حصل نجم الراي الجزائري الشاب خالد على الجنسية المغربية، بقرار من العاهل المغربي الملك محمد السادس، حيث أكدت تقارير جزائرية ومغربية أن ملك المغرب منح الشاب خالد الجنسية بشكل استثنائي، أي أعفاه من جميع شروط الحصول على الجنسية المغربية. قرار منح الشاب خالد الجنسية المغربية جاء بعد عام واحد فقط من قرار مماثل بمنحها لمواطنه مطرب الراي فضيل، والذي حصل عليها أيضا بموجب مرسوم ملكي صادر من الملك محمد السادس. وقد أثار منح الجنسية المغربية للمغني الجزائري الشاب خالد من طرف الملك محمد السادس عدة ردود سياسية جزائرية، ذهبت إلى حد اتهام هذا الأخير بخيانة الجزائر، حيث وصفت صحيفة "الخبر"، القريبة من دوائر القرار الجزائرية، الشاب خالد بأنه أصبح أحد رعايا ملك المغرب، بعدما أعطاه الجنسية وأعفاه من قيود الأهلية الخاصة بالتجنيس. كما كان لبتر مقطع من النشيد الوطني المغربي قبيل انطلاق مباراة كروية بين فريقين من المغرب والجزائر ردود فعل داخل الأوساط الرسمية وغير الرسمية في المغرب، مما جعل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يأمر بفتح تحقيق في هذا الموضوع. وبالمقابل، فقد أثارت مشاركة الشاب خالد في إحياء سهرة غنائية بتندوف ردود فعل عنيفة داخل الأوساط السياسية وبعض المواقع الإلكترونية، ذهبت إلى حد اتهام هذا الأخير بنكران الجميل، وبخيانة القضية الوطنية. وتعكس هذه الردود، من المغرب من الجزائر، في ما يتعلق بمجال فني يعتبر بعيدا ما عن المجال السياسي، مظهرا من مظاهر التوتر الذي عرفته العلاقات السياسية بين النظامين الجزائري والمغربي منذ بداية ستينيات القرن الماضي. فقد عكس المجال الغنائي مستويات التوتر السياسي الذي طبع العلاقات بين البلدين، سواء من خلال تداعيات حرب الرمال في 1963، أو من خلال تداعيات حرب الصحراء في 1975، أو من خلال تداعيات إغلاق الحدود في غشت 1994. 1- المجال الغنائي وتداعيات حرب الرمال تميزت علاقات النظامين الجزائري والمغربي منذ استقلال الدولتين بتوتر دائم ما زالت تداعياته متواصلة لحد الآن. فبعيد استقلال الجزائر، اصطدم نظام بن بله، الخارج لتوه من حرب تحرير مريرة مع فرنسا التي استعمرت البلاد لما ينيف عن 120 سنة، بنظام الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يواجه معارضة سياسية شرسة في الداخل كانت تهدد سلطته. انضافت إلى ذلك عوامل أخرى ساهمت في اندلاع المواجهة بين هذين النظامين الوليدين؛ من بينها انعدام اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين بدقة بسبب المستعمر الفرنسي، بحيث لم يكن هناك أي رسم للحدود مقنن باتفاقية، فمعاهدة للا مغنية ل18 مارس 1845، التي تثبت الحدود بين الجزائر والمغرب، تنص على "منطقة جافة بدون منابع مائية وغير مأهولة وتحديدها مبهم" أما ما تم رسمه لا يمثل سوى 165 كلم. ما عداه لا توجد أي منطقة حدودية برسم دقيق، وكذا تداعيات الحرب الباردة على المنطقة بين المعسكرين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي، والمعسكر الغربي بزعامة الولاياتالمتحدة، الشيء الذي تجلى من خلال تلقي الجزائر خلال هذه الحرب دعماً عسكرياً من الاتحاد السوفياتي وكوبا ومصر، بينما تلقى المغرب مساعدات عسكرية من فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية. ولم تحل كل المحاولات الدبلوماسية بين النظامين، بما في ذلك اتفاق وزيري خارجية البلدين آنذاك أحمد رضى كديرة وعبد العزيز بوتفليقة في مدينة وجدة، على ضرورة تنظيم قمة بين الملك الحسن الثاني والرئيس بن بلة، لحل هذا النزاع، من اندلاع المواجهة العسكرية في الحدود بين البلدين. فبعد مناوشات مكثفة على طول الحدود، حدث اشتباك حقيقي واقتتال عنيف حول واحة تندوف وفكيك، تمكن فيها الجيش المغربي، بقيادة الجنرال إدريس بن عمر، من التفوق على القوات العسكرية الجزائرية التي كانت لا تزال غير مؤهلة لخوض حرب مباشرة، لافتقارها للتجربة الميدانية وعدم توفرها على الآليات الثقيلة، مما جعل الجنرال بن عمر يفكر في دخول العاصمة لولا أمر الملك بثنيه عن ذلك. وقد خلفت هذه المواجهة العسكرية بين البلدين جرحا سياسيا غائرا في العلاقات بين البلدين، انعكست تداعياته على كل مظاهر التعامل بين البلدين سواء على الصعيد الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي والفني، بما في ذلك المجال الغنائي. وقد تجلى ذلك على الخصوص من خلال تعامل النظامين مع أغاني المطرب الراحل عبد الحليم حافظ. فقد كان عبد الحليم محبوبا في المغرب بشكل غير طبيعي، ولكنه في الوقت ذاته كان ممنوعا من دخوله وكانت أفلامه ممنوعة من العرض السينمائي وحتي أغانيه كانت ممنوعة في الإذاعة والتليفزيون والأسواق. ويرجع السبب في ذلك إلى الأغنية التي أداها هذا المطرب حول الثورة الجزائرية في 1962. ففي هذه السنة غنى عبد الحليم حافظ أغنية "أرض الجزائر" التي كتبها كمال منصور ولحنها بليغ حمدي، التي حققت له شهرة كبرى داخل الجزائر، حيث إنه في إحدى المناسبات التي زار فيها الجزائر، استقبل استقبالا حارا من طرف الرئيس الجزائري بن بلة، وما إن علم عبد الحليم بحضور