغربي. تصريحات العماري تطرح العديد من التساؤلات حول مصير "القطبية الثنائية بين الحزبين الحداثي والإسلامي"، وتبرز بشكل جلي النقاش المتجدد حول المرجعية الإيديولوجية للأحزاب المغربية. ولعل واقع التحالفات السياسية الحالية يؤكد أن السياسة فن الممكن، ويدحض في الآن ذاته تلميحات العماري بأنه جاء ليحارب الإسلاميين، وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية، خاصة بعد تأكيد "حزب الجرار" على مرجعيته الحداثية "الساعية إلى فصل الدين عن السياسية"؛ ما يجعل ورقة الدين واحدة من أبرز محددات المشهد الحزبي المغربي. المتابع لتصريحات وزراء العدالة والتنمية، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يلاحظ حرصهم على استعمال مصطلحات تنهل من القاموس الديني، وهو شيء عادي، بحكم مرجعية الحزب، رغم أنه يجعل العديد من سياسات الحكومية ذات صبغة دينية، مقترنة ب"مشيئة الله سبحانه وتعالى". بنكيران، وفي آخر خرجاته "الدينية"، اعتبر أن قلة التساقطات يخلق نوعا من التخوف لدى المغاربة، باعتبار أن الأمطار هي المقياس الذي يقيسون به مدى "رضا الله عنهم". العماري لم يلق الكلام على عواهنه في أول تصريحاته بعد انتخابه على رأس حزبه، كما أن رئيس الحكومة فطن لمغزى تصريحات "ابن الريف"، واغتنم فرصة حضوره في افتتاح أشغال الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، الحليف "الشيوعي سابقا" ل"البيجيدي" في الحكومة الحالية، للتأكيد على متانة العلاقة بين الحزبين، رغم اختلاف المرجعيات، قائلا: "المدة التي قضيناها معا داخل الحكومة استطاعت أن تعرفنا على بعضنا، في الشدة قبل الرخاء، وفي الضيق أيضا، وخلال محاولات الإرباك والحروب التي لا تنتهي"؛ وهو ما تفاعل معه نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي رحب بحضور بنكيران، واصفا إياه ب"الأخ الرفيق"، بتوظيف مصطلحين مختلفي الحقل والدلالة. وسبق وأن طرح التحالف الحزبي بين PPS و PJD مجموعة من علامات الاستفهام حول الكيفية التي ستُدبر بها الحكومة مجموعة من الملفات، وخاصة المتعلقة بالحريات الفردية؛ إلا أنه وعلى بعد أقل من 9 أشهر على نهاية عمر الحكومة الحالية لم تثر القضايا المتعلقة بالحريات الفردية أي نزاعات أو حساسات بين "المصباح" و"الكتاب"، رغم اختلاف إيديولوجيتي الحزبين. واعتبر العمراني بوخبزة، أستاذ القانون العام بطنجة، أن الحديث عن توظيف الإيديولوجية في المشهد الحزبي المغربي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت الأحزاب بحاجة إلى ذلك حاليا، خاصة مع كل الإشكالات التي تمس المواطنين مباشرة، وما إذا كانت الإجابات عليها مرتبطة بما هو إيديولوجي. بوخبزة أكد في تصريحه لهسبريس أن "الأحزاب السياسية أحزاب انتخابية بدرجة أساسية، خاصة خلال هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات، ويبقى حضور الإيديولوجية ثانويا لديها، تفرضه فقط النقاشات المرتبطة بالحريات الفردية، كالمثلية والإجهاض...، وهي مواضيع طرحت نفسها وستجد جوابا لها مع مضي الوقت، وبالتالي لن يبق أي دور أو أهمية للإيديولوجية لدى الأحزاب"، حسب المتحدث نفسه؛ والذي أضاف أن حضور الإيديولوجية خف بشكل كبير لدى الأحزاب مقارنة بالسابق، وذلك راجع إلى أنه وجب عليها تقديم برامج انتخابية بتصور براغماتي، بعيد عن الإيديولوجية، ويجيب على تساؤلات الشعب ومتطلباته. وحول تصرحيات إلياس العماري تجاه الإسلاميين، علق بوخبزة بالقول إنها "قد تكون شخصية، وذلك ما يتضح من خلال طرح تساؤل بسيط حول ما مدى إجماع الأطياف المشكلة لحزب الأصالة المعاصرة على التصور الإيديولوجي الذي أشار إليه العماري، خاصة أنها مرتبطة أساسا بحركة كل الديمقراطيين، وبعض مناضلي اليسار السابقين، إضافة إلى الأعيان". من جهته، اعتبر الباحث السياسي عبدالعزيز القرافي أن الحديث عن مرجعية الأحزاب "حديث في غير تربته"، مؤكدا أن الأحزاب المغربية، ودون استثناء، "ذات مرجعية إسلامية، ولو بشكل غير الظاهر؛ لأنها إن لم تحترمها تصبح مرفوضة من طرف المجتمع"، حسب المتحدث نفسه، الذي استدل بما كان يردده المرحوم "علي يعتة"، إبان المد الشيوعي الدولي عن أن "المسلمين شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار"، وهو حديث نبوي كان من أهم منطلقات فكره. وأضاف المتحدث نفسه أنه من الصعب جدا الحديث عن العلاقة بين ما هو ديني وما هو سياسي، "لأنها أصلا غير موجودة بالحدة التي تطرح بها في المجتمع، مع العلم أن الإنسان المغربي يعيش الاثنين معا، لكن بحدة أقل". وأشار القرافي، في تصريحه لهسبريس، إلى أن "الإنسان المغربي وصل إلى نوع من النضج، لكنه لا يعبر بالضرورة خلال تصويته في الانتخابات عن اختيارات ذات مرجعية دينية أو إيديولوجية"، دعيا في الآن ذاته الأحزاب إلى إنتاج خطابات إيديولوجية مستمدة من الواقع المعاش، تليق بطبيعة المجتمع المغربي، خاتما تصريحه بالتشديد على أن أجود الإيديولوجيات هي التي تنطلق من تربتها، وليس من الأفكار المستوردة من الخارج. *صحافي متدرب