في الصورة وزير الداخلية الطيب الشرقاوي هذا السؤال يطرحه كل مغربي اليوم مع نفسه وعلى الآخرين من حوله. ومشروعية هذا السؤال تكمن في ثلاث مؤشرات قوية على المستوى الوطني، فضلا عن السياق الإقليمي. المؤشر الأول: تورط عناصرها في أحداث مخيم اكديم إزيك ومدينة العيون. لقد تابع الرأي العام الوطني كيف أن تلك الأحداث جاءت نتيجة صراع حزبي، بين حزب الاستقلال الذي يحظى بنفوذ واسع في منطقة الصحراء، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي كان يبحث عن موقع قدم له بالمنطقة نفسها. وهو الصراع الذي جرى ميدانيا بين رئيس المجلس البلدي حمدي ولد الرشيد القيادي في حزب الاستقلال والوالي محمد جلموس، المعروف بقربه من مؤسس حزب "البام" فؤاد علي الهمة. وفداحة تلك الأحداث التي راح ضحيتها 12 عنصرا من رجال الأمن، هي التي دفعت مثلا حزب العدالة والتنمية إلى أن يوجه الاتهام لحزب "البام" مباشرة، ويحمله مسؤولية تلك الأحداث. وليس "البام" في النهاية سوى تعبير عن سياسة تسلطية قررت الدولة نهجها منذ 2003، إحدى أدواتها التنفيذية حزب "البام". المؤشر الثاني: تحميل المنتخبين في جهة الداخلة لكويرة مسؤولية الانفلات الأمني في الليلة الأولى لمهرجان "الصحراء والبحر" للسلطات المحلية، وعلى رأسها الوالي عامل إقليمالداخلة حميد شبار، ووالي الأمن، ومسؤول القوات المساعدة بالإقليم. وبناء على ذلك، قرروا تقديم استقالتهم الجماعية من المجالس البلدية والغرف المهنية. وإذا كانت مسؤولية السلطات المحلية ثابتة كما يدعي المنتخبون، وهي ثابتة ما دامت السلطة ترفض التحقيق فيها، فإن السؤال الأهم يُطرح حول أبعادها السياسية. وأعتقد أن تلك الأبعاد مرتبطة بالسياق الذي تمر به البلاد منذ مسيرات 20 فبراير، فأحداث الداخلة، وأضيف إليها أحداث الشغب التي عرفتها عدة مدن وذهب ضحيتها 6 قتلى، كانت مجرد مقدمات لقرار معد سلفا من وزارة الداخلية يقضي بعدم السماح بمسيرات أخرى بعد ذلك التاريخ. المؤشر الثالث: يرتبط بالصورة السلبية لوزارة الداخلية، فهي منذ مجيء "البام" أضحت طرفا في الصراع الحزبي. وبياناتها مشهورة ضد حزب العدالة والتنمية المعارض بسبب وبغيره. واستخدام وسائلها في صناعة المجالس البلدية مشهورة كذلك. كما أن تجربتها في الإشراف على الانتخابات لم تكن يوما نزيهة على الإطلاق، وهذا بسبب عدم حيادها. كما أن تنفيذها للسياسة الأمنية للدولة فيه الكثير من التجاوزات، إذ بمبرر محاربة الإرهاب، ترتكب هذه الوزارة تجاوزات حقوقية لم يخلُ منها تقرير حقوقي. وفي الوقت الذي ظن المغاربة أن المعتقلات السرية انتهت، لا زالت وزارة الداخلية تفاجئ العالم بمعتقل "تمارة" السري. وإذا كانت صورة المغرب قد تراجعت على المستوى الحقوقي والديمقراطي، فإن وزارة الداخلية هي المسؤولة عن ذلك، لأنها الجهاز المشرف على الانتخابات وعلى أمن البلد. إن وزارة الداخلية في المغرب تكاد تكون حكومة لوحدها، بل ظلت أقوى من أي حكومة مغربية إلى اليوم. ونفوذها المادي والرمزي نتيجة تراكم تاريخي. وتاريخ هذه الوزارة يبدأ مع عهد الحماية، وبتعبير دقيق، فهي موروث عن الاستعمار الفرنسي. وليست هذه الحالة خاصة بالمغرب، بل تكاد تنطبق على أي دولة تعرضت للاستعمار، ومنها الدول العربية. ويكفي للدلالة على ذلك، أن الثورات العربية التي خرجت من أجل إسقاط أنظمتها الفاسدة، كان على رأس مطالبها حلّ الحزب الحاكم، وحل جهاز أمن الدولة. وهذا الأخير يعادل عندنا جهاز "الشؤون العامة". إن الاستعمار، الفرنسي خاصة، لم يترك للشعوب مؤسسات وسيطة، بل خلّف وراءه ثلاث مؤسسات قوية فقط: المخابرات، والجيش، والبيروقراطية. وهي مؤسسات لم توجد من أجل خدمة الشعب ومصالحه في العمق، وإنما من أجل خدمة وحماية مصالح فرنسا. كما أنها تعتبر أن الشعوب قاصرة لا تستحق الديمقراطية مثلا، لذلك فهي تزور الانتخابات، كما تفعل "الشؤون العامة" في المغرب منذ الاستقلال. أو تنقلب على نتائجها كما فعل الجيش في الجزائر سنة 1991. أو تعرقل مشاريع الإصلاح وتفرغها من مضمونها، كما تفعل البيروقراطية في المغرب. وعليه، إني أزعم أن لا ديمقراطية يمكن تحقيقها في المغرب بدون تفكيك وزارة الداخلية، والمقصود أن يُنتزع منها الإشراف على الانتخابات. ويُمنح للقضاء. وبدون أن يُمنح البرلمان صلاحيات مراقبة المخابرات وكافة الأجهزة الأمنية ومساءلتها. وبدون أن يُمنح الوزير الأول صلاحيات حقيقية في تعيين العمال والولاة وإقالتهم. وبدون منح الحكومة كذلك صلاحيات تعيين وإقالة الكتاب العامين للوزارات، ومديري المؤسسات العمومية. وهو ما يتطلب إصلاحا دستوريا عميقا يعيد النظر في علاقة السلطات ببعضها، ويؤسس لدولة المؤسسات بدل الأشخاص. * باحث في العلوم السياسية