الرئيس الجزائري رفقة تشي غيفارا للمسرح الذي غنى فيه، حتى نزل وقصد الرئيسين، وأمسك بيد كل واحد منهما في يد، وصعد للمسرح رافعا كلتا يديه، ثم قال للجمهور:" حتردو ورايا"، فأجابوه بنعم، فغرد العندليب بأغنية عن تكسير قضبان الاحتلال والدكتاتورية، تقول بعض مقاطعها: "قضبان حديد اتكسرت.. والشمس طلعت نوّرت.. أرض العروبة أرض البطولة.. أرض الجزائر سنين طويلة.. حرب ونضال بين الكهوف.. فوق الجبال شايلين سلاح.. قصة كفاح أعجب وأغرب من الخيال". بالتالي، فقد كانت هذه الأغنية وراء إبعاد عبد الحليم عن المغرب نظرا لعدة أسباب؛ أولها أن القطعة أديت في فترة الصراع بين المغرب والجزائر، وثاني الأسباب أن الأغنية جمعت بين رموز الاشتراكية (بن بلة، وتشي غيفارا)، الشيء الذي كان يتعارض مع التوجهات (الليبرالية) لنظام الملك الراحل الحسن الثاني، دون نسيان الحظوة التي كان يحظى بها هذا المطرب لدى الرئيس المصري جمال عبد الناصر ذي التوجهات القومية التي أطاحت بعرش الملك فاروق، مما كان يقلق الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يرتاب من مواقف هذا الزعيم من كل الأنظمة الملكية العربية. ولعل هذه المخاوف السياسية لدى الملك هي التي تم استغلالها من طرف أحد المطربين المغاربة المنافسين لعبد الحليم حافظ ليشي به لدى الملك الراحل الحسن الثاني، مدعيا أن عبد الحليم غني أغنية هاجم فيها المغرب، ليأمر هذا الأخير بمنع دخول هذا الفنان وحظر أغانيه. ولعل هذا ما ألمح إليه المطرب المغربي الكبير عبد الواحد التطواني في إحدى تصريحاته الصحافية، قائل: "لقد غنى عبد الحليم أغنية اعتبرها المغاربة موجهة ضدهم، فكان طبيعيا أن يتم الرد عن هذا السلوك". كما أن عبد الحليم حافظ أكد بنفسه هذا المعطى في آخر حوار له قبل وفاته، قائلا: "قالوا للملك إن عبد الحليم غنى في الجزائر ضد المغرب. صحيح أنني غنيت في الجزائر، لكن ليس صحيحا أنني غنيت ضد المغرب .. وللأسف نجحوا في خطتهم ووشايتهم وأكاذيبهم. وكانت النتيجة منع نشر أخباري في الصحف والمجلات المغربية، ومنع إذاعة أي أغنية من أغنياتي من إذاعة المغرب". وقد بقي هذا المطرب الذي اشتهر في مختلف أنحاء العالم العربي آنذاك ممنوعا في المغرب في الوقت الذي كان يتمتع فيه بشعبية وتشجيع من طرف السلطات الجزائرية، سواء في عهد الرئيس بن بلة أو خلفه الذي أطاح به الرئيس الراحل هواري بومدين. فقد كان عبد الحليم حافظ المطرب العربي الوحيد ضمن رباعي القمة المتكون من محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفريد الأطرش، الذي غنى للثورة الجزائرية، كما تم اختياره في الذكرى الأولى للاستقلال ليغني في الجزائر، حيث جاب سبع مدن جزائرية. كما عاد عام 1969 ليغني في العاصمة، وفي عنابة.. وعبد الحليم حافظ هو المطرب الوحيد الذي لم تقتصر زياراته على العواصم الجزائرية الثلاث، بل قادته إلى بلعباس وباتنة وتيزي وزو. وإذا كان العندليب الأسمر في رحلته الجزائرية الأولى قد اصطحب شادية وشكوكو، فإنه في الجولة الثانية كانت إلى جانبه الراقصة نجوى فؤاد. ولفك هذا المنع السياسي الذي أحاط بهذا الفنان طيلة أكثر من سبع سنوات والحصار الذي كان مفروضا على توزيع أفلامه وإذاعة أغانيه في قنوات الإذاعة والتلفزة الرسمية بالمغرب، ونشر الأخبار المتعلقة به في الجرائد والمجلات، فكر منظم حفلات عبد الحليم حافظ أن يتم الاتصال مباشرة بالملك بشأن هذا الموضوع، مقترحا على عبد الحليم كتابة رسالة مباشرة إلى القصر الملكي. وهكذا كتب عبد الحليم حافظ شخصيا خطابا للملك يشرح فيه كل الموضوع وأرسله عن طريق سفارة المغرب بالقاهرة. وبهذا الصدد صرح عبد الحليم بما يلي: "قررت أن أشرح الحقيقة للملك. كتبت رسالة مطولة أشرح له فيها موقفي تتضمن ما يلي: سمعت أنهم قالوا لجلالتك أني غنيت في الجزائر ضد المغرب وهذا غير صحيح. كل ما حدث أني أعددت بعض الأغاني عن كفاح الجزائر ضد الاستعمار والاحتلال الفرنسي. وهذا واجب وطني، بل أعلم أن جلالتكم ساهمتم في هذا الكفاح، هل شعب الجزائر لا يستحق المساندة؟ إن الكفاح الجزائري يشرف العرب جميعا، وغنائي للشعب الجزائري كان تعبيرا عن مشاعري كإنسان وفنان". وإذا كانت هذه الرسالة الخطية لعبد الحليم قد لاقت قبولا من طرف الملك، وجعلته يأمر بالسماح له بتنظيم حفلاته بالمغرب، حيث سافر وفرقته إلي المغرب بدعوة شخصية ورسمية من جلالة الملك الحسن الثاني، فإن ذلك لم يخل، على ما يبدو، من حسابات سياسية للملك تجاه هذا المطرب العربي المشهور. فاستقطاب هذا الأخير جعل الجمهور المغربي وعشاق صوت هذا الفنان يستحسنون هذه المبادرة الملكية، مما ساهم في تكريس شعبيته السياسية على الصعيد الداخلي. كما أن دعوته إلى المغرب لإحياء حفلات وسهرات غنائية، بما فيها تلك التي كان يقيمها هذا الملك، كانت بلا شك إغراء لهذا الفنان للقدوم إلى المغرب بدل الجزائر، واستغلال شهرته الفنية في تلميع صورة النظام على الواجهة العربية، خاصة بعد العناية التي أحاطه بها الملك بعد علمه بمرضه وتكفله بمصاريف متابعة علاجه. وقد ظهر ذلك جليا من خلال أداء هذا الفنان لأغاني كانت تمجد حكم هذا