ما تزال تداعيات أحداث العنف التي شهدتها مدينة العيون في الصحراء الغربية، تلقي بظلالها على الساحة السياسية والإعلامية في المغرب. صراع حزبي حاد ودعوات غير مسبوقة لإفساح المجال لدعاة استقلال الصحراء للتعبير عن رأيهم. تحليل اخباري رقصت حشود من الشباب المحلي في مدينة العيون عاصمة إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو، نهاية السنة المنصرمة على إيقاعات فنانين مغاربة وأجانب بمناسبة احتضانها لمهرجان روافد أزوان الدولي في دورته الثالثة. أغلب الصحف المغربية التي قامت بتغطية فعاليات هذا المهرجان الفني رأت فيه مناسبة "لتضميد جراح المدينة"بعدما عاشته من أحداث عنف خلفت مقتل 11رجل أمن ومدنيين اثنين، في اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن عندما أقدمت هذه الأخيرة يوم 8نوفمبر 2010على تفكيك مخيم "اكديم إيزيك"الذي ضم آلاف المحتجين الذين كانوا يطالبون بالسكن والعمل. لكن الغيوم التي خلفتها أحداث العيون لم تنجل بعد، إذ تقول منظمات حقوقية، إن عشرات الصحراويين ما يزالون رهن الاعتقال، حيث أفادت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بيان لها صدر قبل أسبوعين أن "نحو 156شخصا بينهم أربع نساء معتقلون حاليا:147في العيون و19في مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط في انتظار مثولهم أمام محكمة عسكرية".ومن جهتها تتحدث جبهة البوليساريو عن "ملاحقات ومضايقات مستمرة"ضد نشطاء صحراويين يتبنون خيار استقلال الصحراء الغربية. وبعيدا عن العيون تعيش الطبقة السياسية المغربية في العاصمة الرباط على إيقاعات أقل مرحا بكثير بسبب تداعيات هذه الأحداث على المستويين السياسي والحقوقي والإعلامي، فبينما تستعد لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في الأحداث التي شهدتها مدينة العيون، لتقديم تقريرها عن الأحداث، ترتفع حدة الجدل السياسي في البلد حول المسؤولية عن تلك الأحداث والنتائج التي يتعين أن تترتب عنها. صراع حزبي لم تكد تمر أيام على تشكيل البرلمان المغربي للجنة تقصي الحقائق حول ما حدث في مخيم اكديم إيزيك ومدينة العيون يوم "الاثنين الأسود"كما يطلق عليه في الصحافة المغربية، حتى طفا على السطح صراع حاد بين حزبي الاستقلال (متزعم الائتلاف الحكومي)و"الأصالة والمعاصرة"(معارضة برلمانية).حمدي ولد الرشيد، رئيس المجلس البلدي لمدينة العيون والقيادي في حزب الاستقلال، قال إن والي "جهة"(إقليم)العيون المعفى من منصبه، محمد جلموس"من المفروض أن يقدم أمام القضاء ليقول كلمته فيه بخصوص العمل الإجرامي الذي تعرضت له مدينة العيون"، متهما إياه بخدمة أجندة "الأصالة والمعاصرة" في الصحراء. خصم آخر لحزب الأصالة والمعاصرة هو عبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، حمله هو الآخر مسؤولية ما وقع قائلا "إن المسؤول في تقديرنا عن أحداث العيون هو الحزب السلطوي الجديد".أما رفاق محمد الشيخ بيد الله أمين عام الأصالة والمعاصرة، فقد فضلوا عدم الخوض في هذه الحرب الكلامية وانتظار ما ستسفر عنه نتائج لجنة التقصي البرلمانية.غير أن الملك محمد السادس لم يمهل الوالي جلموس إلى أن تظهر هذه النتائج فسارع إلى إعفاءه من منصبه واليا على العيون ثم إعفاءه مجددا من منصبه الجديد كوال لجهة عبدة دكالة (وسط غرب البلاد) في حادث فريد من نوعه في المغرب. مصطفى ناعمي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية والباحث المتخصص في ملف الصحراء الغربية، قال في حوار مع دويتشه فيله:"هذا النقاش مهم جدا، إنه مؤشر على انطلاق مرحلة جديدة تبرز فيها التناقضات الحزبية على المستويات الجهوية والمحلية بعدما كانت تناقضات مركزية موروثة عن قيم الدولة المركزية"، وأضاف بأن"هذا النوع من التناقضات الحزبية يمكن أن يساهم في بناء ثقافة الجهوية في المغرب". أما محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الدارالبيضاء، فقد أعرب في حوار ل"دويتشه فيليه"عن مخاوفه من أن يوظف من وصفهم ب"خصوم المغرب"هذه التناقضات الحزبية الداخلية من أجل "توتير الأوضاع وإشعال الفتنة بين المكونات القبلية كما حدث بالفعل في العيون". انتهاكات حقوق الإنسان في أحداث العيون محمد الساسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط يرى أن هنالك "ارتباكا مغربيا"في التعامل مع تداعيات أحداث العيون في تقريرها حول أحداث العيون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حملت المسؤولية الكاملة للسلطات المغربية وأوردت في تقرير أعده فريق تقصٍ خاص حول الموضوع شهادات لمواطنين أكدوا تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء وبعد اعتقالهم. ولوحظ أن تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كان مختلفا في بعض النقاط مع ما ورد في تقرير آخر صدر عن ثلاث جمعيات حقوقية مغربية مستقلة (الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، منتدى بدائل المغرب، المرصد المغربي للحريات العامة)، من قيام "مسؤول أمن المخيم، المنتمي لجبهة البوليساريو"، بمنع السلطات المغربية من دخول المخيم لتنفيذ الاتفاق المبرم بين الدولة ولجنة الحوار الممثلة لسكان المخيم يومين فقط قبل اتخاذ قرار فك الاعتصام. ولم يرد في تقارير منظمات حقوق الإنسان المغربية، ما يخالف الرواية الرسمية التي قدمتها الحكومة المغربية بصدد عدد قتلى أحداث العيون، حيث أكدت الرباط "سقوط 13قتيلا بينهم 11رجل أمن لم يكن مسلحا أثناء الأحداث"، بينما تحدثت جبهة البوليساريو عن سقوط"عشرات القتلى" دون تحديد هوياتهم. محمد الصبار، الناشط الحقوقي، قال ل"دويتشه فيله"في هذا الصدد "حينما نطلع على التقارير السنوية لمختلف المنظمات الحقوقية في المغرب نسجل أن ما يقع من انتهاكات في شمال البلاد أكبر بكثير مما يقع في الصحراء".وأوضح الصبار أنه بالرغم من أن"التراجعات هي عنوان المرحلة في المغرب، إلا أنني أعتقد أن الدولة لا يمكنها أن تعود إلى ممارسات الماضي ببشاعتها، فالمغرب حظي بوضع متقدم لدى الاتحاد الأوربي وهذا الوضع تترتب عنه التزامات في مجال حقوق الإنسان". وكانت أحداث العيون قد أثارت قلق عدد من المؤسسات الأوروبية والدولية حول أوضاع حقوق الإنسان، ودعا البرلمان الأوروبي إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في الأحداث، ومن جهتها طالبت جبهة البوليساريو مدعومة من قبل الجزائر بتوسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء لتشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان لكن مجلس الأمن الدولي رفض هذا الطلب. أصوات "غير مألوفة" داخل المغرب الصور البشعة التي بثتها وسائل الإعلام المغربية لعناصر يتهمهم المغرب بأنهم أعضاء في جبهة البوليساريو وهم يذبحون رجل أمن مغربي ويتبولون على جثته خلفت موجة عارمة من الغضب وصلت في بعض الأحيان إلى "التعصب"، ترجمتها بعض الدعوات الإقصائية على الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك لطرد دعاة استقلال الصحراء الغربية من المغرب، فضلا عن جدل على أعمدة الصحف بين خالد الناصري، الناطق الرسمي باسم الحكومة، وأحمد رضى بنشمسي، الناشر السابق لمجلة "تيل كيل"الذي انتقد ما وصفه ب"فشل"الأداء الإعلامي الرسمي المغربي في التعامل مع أحداث العيون، ووصلت حدة رد فعل الوزير عليه بأن اتهمه بالوقوف في صف" خصوم المغرب". لكن يبدو أن أحداث العيون قد حركت السواكن وسلطت الأضواء على بعض القضايا بشكل غير مسبوق، وفي مقدمتها فسح المجال لدعاة استقلال الصحراء الغربية بالتعبير عن رأيهم داخل المغرب، بينما كانت المسألة في عداد المحظورات في الخطاب الإعلامي المغربي. فقد فتح موقع"لكم"الإلكتروني المغربي(مستقل) ولأول مرة المجال لنشر مقال لمسؤول إعلامي في جبهة البوليساريو، وتضمن انتقادات لطريقة تناول الصحافة المغربية لملف الصحراء الغربية وأحداث العيون بشكل خاص، وأعقب نشر المقال نقاش واسع في منتدى التعليقات بالموقع. وقد كانت ردود الفعل في أوساط الطبقة السياسية المغربية متفاوتة ويعتقد مراقبون بأن تفاوت ردود الفعل هذا غير مسبوق وهو يعكس حالة حيرة إزاء كيفية التعامل في المرحلة المقبلة مع هذا الملف. محمد الساسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الرباط، والناشط اليساري المعروف في المغرب، كتب معلقا "رغم كل الاعتبارات الداعمة لخيار الحل الوطني لقضية الصحراء المغربية، نلاحظ أن البيت الداخلي تخترقه تيارات انفصالية، وتتحرك فيه بالقدر الذي تخلق به مشاكل حقيقية وتربك عمل المؤسسات والمشاريع الرسمية.هناك إذن مشكل، ليس هو المشكل الوحيد الجدي في هذه القضية، ولكنه يحتاج إلى حل". وبرأي محمد الصبار فإن حل هذه الإشكالية ينطلق من "فسح المجال لجميع التعبيرات السياسية بما فيها الانفصالية للتعبيرعن نفسها بكل حرية، وفتح الإعلام العمومي في وجهها، ومناقشتها بهدوء وحكمة"،واعتبر الصبار أن هذا الأمر"لا بد أن يكون له أثر صادم في البداية لكن النقاش الديمقراطي سيجعلنا نقترب أكثر من الوصفات المطلوبة لحل النزاع" الذي عمر لأكثر من ثلاثة عقود. إسماعيل بلا وعلي – الرباط مراجعة: منصف السليمي عن "دويتشه فيليه" http://www.dw-world.de/dw/article/9799/0,,14751066,00.html