يحكى، والله أعلم، أنه في قديم الزمان ظهرت بالمغرب حرفة صناعة الكير أو كيران، كما معروف في بعض مناطق الشمال، أو الرابوز كما يعرفه أغلب المغاربة. قلنا أن صناعة الكير ظهرت بالمغرب منذ ما يزيد عن قرنين على يد اليهود المغاربة الذين كان جزء عظيم منهم يعيش بمدينة فاس. واعتبارا للتعايش والتسامح الذي كان يعيشه المغاربة، قبل دخول فكر بني وهاب للمغرب، فقد تعايشت الأسر المغربية بمختلف دياناتها، وتعاونوا وتعلموا من بعضهم البعض في زمن قل فيه القليل. واعتبارا للرواج الذي لاقته صناعة الكير في المغرب، خصوصا بمنطقة ميدلت وخنيفرة…المناطق الباردة من المغرب العميق، فقد دخلت مجموعة من العائلات المغربية المسلمة في دورة إنتاج هذا الرابوز، ولعل من بين العائلات المعروفة التي ورثت حرفة صناعة الكير نجد عائلة بنكيران، وللتذكير فاسم بنكيران مشتق من احترافها صناعة الكير، وليس كما يروج له أن الاسم مشتق من نشاط النقل بالحافلات أو كما يعرف عند المغاربة بالكار مجموعه كيران. تعايشت عائلة بنكيران مع صناعتها ونشرت زريعتها في مختلف مناطق المغرب، واستمرت في صناعة الكير إلى أن سقط سهوا في حقل السياسة المغربي كبير قومه وعنترة زمانه النافخ الأكبر عبد الاله بنكيران، نعم يا سادتي وسيداتي، السيد بنكيران الجبار كسر القاعدة فلم يصبح ولد الفار حفار، بل أصبح ولد النافخ رئيس الحكومة لما بعد أحداث 2011 المشؤومة. اشتعل المغرب مع انطلاق الحراك العربي المشؤوم، وخرج آلاف المغاربة هاتفين "يسقط الفساد"، تحركت الأمواج البشرية في مختلف شوارع المغرب تصرخ وتتوعد الفساد، وتحركت بالمقابل قنوات النظام تبحث عن الحل الذي يخمد نيران الشارع. أقنعونا وأوهمونا أن بنكيران وأتباعه هم الحل، سوبر-رابوز هو رجل المرحلة الأهل والمقتدر، رجل الدين، والسياسي البارع الذي سيحل كل مشاكل المغاربة، فانطلق رئيس الحكومة في الاصلاح وانطلقت معه مخيلة المغاربة في بناء صورة مخملية على مستقبلنا. رفع "بن النافخ" شعار محاربة الفساد، وصدقناه، وهتفنا يسقط الفساد، إلى أن اكتشفنا أن الفساد المغربي عفاريت وتماسيح لا تفك طلاسمه غير مخيلة بنرابوز، فقلنا ممكن أن يعلم ما لا نعلم، وانتظرنا إلى أن اكتشفنا أننا، وليس غيرنا، الفساد بعينه. اكتشفنا أن جيوبنا وقوت يومنا هو الفساد الذي يحاربه بنكيران، انطلق يشردم يمينا وشمالا في قدرتنا المعيشية ونفخ فيها فدمرها وأشعل رمادها كما ينفخ الرابوز في جمرات نهاية الشواء، فلم يصلنا من سياسته إلا حكمة في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ننتبه إليها، إذ قال (ص): " إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ. فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة "(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري) فبنزيدان حرق معاشنا وقوت يومنا، ولم يصلنا منه غير رائحة الخبث من فضائح وزرائه، تزكم أنوفنا وتلوث ما تبقى فينا من مكارم الأخلاق. انطلق ينفخ في الكير وسط حقل من الرماد الذي لم ينطفئ بعد، نفخ في الاقتصاد كما في السياسية، نفخ وزلزل الوضع وكأنه يؤكد حكمة علم النفس:"الطبع يغلب التطبع" لم يجد بنرابوز من بد إلا النفخ، فارتاح في النفخ، ووجد ما يتقن فعله حتى اقتربنا من نقطة الصفر، وكأنه يريد أن يؤكد النكتة المغربية التي تقول أن رجل ورث ثروة معتبرة، فكان أول ما فكر فيه للاحتفال بالثروة أن يشتري الرابوز لأنه ضروري للولائم، فبدأت الحفلات والشواء يعد بوجود كير عظيم في النفخ، واستمرت النفخ في الجمر حتى فقد السيد كل ثروته، فكان أول ما فكر فيه بعد الازمة هو بيع الكير. ذهب إلى السوق فجاءت سيدة تسأله شراء الكير، فقالت هل ينفخ هذا الكير جيدا؟ فكان جواب نافخ الكير أنه نفخ في ثروة فما بالك بالمجمر. لقد تحركت غريزة الجينات لتتغلب على مصلحة الوطن عند نافخ الكير، هذا الوطن المسكين الذي يستحق أحسن بكثير من نافخ للكير جعل المغرب يتراجع، حتى عما اعتبرناه حقا مكتسبا قبل سنوات قليلة مضت. احتقرناك يا وطني بعد أن شاركنا جميعا في جريمة بل في مذبحة الانتخابات، خناك يا وطني عندما نصبنا ذئابا ملتحية لتقرر مصيرك. نحن آسفون يا وطن، ولكن الفتنة نائمة ولعن الله من أيقظها.