الأخير، والتي كان من أشهرها أغنية "الما والخضرة والوجه الحسن". فقد قرر الملك الراحل الاحتفال بالذكرى الأربعين لميلاده، أي في سنة 1969، واستدعى لذلك أغلب المطربين والفنانين العرب، من بينهم عبد الحليم حافظ، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، محرم فؤاد، شادية، محمد العزبي، فايزة أحمد، عمر خورشيد، محمد رشدي، شريفة فاضل، نجاة الصغيرة، صلاح ذو الفقار، محمد قنديل، سعاد محمد، بليغ حمدي، محمد الموجي، وديع الصافي... جاؤوا في طائرتين خاصتين. جاء كل هؤلاء للمشاركة في احتفالات المغرب، وغنى عبد الحليم في القصر الملكي أغنية "الماء والخضرة والوجه الحسن"، التي منحها للإذاعة قصد بثها ليسمعها كل المغاربة، بعدما لاقت استحسان الملك الذي كان مولعا بالموسيقى، وله إلمام كبير بالثقافة الموسيقية والفنية. وبالتالي، فمن طرائف هذه الأغنية، التي كانت تذاع بشكل يومي، أن الملك الحسن الثاني قرر أن تقام سهرة في مدينة إفران، واختار أن تؤدى أغنية تجمع بين إيقاعات عربية ممثلة في أغنية "الماء والخضرة" وإيقاعات باللهجة المغربية متجسدة في أغنية "ما حلا إيفران ماحلا جماله" لإبراهيم العلمي وموال أمازيغي "هاوواوا"، في الليلة المقررة للغناء جمع الراحل الفنانين أحمد الغرباوي وإبراهيم العلمي والطاهر جمي والمعطي بنقاسم وإسماعيل أحمد وبعض الفنانين المصريين، ولقنهم كيفية أداء الأغنية المقترحة، وكانت النتيجة أغنية خاصة غنيت في الهواء الطلق بإيفران. وقد فتحت هذه الأغنية مجال الشهرة لعبد الحليم حافظ، الذي أصبح بمثابة صديق للملك، وأصبح شبه مقيم بالمغرب لإحياء حفلاته الغنائية خاصة بالقصر الملكي وأثناء المناسبات الوطنية، خاصة عيد الاحتفال بميلاد الملك وما ما يسمى ب"عيد الشباب"، الشيء الذي جعل اسم عبد الحليم يرتبط بحادث الانقلاب على نظام الملك الراحل الحسن الثاني. فخلال الاحتفال بعيد ميلاد الملك الثاني والأربعين، توجه عبد الحليم إلي مبني الإذاعة لتسجيل إحدى أغانيه بهذه المناسبة، حيث حدثت في هذه الأثناء محاولة انقلاب وتمت محاصرة الإذاعة وطلب أحد الانقلابيين من عبد الحليم حافظ إذاعة بيان الانقلاب بصوته، لكن عبد الحليم رفض الأمر قائلا: "أنا فنان وليس لي علاقة بالسياسة، ثم إنني ضيف علي المغرب وبدعوة من الملك شخصيا". وهنا انفعل أحدهم وأطلق رصاصة في اتجاه عبد الحليم حافظ أخطأته وأصابت أحد موظفي الإذاعة، ليتم إجبار الملحن المغربي الراحل عبد السلام عامر على إذاعة بيان عسكري سبب له الكثير من المتاعب فيما بعد. في حين بقى عبد الحليم حافظ مقربا من الملك الحسن الثاني الذي سانده ماديا ومعنويا في آخر أيامه وتكفل بمصاريف علاجه بباريس إلى أن فارق الحياة، ليقوم الملك ببعث رسالة تعزية لعائلته عبّر فيها عن تأثره الكبير لوفاته. 2- المجال الغنائي وتداعيات حرب الصحراء لم تكد تمر 12 سنة على أول حرب بين المغرب والجزائر، حتى دخل البلدان الجاران في حرب ثانية بدأت عسكرية وتحولت إلى حرب استنزاف، خاصة بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار بين المغرب وقوات البوليزاريو. وهكذا، بعد نجاح المغرب في تنظيم مسيرة شعبية إلى الصحراء أجبرت إسبانيا فرانكو على التفاوض وتوقيع معاهدة مدريد، قررت الجزائر التدخل في منطقة الصحراء إلى جانب جبهة البوليساريو، فعبرت القوات الجزائرية الحدود مع المغرب في 27 يناير 1976 وتوغلت داخل الصحراء إلى حدود أمغالا، حيث اصطدمت مع الجيش المغربي في معركة أمغالا الأولى، والتي انتهت بأحد أكبر الانتصارات المغربية منذ حرب الرمال، قتل فيها 200 جندي جزائري وأسر أزيد من 102 في ظرف يومين، لكن الملك الحسن الثاني قرر إعادة الأسرى للحكومة الجزائرية لتجنب الحرب بين الجارين. لكن هذا لم يمنع قوات جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، من الهجوم على أمغالا ونجحت في السيطرة عليها، مؤقتا، قبل تدخل القوات المغربية. معركة أمغالا الثانية هي آخر معركة قبل اندلاع حرب دامت حوالي 16 سنة بين المغرب وجبهة البوليزاريو، بعدما قررت الجزائر الانسحاب من الحرب والاكتفاء بالدعم اللوجستي والدبلوماسي والإعلامي. وقد كان لهذه الحرب بالوكالة عدة تداعيات بين البلدين، انتقلت من المجال السياسي من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، و المجال الاجتماعي من خلال طرد 350 ألف مغربي مقيم بالجزائر، إلى المجال الغنائي من خلال احتضان قناة تابعة لجبهة البوليزاريو، أسندت لها مهمة شن حملات تشهير ضد نظام الملك الراحل الحسن الثاني، أطلق عليها إذاعة مغرب الشعوب، التي كثيرا ما كانت توظف بعض مضامين أغاني مغربية، خاصة أغاني بعض المجموعات ك"ناس الغيوان" و"لمشاهب"، التي كانت تندد ضمنيا بالسياسة القمعية التي كان ينتهجها نظام الملك الراحل الحسن الثاني في الداخل، وسياسته التوسعية في المناطق الصحراوية، التي تعتبرها جبهة البوليزايو أراض تابعة للجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية التي تم الإعلان عنها في فبراير 1976. أما في المغرب، فقد وظف النظام، منذ بداية الإعلان عن انطلاق المسيرة، الأغاني الوطنية