يدّعون المرض أو الفاقة أو حتّى الإصابة بالعاهات، يتظاهرون بالطيبوبة والبساطة وحلاوة اللسان، يستعملون الشعوذة والسّحر وكل ما يخطر، وما لا يخطر، على بال، لا يتوقّفون عن ابتكار الأفكار والطرق والوسائل للوصول إلى هدفهم، والهدف في الأخير هو أخذ ما ليس لهم بصمت ومكر ودون كثير ضجيج، تعدّدت الطّرق والنصب واحد. كبُرت مدينة طنجة وكبُر معها كل شيء، بما في ذلك عدد المحتالين والنصابين الذين لا ينفكون يبتدعون الوسائل، الواحدة تلو الأخرى، ليخدعوا ضحاياهم ويأخذوا منهم ما يريدونه تاركين للصّدمة- فيما بعد - أن تفعل بهم ما تشاء. السّماوي..الأشهر على الإطلاق لعلّ أشهر طرق النصب التي كان عدد من سكان طنجة ضحاياها لها، هي طريقة الشعوذة المعروفة ب"السماوي"، التي تختلف كيفيات تنفيذها، لكن يجمعها اعتمادها على السّحر والشعوذة عموما. تحكي فتحية .ص، 30 سنة، قصّتها مع هؤلاء قائلة: "يوم الحادث كنت أمشي وحيدةً عائدة إلى المنزل من زيارة عائلية، عندما استوقفني أحد الأشخاص وكان أول ما قال لي أنني مصابة (بالتقاف) حتى لا أتزوج، ثم بدأ بسرد عدد من التفاصيل والأسرار المتعلقة بحياتي الشخصية والتي يستحيل أن يعرفها شخص غريب. لم أكد أستفيق من المفاجأة حتى كان قد سلمني حجرا صغيرا في يدي مؤكدا أنه سيكون هو العلاج لحالتي، وبمجرد ما أمسكت تلك الحصا حتى غبت عن الوعي تماما ولم أعد أشعر بشيء. وفيما بعد حكوا لي أنني عدت إلى المنزل وحملت كل مجوهرات الذهب التي كانت بحوزتي وخرجت بها، أذكر أنني سلمت لهم الذهب وكأنني في حلم، عندها طلب مني المشعوذ أن أذهب لأحضر له ترابا من أحد المساجد القريبة، تحرّكت بضع خطوات ثم استفقت من حالة التنويم واستدرت لأبحث عنه فلم أجد شيئا، لقد خدعت ببساطة وأخذوا مني ذهبا بقيمة 4 ملايين سنتيم". من النادر أن يتم ضبط أحد أفراد عصابات السماوي بشكل متلبّس لأنهم يختارون ضحاياهم بعناية، كما أنهم يختارون الشوارع الفارغة التي تجعلهم في منأى عن أيّ طارئ عارض، لكن، بتاريخ الأربعاء 14 يناير 2016، كانت إحدى عصابات "السماوي" على موعد مع أسوأ أيامها، عندما تمّ كشف 3 محتالين بشارع المكسيك، المكتظّ بالمارّة، أثناء محاولتهم النصب على سيّدة تمتلك محلاّ بالشارع ذاته، حيث أفلت اثنان منهم، لكن مواطنين غاضبين تمكنوا من الإمساك بالثالث وتسليمه للأمن، في واحدة من الحالات النادرة لضبط هؤلاء بشكل متلبّس. النصّاب المسكين من أشهر النصابين بطنجة، شخصٌ يقوم بزيارة المكاتب والمحلاّت التجارية مدّعيا حينا أنه صبّاغ، وحينا آخر أنه جامع قمامة، وفي كل مرّة يختلق مهمة، آملا أن يكون الضحية شخصا جديدا على المكان. يقول عبد الإله.س، أحد ضحاياه: "زارني في المكتب حيث أشتغل، وكنت حديث عهد بالعمل هناك، وتحدث بأدب شديد وبصوت خفيض بالكاد أستطيع سماعه، قائلا إنه المسؤول عن جمع القمامة بالعمارة وأن باقي المكاتب قد أعطوه أجرته الشهرية (50 درهما للمكتب)، مؤكدا أنه لا مشكلة لديه إن لم أرد الدفع. طريقته هذه جعلت الشك لا يخامرني، فسلمته ال50 درهما، قبل أن أكتشف فيما بعد أنه لا يوجد شخص يقوم بهذه المهمة أصلا، وأنني وقعت ضحية مقلب". "الطريف في الأمر" يواصل عبد الإله "أنني اشتغلت في مكتب آخر بعد ذلك، لأفاجأ به يزورني يوما ويدّعي أنه يعاني من كسر في ظهره لأنه كان يقوم بصباغة العمارة في يوم من الأيام، ويحتاج معونة، طبعا هو لم يتذكرني، لكنني ما كنت لأنسى ملامحه وطريقة كلامه، فقمت بطرده على الفور". عاشقُ الهواتف المحمولة هو نصاب آخر فريد من نوعه، ولا يسرق إلا الهواتف المحمولة وبطريقةٍ خبيثة جدا، يصفه لنا عبد اللطيف، الذي يشتغل في مقهى إنترنت، قائلا: "يلبس نظارة طبية ووجهه