تعليق على القرار رقم 984/16 الصادر يوم 12 يناير 2016 في قراره الصادر يوم 12 يناير 2016، صرح المجلس الدستوري بشغور المقعد الذي كانت تشغله السيدة مليكة فلاحي بمجلس المستشارين وقرر دعوة اول مترشحة ورد اسمها في لائحة الترشيح المعنية لشغل المقعد الشاغر، وذلك خلافا لما يقتضيه القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين الذي ينص على دعوة المترشح –كيفما كان جنسه- الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية، بعد اخر منتخب في نفس اللائحة. اذا كان هذا القرار ينتمي الى صنف القرارات الروتينية والشكلية التي يصدرها المجلس الدستوري عادة لإعطاء طابع رسمي و قانوني لشغور مقعد بعد وفاة او استقالة شاغله او لأسباب اخرى حددها القانون؛ فإنه يتميز بتجاوزه لمسألة التصريح بشغور المقعد ليخوض في شأن من له الحق في تعويض صاحب المقعد الشاغر، وذلك رغم تنظيم القانون لهذا الشأن بشكل دقيق لا يحتمل لا تأويل ولا اجتهاد. إن كان، على وجه العموم، اجتهاد القاضي الدستوري مسألة صحية وضرورية في تطور القانون و مبادرة لا تستحق في جميع الحالات إلا التنويه، خاصة إذا كان هذا الاجتهاد في خدمة البناء الديمقراطي، ودون أن ننتقص من حكمة وعبقرية أعضاء المجلس الدستوري، فمن الضروري أن ننبه إلى بعض الملاحظات، نلخصها فيما يلي: 1. تجاوز المجلس لاختصاصه يستند اختصاص المجلس الدستوري في التصريح بشغور المقعد بمجلس المستشارين على المادة 100 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين و المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بهذا المجلس. وطبقا لمقتضيات هاتين المادتين، يختص المجلس الدستوري فقط بالتصريح بشغور المقعد، مع ما يترتب عن ذلك من التأكد من احترام المساطر والاطلاع على الوثائق المدرجة في الملف .وعليه فالقرار من هذا النوع لا يجب ان يتضمن سوى التصريح بشغور المقعد او عدمه. يتبين مما أسلفناه أن المجلس الدستوري في قراره موضوع تعليقنا، بعدم اكتفائه بالتصريح بشغور المقعد و خوضه في مسالة تعويض المستشارة المستقيلة، تجاوز بشكل جلي اختصاصه في هذه المادة. 2-اجتهاد المجلس مع وجود النص لم يتجاوز المجلس الدستوري اختصاصه فقط في هذا القرار، بل اجتهد و قرر ضدا على ما جاء في نص قانوني صريح. فرغم اجماع فقهاء القانون على عدم جواز الاجتهاد مع وجود النص، فالقاضي الدستوري، في هذه النازلة، تجاهل مسطرة قانونية منصوص عليها بشكل دقيق وصريح في قانون تنظيمي صرح بدستوريته، ليسن محلها مسطرة أخرى مختلفة. فمسطرة تعويض المستشار المستقيل منصوص عليها في المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين. تقتضي هذه المادة ان يدعى، بقرار السلطة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح، المترشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية، بعد آخر منتخب في نفس اللائحة لشغل المقعد الشاغر. فضل القاضي الدستوري تجاهل هذه المقتضيات ليقرر "دعوة اول مترشحة ورد اسمها في لائحة الترشيح المعنية لشغل المقعد الشاغر".بما يعني أنه إن كان من له الحق في تعويض المستقيلة، طبقا للقانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، ذكرا، فإنه يسقط منه هذا الحق لصالح المترشحة التي تليه. 3-الخلل في الصيغة جاء التعبير المتعلق بتعويض المستشارة المستقيلة بالصيغة التالية : "دعوة اول مترشحة ورد اسمها في لائحة الترشيح المعنية لشغل المقعد الشاغر". يفهم من هذا التعبير أن المدعوة لشغل المقعد الشاغر هي أول مترشحة على اللائحة بغض النظر عن كونها منتخبة أو لا. و في هذه الحالة لا يمكن أن تكون إلا منتخبة، و قد تكون هي المستشارة المستقيلة نفسها. وحيث أنه لا يستقيم دعوة مستشارة لتعويض مستشارة مستقيلة، كما أنه ليس من السوي دعوة هذه الأخيرة لتعويض نفسها، فإن الأجدر أن يصاغ هذا التعبير على هذا النحو: " دعوة المترشحة التي يرد اسمها مباشرة في لائحة الترشيح المعنية، بعد آخر منتخب في نفس اللائحة لشغل المقعد الشاغر." 4- حيثيات خارج السياق بنى المجلس الدستوري قراره فيما يخص تعويض المستشارة المستقيلة على حيثيات تصب كلها في ضرورة ضمان تمثيلية لائقة للنساء داخل مجلس المستشارين. واستند في ذلك أساسا على الفصل 30 من الدستور الذي أوجب على المشرع سن مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء و الرجال في ولوج الوظائف الانتخابية. كما أشار القاضي الدستوري إلى الفقرة التاسعة من المادة 24 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين التي تنص على أنه "يجب ألا تتضمن كل لائحة من لوائح الترشيح اسمين متتابعين لمترشحين من نفس الجنس"، ليخلص إلى كون المقاعد التي تحرز عليها النساء بمجلس المستشارين، يتعين أن تظل مكسبا للمترشحات النساء، دون جواز انتقال تلك المقاعد لاحقا – بسبب شغورها- الى المترشحين الرجال. ان المبادئ التي بني عليها القرار والمتمثلة في تكافؤ الفرص و تشجيع تمثيلية النساء لا يمكن أن يجادل فيها الا من يعيش خارج زمانه؛ غير أن السياق الذي وظفت فيه يبدو غير سليم. فمهما كان سمو المبدإ و مشروعية المبتغى، فتجاوز القاضي الدستوري لاختصاصه امر غير مستقيم، واجتهاده مع وجود النص غير دستوري. إن اجتهاد القاضي الدستوري في هذه النازلة ليس فقط غير دستوري، بل هو غير سوي أيضا ويجعلنا أمام سؤال قد يحرج هذا القاضي في نازلة اخرى؛ فلنفترض أن المقعد شاغر لسبب يستوجب تنظيم انتخابات جزئية، و أن المقعد كانت تشغله مستشارة امرأة، أيتمسك المجلس الدستوري بمبدإ الحق المكتسب و يقرر تنظيم انتخابات يقتصر فيها الترشيح على النساء؟ أم يتنازل عن هذا المبدأ و يقرر تنظيم انتخابات يشارك فيها الجميع؟ *باحث في القانون الدستوري