لتأجيج الشعور الوطني وتحميس المتطوعين على الانخراط في عملية المسيرة التي أعلن عنها الملك الحسن الثاني ليلة الأربعاء 5 نونبر 1975. وهكذا كانت أغنية "نداء الحسن" بمثابة تجسيد لقرار الملك بتحرك المسيرة الذي أعلن عنه في خطاب تضمن إشارة البدء في تحرك جحافل المتطوعين والمتطوعات من خلال الكلمات التالية: "غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطؤون طرفا من أراضيكم، وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز (...) كان بودي شعبي العزيز أن أكون في الطليعة، ولكن يقال بأن واجب القائد أن يبقى في مركز قيادته ليسهر على تنفيذ الأوامر، وليتمكن من أن يبقى على اتصال مع جميع أطراف المملكة وجميع أفراد الأسرة". وقد وظفت هذه الأغاني الوطنية ليس فقط لتقوية الجبهة الداخلية، بل أيضا لتدعيم القضية الوطنية والتعريف بها خاصة بالجزائر، كما كان الشأن بالنسبة لأغنية "العيون عينيا" التي لاقت شهرة منقطعة النظير في مختلف البلدان العربية بما فيها الجزائر. وهكذا حكى محمد الدرهم، أحد الأعضاء السابقين لمجموعة جيل جيلالة ما يلي: "ما وقع مع (نداء الحسن) حصل مع (العيون عيني). المجموعة كانت تستمع إلى الخطاب الملكي، فقرر أعضاؤها أن يساهموا بطريقتهم الخاصة في الحدث، فخرجت الأغنية إلى الساحة الفنية. (العيون عيني) أعدت في فترة قصيرة، إذ كتبت ولحنت في يومين، وخلال أسبوع كانت تبث في الإذاعة والتلفزيون. مجموعة جيل جيلالة غنت القطعة في مناسبات كثيرة أمام الحسن الثاني فأعجبته، وفي كل البلدان التي زارتها، مما أكسبها سمعة تجاوزت المحلية، فأعاد غناءها مطربون ليبيون وخليجيون". الدرهم يحكي قصة طريفة وقعت لمجموعته؛ فقد قاموا خلال حفل بالجزائر، نظم بمناسبة ذكرى تأسيس جهاز الأمن الجزائري، بأداء "العيون عيني"، المفارقة أن مكان تنظيم الحفل لم يكن يبعد إلا بأمتار قليلة عن مقر تمثيلية البوليزاريو: "غنينا العيون عيني والقياديين ديال البوليزاريو حاضرين". وفي هذا السياق، اهتم الملك الراحل الحسن الثاني بتشجيع المغنين المغاربة على إنتاج أغاني وطنية للرد بها على خصوم الوحدة الترابية، حيث شهدت الأغنية الوطنية رواجا كبيرا منذ منتصف السبعينيات إلى نهاية ثمانينيات القرن 20. وقد تجلى هذا الاهتمام من خلال الإمكانيات التي كان يوفرها لها النظام، والتي تمثلت بالخصوص في: - الإشراف الملكي على إذاعة هذه الأغاني؛ ذلك أن الأغاني قبل أن تذاع، كانت تعرض على الملك الحسن الثاني شخصيا. والأغاني التي تحظى باستحسانه هي التي تسجل مع الجوق الملكي، أما التي تأتي في الدرجة الثانية فتسجل مع الجوق الوطني. - اهتمام دار الإذاعة والتلفزة بتقديم الأغاني في المناسبات والأعياد الوطنية؛ حيث وظفت الإذاعة الوطنية عددا كبيرا من المطربين والملحنين والعازفين الذين طلبت منهم مقابل رواتبهم الشهرية أن ينجزوا ست أغنيات في السنة. ومع تطور الوضع العسكري لصالح المغرب، بعد استكمال بناء جدران عسكرية حدت من تسللات قوات البوليساريو إلى عمق المناطق الصحراوية، وتحكم النظام في مجريات العمليات العسكرية في الميدان، وانتزاع التزام القذافي بعدم الاستمرار في دعم البوليزاريو، بدأ النظام يبحث عن حل سياسي للمشكل بينه وبين النظام الجزائري. وقد عكست على ما يبدو بعض الأغاني التي أنتجت في هذه المرحلة هذا التوجه، والتي كان من أبرزها أغنية "جاري يا جاري" التي ألف كلماتها المرحوم أحمد الطيب لعلج، ولحنها المرحوم عبد القادر الراشدي، وأدتها سيدة الطرب المغاربي آنذاك نعيمة سميح. وهكذا، تضمنت كلمات هذه الأغنية التي أذيعت لأول مرة في سنة 1985، عدة إشارات سياسية في اتجاه النظام الجزائري تشير إلى ما يجمع بين البلدين الجارين من روابط الأخوة والنسب والدين التي من المفروض أن تحول دون استمرار علاقات الجفاء والخصام التي تزيد من تشفي الأعداء، حيث تضمنت المقاطع الأولى مايلي : جاري يا جاري ياللي دارك حدا داري خلينا نمشيو فالطريق رفاگة وصحاب العشرة والدين والنسب نوليو دراري شفايا للعدا وكنا نساب حباب لكن إلى جانب هذه الدعوة إلى التصالح وسياسة اليد الممدودة، تضمنت هذه الأغنية إشارات سياسية تتمثل في أن سياسة مد اليد الممدودة لا ينبغي أن ينظر إليها كضعف أو خوف، بل هو ينم عن ترفع في الأخلاق السياسية مصدرها الأصل الشريف والتعامل بالحسنى في إحالة ضمنية إلى الأصول العريقة للنظام، حيث تضمنت المقاطع التالية ما يلي : جاري لا تحسبني ضعيف قادر نحمي نفدي الدار لكن أصلي وطبعي شريف ونفضل نمشي بالنهار وزعما يا جاري راك عارف فاهم قاري آش هاذ الغلط يا الخاوة راجع لحساب أرضي أرض الخير گولها بالصوت العالي ولا تخاف وإلى نتحمل ذلها كتافي ما بقاو ليا كتاف وزعما ياجاري راك عارف فاهم قاري آش هاذ الغلط يا الخاوة راجع لحساب وبالتالي، فلعل الإشارات السياسية لهذه الأغنية وما تحمله من دلالات هي التي جعلتها تردد بشكل كبير على قنوات الإذاعة والتلفزة الرسمية خاصة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وكانت بمثابة صوت غير رسمي لموقف النظام فيما يتعلق بمشكل الصحراء، وموقفه بالأساس من النظام الجزائري الذي انتهى به المطاف إلى القبول بالدخول في اتفاقية اندماج مغاربي وقعت بمراكش في فبراير 1989، والتي تنص في مادتها 15 على "تعهد الدول الأعضاء بعدم السماح بأي نشاط أو تنظيم فوق ترابها يمس أمن أو حرمة تراب أي منها أو نظامها السياسي"، الشيء الذي أدى بعد سنتين من توقيع هذه الاتفاقية إلى إعلان هدنة ووقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليزاريو، التي تتخذ من تندوف مقرا لقيادتها العسكرية والسياسية والأمنية (1). 