بريء جدّا، كما أنه أنيق، ويستحيل أن يساورك الشك في نواياه". ويشرح عبد اللطيف طريقة احتياله، والتي حدثت أمامه، بحيث "يبدأ في الحديث في هاتفه المحمول قبل أن يتوقف فجأة متظاهرا أن البطارية نفذت، ثم يطلب من زبون المقهى المجاور له أن يمنحه هاتفه لدقيقة كي يضع فيه بطاقته ويكمل المحادثة التي يتظاهر بأنها هامّة جدا. وإمعانا في الخداع، يترك هاتفه القديم والرخيص الثمن موضوعا ويبدأ في الحديث وهو يتحرّك جيئة وذهابا، قبل أن يخرج من باب المقهى بشكل يبدو عفويا تماما، وعندما يكتشف الضحية الخدعة ويخرج مسرعا وراءه يكون ذلك متأخرا جدا للأسف!". يضحك عبد اللطيف ويواصل: "المشكلة أنه يصعب أن تضبطه متلبسا، لأنك لو أدركته فسيتظاهر أنه يتمشى بالمكان فقط، ويسلمك الهاتف بكل براءة، وربما يتظاهر بالغضب لأنك شككت فيه". نصابون عابرون هناك حالات نصب تقع بشكل شبه يومي حكاها لنا عدد من أصحاب محلات البقالة، والمخادع الهاتفية وغيرها من المتاجر الخاصة، وأغلبها تتعلق بمحاولات خداع صغيرة يكون عنوانها الرئيسي هو "الصرف"، وورقة ال200 درهم، حيث يعتمد عدد من المحتالين الصغار على القيمة الكبيرة لهذه الورقة المالية ليحاولوا من خلالها خداع البائع. إحدى هذه الخدع تقوم على إظهار الورقة المالية للبائع مع استغلال الزحام، وعندما يلتفت هذا الأخير، يقوم المحتال بإخفائها في جيبه ثم الادعاء بأنه قد سلمها له، حيث تبدأ المناوشة بينهما والتي تنتهي إما باستسلامه هو أو البائع، ويعتمد هذا النوع من المحتالين على الحظ وطول النفس في المناقشة والمجادلة، مع الاستعداد للخروج خاوي الوفاض أكثر من مرّة دون مشكلة. خدعة أخرى كشفها لنا صاحب مخدع هاتفي يقوم فيها المحتال بتعويد البائع على الاقتناء منه، قبل أن يأتي في يوم متظاهرا أنه لا يملك مالا، وأنه صديق شخص في الحيّ مثلا، مع إظهاره أنه لا مشكلة لديه في عدم ثقة البائع به. "هو بهذا يضعك في موقف أخلاقي محرج، فهو زبون من جهة، ومن جهة أخرى ستكون قليل الأدب إن تعاملت معه بفظاظة.. وهذا قد يضطرك للاستسلام وتسليمه بطاقة التعبئة التي يريد". نفوسٌ مُحتالة عن نفسية النصاب وطريقة تفكيره، أوضح لنا الدكتور محمّد حسون، أخصائي طبٍّ النفس بطنجة، قائلا: "من بين أقسام الشخصيات الثلاثة (الذّهانيون، العُصابيون والحدوديون)، يوجد المحتال في صنف السايكوباثيين الذين يتواجدون بدورهم في قائمة (الحدوديين)، وهو شخصية مضطربة غير متوازنة، لديه تاريخ غير سويّ. وأهمّ ما يميّز شخصية المحتال ميلُه للبحث عن اللّذة، وضعف الانتماء (للأسرة، للحي، للمجتمع..)، مع ضعف في الوازع (الأنا الأعلى)، إضافة إلى عدم قدرته على التعامل مع الواقع ومع الآخرين. وهناك من لديه ميول سادية تدفعه لاستغلال الآخر وإيذائه، فلا وجود لمحتال بدون ضحية.. كما أن بعض المحتالين يجدون متعتهم في البحث عن الخطر والمغامرة، وهذه يلتقي فيها مع المدمن، مع فرق أن المحتال لا يستفيد من الماضي بينما المدمن يمتلك ذلك الإدراك بخطورة ما فعل وقد يتراجع عنه". ويواصل حسّون: "ينقسم المحتالون إلى فئتين: الفئة المعادية للمجتمع، والفئة المضطربة النرجسية الباحثة عن اللذة والإحساس بالتفوق، أما علاجُه فلا يكون سوى عن طريق ما يعرف بالعلاج المعرفي السلوكي TCC، وللأسف لا يكون ذلك إلا في السجن، المكان الوحيد الذي يمكن أن يلتقي فيه بمُعالجه رغما عنه". والطريف أن النصاب يحاول في بدء الأمر الاحتيال على طبيبه نفسه بمناورته، لكن بعد 8 حصص تقريبا يكون قد تورّط دون أن يشعر في عملية العلاج التي تتمّ، بشكل ما، عن طريق "الاحتيال" عليه هو نفسه، لأنه "ليس مريضا بالمعنى المتعارف عليه !"، يورد الدكتور محمّد حسون.