منذ انطلاق أولى شرارات الثورة الليبية التي لا تزداد إلا توهجا وتعقيدا مع مرور الأيام، لم أقرأ ولو مقالا واحدا في صحيفة أو موقع، يذكر صاحبها بكلمة طيبة العقيد معمر القذافي أو يمدحه، حتى القنوات التلفزيونية وعلى كثرتها، لم تتطرق ولو بالإشارة إلى إنجازات العقيد، اللهم قناة الجماهيرية الليبية التي أتصادف معها كلما ركبت حرف "ج" بواسطة الريموت كنترول عندما أبحث عن قناة الجزيرة، والتي كما عهدناها منذ أيام الطفولة تظهر لنا ليبيا الخضراء الوهاجة وسط إفريقيا السوداء المظلمة، وتعدد لنا إنجازات القذافي "العظيمة"، بدءا من ثورة الفاتح من سبتمبر التي أسقطت نظام الملك محمد إدريس السنوسي، مرورا بكتابه الأخضر المترجم لكل اللغات العالمية، والذي يفخر العقيد بتوزيعه على ضيوفه داخل خيمته، وإنتهاءا بالنهر العظيم الذي يعبر الصحراء الليبية القاحلة. العقيد وبعد أكثر من 40 سنة من الحكم الديكتاتوري، قضاها هو وأبناءه في إهدار المليارات من أموال شعبه، لا يستطيع أن يستوعب مبررات هذا الجحود بعد أن تنكر له أقرب أصدقائه ومقربيه، فهاهو ساركوزي اليوم يقدم الاقتراح تلو الأخر ويتباحث مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لفرض حظر جوي على ليبيا، حظر يمر بضرب بعض المنشآت العسكرية في المناطق التي يسيطر عليها العقيد القذافي، بعد أن كان هذا الأخير هو الممول الأكبر للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي. حتى بعض قادة جيشه قرروا تركه وسط "المعماعة" وحيدا، مفضلين العصيان على الإقدام بمجازر قد يحاسبون عليها في حالة سقوط النظام الليبي. قد لا يختلف اثنان على أن هذا النظام الفاسد مآله السقوط والإنهيار في أخر المطاف، لكن من الخطأ الاعتقاد أن القذافي سيرضخ لضغوط المجتمع الدولي أو سيقدم تنازلات. فالعقيد ورغم الخناقات المفروضة عليه، مازالت لديه العديد من الأوراق ليلعبها، خصوصا بعدما تعززت ثقته خلال اليومين الماضيين بعد أن استطاع المقاتلون الموالون له بسط السيطرة من جديد على بعض المناطق التي إستولى عليها الثوار في وقت سابق. بعبارة أخرى فالحرب قد تطول إلى أسابيع أو شهور عدة، وربما تسفر في النهاية عن تقسيم ليبيا بين الموالين في الداخل والذي بدء يزداد عدهم في الأيام القليلة الماضية خصوصا من قبائل الصحراء الليبية، وبين الثوار المعارضين الذين كسبوا ومازالوا يكسبون اعترافات الدول الكبرى عبر المجلس الإنتقالي الليبي، والذين مازالوا ينتظرون زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى بنغازي لإضفاء مزيد من الشرعية لحركتهم. هنا وجب التذكير بأن الولاياتالمتحدة لم تعد تلك "الغولة" التي كانت ترعب الشعوب كما في السابق، فالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا سيضعون لا محالة عصا في العجلة الأميركية التي بدأت تتحرك بسرعة داخل مجلس الأمن، وتتجه - وهو أمر مستبعد- إلى فرض حظر طيران فوق ليبيا أحادي الجانب، الشيء الذي سيضيع كل ما بذله أوباما من جهود لتجميل صورة الولاياتالمتحدة منذ توليه الرئاسة، ويكون بذلك كمن سكب الماء فوق الرمال. نحن الآن أمام مفترق حقيقي، وكل ما قيل وسيقال عن الأزمة الليبية لن يكون سوى تخمينات وتكهنات، فلا أحد منا يدري "باش معمر رأس معمر القذافي"، الشيء الوحيد المؤكد أن كل ماجرى وسيجري للشعب الليبي سواء الآن أو في المستقبل سيتحمل القذافي المسؤولية الكبرى فيه. للتواصل مع الكاتب http://www.facebook.com/karimbelmezrar [email protected]