3- المجال الغنائي وتداعيات إغلاق الحدود أطلقها الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز عند نقطة الحدود المشتركة بين البلدين في ضواحي وجدة شرق المغرب، عقد أول لقاء بين العاهل المغربي الملك الراحل الحسن الثاني وأعضاء قياديين في جبهة "بوليساريو" في مراكش في بداية 1989. وتم لاحقاً إبرام المعاهدة التأسيسية للاتحاد المغاربي في العام نفسه. بيد أن الحدث البارز في سياق تطبيع علاقات البلدين بعد معاودة ربط العلاقات الدبلوماسية وقتذاك تمثل في تمديد العمل باتفاق ترسيم الحدود الذي ظل عالقاً منذ عام 1969. وقد زار الملك الحسن الثاني الجزائر بعد ذلك مرتين، إلا أن علاقات البلدين تعرضت للاهتزاز منذ استقالة الرئيس بن جديد عام 1992. وزاد في تعقيد الموقف اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف الذي كان يقيم في منفاه في المغرب قبل أن يعود إلى الجزائر رئيساً لفترة قصيرة، حيث تردد في أوساط دبلوماسية أن بوضياف كان يعتزم تصفية "كل المشاكل العالقة" بين المغرب والجزائر لولا أنه قتل في حزيران يونيو 1992. وبالتالي، فإن فترة الانتعاش الدبلوماسي والانفتاح السياسي بين النظامين المغربي والجزائري لم تدم طويلا. فقد توترت العلاقات من جديد خاصة بعد تفجيرات فندق أسني بمراكش في 24 غشت من عام 1994، وهو الحادث الذي دفع بالمغرب حينها إلى اتهام المخابرات الجزائرية ب"الوقوف وراء الهجوم الإرهابي"، وفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين، وهو ما ردت عليه حينها الحكومة الجزائرية بإجراءات أكثر راديكالية، حيث أعلنت من طرف واحد إغلاق الحدود البرية بين البلدين الذي ما زال مستمرا إلى اليوم. وقد حاول الملك محمد السادس، بعد خلافته لوالده، أن يفتح صفحة جديدة في العلاقات مع النظام الجزائري، حيث قام بزيارة إلى الجزائر لإذابة الجليد السياسي بين البلدين. كما دعا في عدة خطب إلى تطبيع العلاقات الثنائية وفتح الجدود بين البلدين. وهكذا تضمن خطاب عيد العرش بتاريخ يوليوز 2011، في هذا السياق، المقتطفات التالية : "أما بالنسبة لروابط انتمائنا الإقليمي، فإننا سنظل متشبثين ببناء الاتحاد المغاربي، كخيار استراتيجي ومشروع اندماجي لا محيد عنه؛ مع ما يقتضيه الأمر من تصميم ومثابرة (...) المغرب لن يدخر جهدا لتنمية علاقاته الثنائية مع دول المنطقة؛ مسجلين الوتيرة الإيجابية للقاءات الوزارية والقطاعية الجارية، المتفق عليها مع الجزائر الشقيقة (...) إننا ملتزمون، وفاء لأواصر الأخوة العريقة بين شعبينا الشقيقين، ولتطلعات الأجيال الصاعدة، بإعطاء دينامية جديدة، منفتحة على تسوية كل المشاكل العالقة، من أجل تطبيع كامل للعلاقات الثنائية بين بلدينا الشقيقين، بما فيها فتح الحدود البرية". لكن على الرغم من كل هذه الدعوات الملكية بتطبيع العلاقات بين النظامين، وضرورة فتح الحدود، إلا أن النظام الجزائري بقي مصرا على حل كل القضايا العالقة قبل فتح الحدود البرية بين البلدين والتي حددها في وقف الحملات الإعلامية والدبلوماسية ضد الجزائر، واتخاذ إجراءات ملموسة من أجل محاربة تجارة المخدرات. كما اتخذت الجزائر خلال سنة 2013 عدة إجراءات أحادية، تمثلت في تشديد الرقابة على الحدود لمنع تهريب الوقود والمواد الغذائية، مما كان له انعكاس مباشر على عيش آلاف من الأسر المغربية وكذا الجزائرية المقيمة في المنطقة الحدودية التي تقتات من التهريب. وقد انعكس هذا الوضع السياسي المتوتر على مختلف العلاقات بين البلدين بما في ذلك التظاهرات الرياضية والفنية، حيث ظهر ذلك جليا من خلال الضجة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية التي صاحبت بتر عزف بعض المقاطع من النشيد الوطني المغربي خلال مقابلة جمعت منتخبي البلدين بالجزائر برسم تصفيات كأس أمم إفريقيا بمدينة القليعة الجزائرية. وهكذا طالبت وزارة الخارجية والتعاون المغربية، عبر القنوات الدبلوماسية، من نظيرتها الجزائرية تقديم التوضيحات اللازمة لهذا التصرف الذي يمس بمشاعر الشعب المغربي وأحد رموز سيادته، خاصة وأن هذه الواقعة تزامنت مع تقديم المبعوث الأممي، السيد بيتر فالسوم، لتقرير حول الصحراء المغربية للأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة كان يتضمن توصيات تكرس الموقف المغربي من القضية، الشيء الذي فهم من طرف السلطات المغربية على أنه رد فعل غير مباشر من طرف الجزائر. ولاحتواء تداعيات هذا الحادث، قامت السلطات الجزائرية باتخاذ بعض الإجراءات، أشارت إليها "النهار الجديد" بتاريخ 05 ماي 2008 بما يلي: "أكدت مصادر إعلامية أن الرئيس