حين نتحدث عن التقاعد يجب ربطه بالموت و ليس الحياة لأنه "ما بقى قد ما فات". و السبب في ربط التقاعد بالموت هو توظيف الحكومة للمعطيات الديمغرافية "لإصلاح نظام المعاشات المدنية". منظمة الصحة العالمية WHO تؤكد أن أمد الحياة في المغرب بالنسبة للرجال هو 71 سنة و 69 سنة بالنسبة للنساء. و إذا كان العرض الحكومي هو الرفع من سن التقاعد إلى 63 سنة، فإنه و "الأعمار بيد الله" سيكون منا من قضى نحبه و منا من ينتظر حلول "أرذل العمر" بين عمر 60 و 71 سنة. المعطيات الديمغرافية هذه، شجعت الحكومة على إجراء "إصلاحات مقياسية ديمغرافية في استغلال فظيع للموظف العمومي عبر: 1. مدة عمل أطول: يعني تمديد مدة استنزاف الحياة المهنية للموظف حتى آخر سنوات العيش لنَعْيِه من المهد إلى اللحد. و بالتالي ستنجح الحكومة في سياسة التقشف التوظيفي نظرا لعدم شغور المناصب المالية و عدم احتياج الإدارة للموارد البشرية. 2. اقتطاعات أكثر: و بزيادة تطويل مدة العمل ستضمن الدولة ليس فقط استمرار الاقتطاعات، بل أيضا الزيادة فيها 4 نقط على النسبة الحالية للاقتطاع من طرف "الملهوف الحكومي" لمعالجة اختلالات صناديقهم "الكحلا"، مما سيؤثر حتما على جودة الحياة و ضرب القدرة الشرائية. فاقتطاع 500 درهم إضافية ستزيد من توسيع ثقب الميزانية العائلية. 3. فترة تقاعد أقصر: مابين سن التقاعد 63 سنة و 71 سنة ( أمل الحياة)، تعلم الدولة أن الموظف لن يعيش أكثر من 10 سنوات بين انتهاء الخدمة ونهاية العمر. و بالتالي، ستستمر الدولة في صرف معاش الموظف "المتعوس" لأقصر مدة ربما يبلغ أقصاه 8 سنوات. 4. معاش هزيل: بتخفيض النسبة المئوية لاحتساب المعاش ابتداء من 1 يناير 2017 من نسبة 2.5 في المائة إلى 2 في المائة من المعدل الأجري ل 10 أو 15 سنة الأخيرة من حياته المهنية (عوض النسبة مآخر أجرة يتلقاها الموظف)، سيصبح المعاش " تدويرة Pocket Money حكومية مع الشراف دياولنا". تحت شعار : إشتغلوا لمدة أطول، و ساهموا باقتطاعات أجزل، لتحصلوا على تقاعد أهزل ... أيها الموظفين العٌزل". 5. عدم ربط التكوين بالتوظيف: إذا ربطنا هذه "الإصلاحات" التي سيؤديها الموظف أثناء فترة نشاطه وتقاعده، سنعلم أن "سلة الإصلاحات الحكومية" و من بينها "عدم ربط التكوين بالتوظيف" مرتبط منهجيا و سياسيا بربط الحكومة لأنظمة التقاعد بأمل موت موظفيها و استغلالهم أحياء و أمواتا لأطول مدة مما سيسهل عليها خفض كتلة الأجور من الميزانية العمومية بإفساح المجال لتدخل القطاع الخاص لاستيعاب جيوش المعطلين المؤهلين، لكن هذه المرة برواتب هزيلة و اقتطاعات كبيرة. بخلاصة، إن المقارنة بين منظومة المعاشات المدنية بالمغرب و مثيلاتها بدول الاتحاد الأروبي أو أمريكا هي مقارنة مضللة، تروم إسقاط تجارب أنظمة مختلفة سياسيا و ديموغرافيا و اقتصاديا. إذ أن سلة خدمات المتقاعد الفرنسي، مثلا تتضمن تسهيلات و خدمات مجانية شاملة ومتكاملة، رغم ما يعتري صندوق التقاعد الفرنسي من مشاكل توجبت رفع سن التقاعد إلى 62 سنة.