بوتفليقة طالب بفتح تحقيق في ملابسات قطع النشيد الوطني المغربي، في شطره الأخير بمناسبة اللقاء الدولي الكروي الذي جمع السبت المنصرم المنتخبين الجزائري والمغربي، الذي احتضنه ملعب القليعة، في إطار تصفيات كأس إفريقيا للأمم للمحليين، وذكرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية أمس أن الرئيس بوتفليقة استاء كثيرا لما علم بالحادثة. من جهة أخرى أكد نائب مدير الإعلام بوزارة الخارجية السيد مزياني، أمس في اتصال مع (النهار) أن الطرف المغربي هو الذي يتحمل تبعات ما جرى على اعتبار أن التقاليد الرياضية تلزم الفريق المتنقل إلى بلد آخر بجلب قرص نشيدها الخاص، وذكر المتحدث أنه ينبغي أن لا يأخذ هذا الأمر أبعادا دبلوماسية قد تؤثر على العلاقات الأخوية بين البلدين، معتبرا أن (رد حميد حداج رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، هو أفضل رد، على اعتبار أنه أكد أنه طلب من المغاربة تزويدهم بعلم المملكة المغربية وكذا قرص مضغوط للنشيد الوطني المغربي غير أن القرص الذي تم الحصول عليه كان فاسدا ومبتورا). من جهته قدم حميد حداج نسخة من توضيح كتابي تلقت (النهار) نسخة منه، لرئيس فيدرالية المملكة المغربية لكرة القدم، وأخرى للأمين العام للكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم، جاء فيه أنه وبمناسبة اللقاء الذي جمع الفريقين الجزائري والمغربي، في الثالث من ماي الجاري، ونتيجة لسوء التفاهم الذي حدث بسبب عطب تقني، تسبب في قطع النشيد الوطني المغربي، بسبب عدم صلاحية القرص المضغوط الذي جلبه وفدكم، وقال (هذا الخطأ التقني الذي لم يكن متعمدا ولا يمكنه أن يؤثر على العلاقات الرياضية الأخوية بين البلدين)، معربا عن أسفه العميق عن الخلل الذي حدث". ولم تقتصر تداعيات هذا التوتر على حادثة بتر النشيد الوطني، بل تعدى ذلك إلى العلاقات الفنية بين البلدين. فقد أثارت مشاركات الفنانين الجزائريين في إحياء حفلات غنائية بالمغرب، في مناسبات عدة، جدلا إعلاميا بالجزائر، وخصوصا بالنسبة للحفلات التي أحياها بعض نجوم فن "الراي" في مدن الصحراء، الأمر الذي اعتبرته بعض الصحف الجزائرية "توريطا" لفنانين جزائريين في الدعاية لموقف المغرب بخصوص الصحراء. وبالتالي، فلقد تبادلت أوساط إعلامية وثقافية جزائرية ومغربية الاتهامات والردود بشأن ما يشاع من أن المغرب يستغل نجومية فنانين جزائريين للتأكيد على أن الصحراء الغربية هي جزء من أراضيه، بينما ترى أوساط مغربية أن تلك الاتهامات هي محض افتراءات تعود الإعلام الجزائري على توجيهها إلى المغرب حتى أدى الأمر بهم إلى "تسييس الفن". وكانت بعض وسائل الإعلام الجزائرية هاجمت بشدة مغني الراي الشاب رضا طلياني، لأنه هتف في أحد المهرجانات الفنية بالمغرب ب"مغربية الصحراء الغربية"، بينما أشادت بالفنانة الجزائرية فلة لأنها "رفضت" الغناء في مدينة العيون التي تعتبرها جبهة البوليساريو الانفصالية عاصمة الدولة التي تطالب بإنشائها في الصحراء الغربية (2). وفي محاولة للرد على هذه الاتهامات، صرحت احجبوها الزبير، مديرة مهرجان "روافد ازوان" ل"العربية.نت"، في 1 نونبر 2010، بأن "مهرجان العيون هو مهرجان سلم وسلام وعدم مشاركة الفنانة الجزائرية فلة هو خسارة لها، لأنها كانت ستكتشف مجالا آخر وجمهورا يحب فنها ومدينة يسودها السلم والسلام. وأضافت الزبير أن منظمي المهرجان تفاجؤوا لاعتذار فلة في اللحظات الأخيرة عن الحضور بعدما تم إتمام الإجراءات اللازمة والتنسيق مع مدير أعمالها بدون إعطاء سبب مقنع. وعن اتهام الإعلام الجزائري للجهات الرسمية المغربية لاستقطاب الفنانين الجزائريين، أكدت الزبير أن دعوة فلة للمشاركة في مهرجان روافد، هو فقط رغبة بتمثيل بلدها خاصة أن كل الدول المجاورة حضرت للمهرجان، مشيرة إلى أنه تم حضور فنانين مشهورين مثل الفنان التونسي لطفي بوشناق واللبناني وائل جسار، وأنه تم الاتفاق على مبلغ 10 آلاف دولار لكل فنان أجنبي. واستطردت أن دعوة الفنانين الجزائريين ليس استقطابا وإنما فقط تقربا من دولة يجمعنا بها التاريخ والثقافة والعرق والدين، فلا يعقل أن تشارك موريتانيا واسبانيا ولا تشارك الجزائر، مؤكدة على أن مهرجان روافد بعيد عن أي تلويح أو رغبة سياسية، وإنما هو مهرجان ثقافي فني بامتياز". من جانبه، اعتبر مستشار وزير الثقافة المغربي محمد بن لمو، أثناء حديثه ل"العربية.نت" أن: "الإعلام الجزائري عدائي دائما في تعامله مع المغرب ويتعامل بسوء نية وبالتالي طبيعي أن يفتعل هذا الاتهام". وأضاف بن لمو أن "انعقاد المهرجان هو مناسبة للتواصل والتلاقح بين مختلف الثقافات، سواء من داخل أو خارج المغرب، ومشاركة فنانين أجانب هو أمر عادي، مستدلا أنه في الأيام الثقافية الجزائرية شارك فيها فنانون مغاربة وحظوا بإقبال كبير من طرف الجمهور الجزائري، مشددا على أن استضافة مطربين جزائريين في مهرجانات المغرب هو فرصة لهم لعرض إبداعهم ولقائهم بالجمهور المغربي". وأكد محمد بن لمو أنه: "لو أعطيت الفرصة للشعب الجزائري لأعطى نفس رأي الفنان الشاب رضا، الذي أعلن جهارا ونهارا بمغربية الصحراء حاملا علم المغرب باعتبار الشعب الجزائري ليس لديه مشكل الصحراء الذي تفتعله الجزائر والبوليساريو"، على حد قوله. أما رئيس "جمعية وجدة آرشرق المغرب"، فريد شراق، فقال ل"العربية.نت" "إن دعوة فنانين جزائريين أمر طبيعي باعتبار أن فن الراي هو فن مغاربي تاريخي مأخوذ من شيوخ من تلمسان ووهرانووجدة وبركان"، وزاد فريد شراق: "أن اعتراف رضا طلياني بمغربية الصحراء هو إنصاف للشرعية، وأنه ليس وحده الذي له حس مغاربي، فكذلك الفنان الشاب خالد والشابة الزهوانية، لأن الفنان يهتف بقضايا الشعوب وقضية الشعب المغربي هي قضية الصحراء وهذا تواصل ورسالة لأن الفنان يعبر عن هموم الشعب ومواقفه". كما أثارت مشاركة فنان الراي الجزائري فضيل، المقيم في فرنسا، في مهرجان روافد أزون بمدينة العيون جدلاً في الأوساط المغربية، حيث فهم رفضه أثناء غنائه حمل العلم المغربي من أحد الحضور، بأنه تعبير عن موقف سياسي.(3) أما جريدة "الشروق" الجزائرية فقد نشرت قبل الحفل أن فضيل رفض الغناء في الأقاليم الصحراوية، في الجنوب المغربي، وربطت الأمر بالنزاع حول ملف الصحراء، لكن فضيل حاول نفى الخبر مؤكداً أن حضوره للعيون وارتداءه الزي التقليدي الصحراوي المسمى ب"الدراعية"، يعد رداً صريحاً على ذلك. ومن خلال هذا الجدل، يلاحظ كيف وظف المجال الغنائي لتكريس مواقف أحد الطرفين، وعكس حدة التوتر السياسي بين أكبر دولتين في المنطقة العربية لأكثر من خمسة عقود. فالنظام المغربي حاول من خلال استضافة العديد من المطربين الجزائريين محاولة تطبيع علاقاته مع الجانب الجزائري، واستقطابهم في مهرجانات تشرف عليها السلطات الرسمية في البلاد، كمهرجان "موازين" الذي ينظم سنويا بالعاصمة. فقد دعا المطرب الجزائري إيدير إلى إعادة فتح الحدود، بمناسبة مهرجان "موازين" والمباراة التي خاضها فريقا كرة القدم للبلدين في 4 يونيو2011 في مدينة مراكش المغربية. وقال إيدير، في تصريح ل"mbc.net" "ليس هناك من ظرف أو مناسبة مواتية كهذه من أجل الدعوة لإعادة فتح الحدود بين بلدين شقيقين". وأضاف المطرب القبائلي المعروف برائعة "أفافا ينوفا" أو "يا أبي إينوفا"،" "سأغني للحب وإعادة فتح الحدود في حفلتي في المهرجان، وأتمنى أن يستجيب القادة لهذا الدعوة". من جهتها، قالت المطربة الجزائرية سعاد ماسي إن "الحديث الذي يجري في الجزائر هذه الأيام عن فتح وشيك للحدود مع المغرب، على أن يكون ذلك في الثاني من يونيو/ حزيران المقبل، يجب أن ندعمه فنيا حتى يتجسّد". وتابعت المطربة الجزائرية المقيمة في فرنسا "الكل يعلم بأن الشباب الجزائري يتطلع لزيارة المغرب برا من أجل مناصرة فريقه الوطني لكرة القدم، ونحن الفنانون أيضا نطمح أن تعود العلاقات إلى سباق عهدها، ونجسد حلم المغرب العربي الموحد". أما المطرب والموسيقار صافي بوتلة، فيرى بأن "موازين هذا العام، يأتي في ظرف استثنائي، بالنظر إلى أن المغرب استُهدفت من طرف الجماعات الإرهابية في مراكش، وبرمجة مقابلة كرة القدم في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا، في نفس المدينة الشهر القادم، ومشاركة مطربين جزائريين في مهرجان موازين الدولي، وبالتالي فكل المعطيات تتجه إلى ضرورة الضغط لإعادة فتح الحدود البرية بين الجزائر والمغرب للمّ الشمل". بدوره أبدى المطرب الجزائري المغربي في الوقت نفسه، سامي راي، تأييده للفكرة، مؤكدا بأنه سيغني للسلام والأخوة بين المغرب والجزائر، ليدفع بالسياسيين إلى أخذ القرار نهاية الشهر الجاري. وقال: "أريد أن تزور عائلتي الجزائر أو المغرب من دون أي حواجز، فنحن شعب واحد مهما حدث". كما يتم عادة توظيف شهرة بعض المغنيين الجزائريين المقيمين بالمهجر، سواء في المنطقة العربية أو المغاربية وحتى الأوروبية، لتصريف بعض مواقف النظام المغربي من خلال دعوتهم لإحياء بعض المهرجانات الغنائية، سواء من خلال نقل صورهم وهم ملتفون بالعلم المغربي، أو من خلال توشيحهم بأوسمة ملكية، أو من خلال التصريحات التي يدلون بها حول ضرورة إنهاء سبل الخلاف بين الجزائر والمغرب وفتح الحدود بين البلدين. وبهذا الصدد كتب أحد المتتبعين بشأن مشاركة الشاب خالد ووردة الجزائرية في أحد دورات مهرجان موازين ما يلي: "فبعد النجاح الساحق الذي حققه حفلا الشاب خالد والفنانة وردة بالرباط في إطار مهرجان موازين..إيقاعات العالم الدولي، يبدو أن استمرار التوتر السياسي بين المغرب والجزائر لم ينل من العلاقات الفنية والثقافية بين البلدين. وحطم الشاب خالد الرقم القياسي لعدد الجماهير التي تابعت حفلات المهرجان، بما يفوق 60 ألف شخص، بحسب المنظمين، فيما غالبت الفنانة وردة دموعها أمام تجاوب منقطع النظير لحشود توافدت من مختلف المدن المغربية لتستعيد ذكرى الطرب العربي الأصيل". وعلى عادته في لقاءاته العديدة بالجمهور المغربي، التحف الشاب خالد علم المملكة على منصة في الهواء الطلق، وتوقف الفنان المعروف بصداقته للعاهل المغربي بين أغنية وأخرى ليحكي طرائف للجمهور الذي ردد معه أغاني "عايشة" و"دي دي" و"وهران". من جهة أخرى، شكل توشيح الفنانة وردة بوسام ملكي من درجة قائد ومنحها مفاتيح الرباط، لحظة قوية وصفتها صحيفة مغربية بأنها "تطبيع فني من جانب واحد" مع الجارة الجزائر. الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على مشاركة الشاب مامي إلى جانب المطربة المغربية سميرة سعيد في الدورة الخامسة لمهرجان فن الراي في 21 يوليوز 2011 بوجدة، حيث أكدت النجمة المغربية سميرة سعيد، في تصريح لجريدة "المصري اليوم" بأنها سعيدة للغاية بعد نجاح حفلها الغنائي الذي أقامته بالمشاركة مع الشاب مامي، حيث حضر الأمسية أكثر من 200 ألف متفرج. وقالت سميرة إن جزء من سعادتها هو غناؤها مع "مامي" من جديد، بعد تجاوزه ﻷزمته وخروجه من السجن، ومحاولة كلاهما تخفيف حدة التوتر بين شعبي المغرب والجزائر، بعد رفع علمي الدولتين على خشبة المسرح. وكتبت الجريدة نفسها أن سميرة صرحت: "أن الفن رسالة قبل كل شيء، وهو ما دفعها لمحاولة معالجة هذا الاحتقان عن طريق الغناء، وهو ما تحقق بالفعل ووصل الى ذروته حينما غنت مع مامي أغنيتهما الشهيرة يوم ورا يوم في ختام الحفل". من خلال هذا، يبدو أن المجال الغنائي قد شكل، منذ أكثر من خمسة عقود، فضاء عكس تطورات التوتر السياسي القائم بين البلدين، مع ما صاحب ذلك من ردود فعل إعلامية وسياسية ودبلوماسية. كما شكل هذا المجال الفني آلية من آليات النظام المغربي لتصريف مواقفه السياسية اتجاه الجزائر(4)، من خلال استقطاب العديد من المطربين الجزائريين أو المغاربة (5) للمشاركة في مهرجانات غنائية (6)، أو توشيح بعضهم بأوسمة ملكية أو منح البعض الآخر الجنسية المغربية (7). وكل هذا يدخل ضمن إستراتيجية النظام في الحكم سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. 1- نظرا لما تميزت به هذه الأغنية من شهرة، فقد أطلق عنوانها على اسم برنامج يقدم مساء كل جمعة بقناة ميدي 1 تيفي من تنشيط الممثلة المعروفة منى فتو، إلى جانب منشطين قادمين من بلدان المغرب العربي من ليبيا وتونس وموريتانيا والجزائر والمغرب. وفي إحدى حلقات هذا البرنامج أقدمت سليمة عبادة، المنشطة الجزائرية ضمن منشطي برنامج "جاري يا جاري"، على الانسحاب من بلاطو هذا البرنامج بعد أن اشترطت سحب كلمة "الصحراء مغربية" من الأغنية التي رددتها المطربة المغربية سعيدة شرف، ولما قوبل طلب هذه الأخيرة من طرف المشرفين على البرنامج بالرفض قامت بالانسحاب. 2- في اتصال هاتفي أجرته "العربية.نت" مع الفنانة فلة قالت إن عدم حضورها لمهرجان "روافد" بالمغرب يرجع لتنظيمه بمدينة العيون كونها منطقة نزاع بين السلطات المغربية والجزائرية، مؤكدة عن عدم بوح منظمي المهرجان بمكان انعقاده. وشددت فلة على أنها مستعدة للحضور والمشاركة في المهرجانات المنعقدة بمدن المغرب، باستثناء مدينة العيون، معتبرة أن الفن وجد من أجل السلم والسلام. وعن اعتراف الشاب رضا طلياني بمغربية الصحراء الغربية أثناء حفل فني أقيم مؤخرا بمدينة الدار البيضاء، أوضحت الفنانة فلة أن لكل واحد رأيه وأنها بعد الله تعترف فقط بعلم الجزائر، متمنية أن يعم السلم والسلام بالمنطقة. 3- قام أحد الشبان أثناء غناء فضيل برفع طفلة تحمل العلم المغربي وتقدم نحوه، إلا أن مدير أعماله بادر باحتضان الطفلة وأخذ العلم منها، فيما تركها تتقدم بدونه وذلك أمام أنظار مسؤولي مدينة العيون من المدنيين والأمنيين والعسكريين وعلى رأسهم خليل الدخيل، الذي عينه العاهل المغربي محمد السادس لتسيير شؤون المدينة. 4- "فخري" هو ليس عنوان ألبوم جديد لمطرب الراي الجزائري الشاب محمد لمين فحسب، ولكنه يحمل رسالة كبيرة لحكومة بلده بضرورة فتح الحدود مع المغرب. الألبوم الجديد يؤدي فيه الشاب لمين أغاني مع مطربين تونسيين ومغاربة لتفعيل عودة العلاقات وتفادي الخلافات السياسية. يتم توزيع الألبوم الغنائي الجديد للمطرب الجزائري الذي انتظر أكثر من ثلاث سنوات لطرحه في السوق؛ حيث يشترك في هذا العمل مع المطرب المغربي صامد غيلام، مغني فرقة "آش كاين" المغربية، بأغنية "فخري" وهي التي تحمل عنوان الألبوم الغنائي الجديد. الشاب محمد لمين يقول في تصريح لإذاعة "بار أم أم" الفرنسية: "إن الأغنية الجديدة تعتمد على الرايات والأعلام، أي إنها أغنية من أجل الجزائر والمغرب، واعتبرها صيحة من أجل فتح الحدود بين البلدين". ويضيف الشاب لمين "أنها تتغنى بافتخارنا نحن وتسعى للتعجيل بفتح الحدود بين المغرب والجزائر المغلقة منذ 1994". 5- أشارت جريدة "النهار الجديد الجزائرية" إلى عزم كل من الفنانة الجزائرية فلة والمطرب المغربي محمد الإدريسي بتسجيل أغنية تدعو إلى فتح الحدود بين البلدين. وأضافت الجريدة أن الأغنية التي "ستجمع بين فلة والإدريسي، لن تصب في خانة الأغاني العاطفية، بل في خانة الأغاني السياسية التي تطالب بفتح الحدود الجزائرية المغربية المغلقة منذ العام 1994". 6- إذ لا يكاد يخلو مهرجان مغربي من نجوم الأغنية الجزائرية، بل إن بعض الفنانين الجزائريين فضلوا الإقامة في المغرب بفضل الاستقرار الذي ينعم به، وكرم أهله، كما أن أغلب المغاربة يعشقون الأغاني الجزائرية. 7- تسبب حصول الشاب خالد على الجنسية المغربية في ردود فعل واسعة داخل الجزائر، حيث انتقد العديد من الجزائريين حصول هذا المغني على الجنسية المغربية.