بادئ ذي بدء، أشير إلى أن مقالي هذا بعيد عن الأكاديمية والموضوعية والعلمية، هذا المقال ذاتي حتى النخاع أكتبه بدافع إنساني استنكاري، بنبرة ذاتية عمادها الإنسانية والرحمة، فحقيقة لم أستطع مقاومة شعور الدهشة الممزوجة بشيء من الحزن والاستفزاز والتذمر وأنا أشاهد فيديو لجنود مصريين يقنصون شابا دخل الحدود المصرية أعزلا مجردا حتى من ملابسه -حدّ العراء التام- اتضح فيما بعد أنه يعاني اضطرابات نفسية. في المقطع يبدو الشاب كتلك الحمامة أو البطة التي يتسابق الصيادون على من يزهق روحها أولا، وفعلا أزهق عسكر الحدود روح الشاب وكأنهم قاموا بعمل بطولي سيكتب في تاريخ الأعمال الإنسانية الخالدة. إن مُشاهدةَ مقطع فيديو قصير لشابّ فلسطيني يُقتل بدم بارد على الحدود الفلسطينية المصرية، كان كفيلا بدفعي لكتابة هذه الأسطر وطرح بعض التساؤلات المحرقة، وكُلّي أسفٌ لِما آلت إليهِ الإنسانيةُ وقيمةُ الروح البشرية عند بعض المُغيّبة عُقولهم وقلوبهم، ولعل أول سؤال هو: ما معنى أن يُقتل فلسطيني مَدنيّ أعزل برصاص عسكر الحدود المصري حتى وإن كان بكامل قواه العقلية؟ هل هذا الأمر طبيعي؟ أليس هناك خلل ما في شيء ما؟ هل هناك ذريعة أو حجة يستطيع القاتل التذرع بها؟ هل يستطيع إقناعنا بأن فعله عادي ليس إجرامي؟ هل تستطيع دولة أوربية "كافرة" قتل شاب أعزل تجاوز الحدود بأمتار ودون سابق إنذار كما فعلت دولة "خير أجناد الأرض"؟ أليست هناك وسيلة أو عقوبة غير القتل؟ ألم تكن هناك إمكانية باعتقاله والتحقيق معه قصد حفظ روحه؟ أليس قتل النفس هو آخر شيء يمكن اللجوء إليه في هذه الحالة؟ هل يمكن اعتبار قانون عدم محاسبة ومتابعة العسكر في مصر من أسباب تفشي الظلم وتكريس دولة الطغيان والاستبداد؟ يبدوا أننا شارفنا على وصول نهاية سنة 2015 ومعها نهاية آخر أمل في انقشاع الظلم عن "أم الدنيا" في ظل الفاشية العسكرية الغاشمة حاليا، لن نغوص كثيرا في التحليل والتحقيق، ولن نبحث عن أجوبة للأسئلة المطروحة، لأنها أسئلة تخاطب القلب قبل العقل، ومن يضمن أن لذاك القاتل أصلا قلب أو عقل، لذا لربما سيكون من الأنسب أن نكتفي بهذا الحوار المُتخيّل بين الجندي (القاتل) وأمه عندما سيقفل عائدا إلى البيت في أول عطلة: - الأم: الحمد لله على سلامتك يا بني (...) كيف مرت فترة خدمتك الوطنية الشريفة؟ هل حرست الحدود كما كما فعل أبوك أيام الاحتلال الإسرائيلي لسيناء يا بني ؟ هل حميت الشعب المصري وحدود البلد؟ - عسكري الحدود: نعم يا أمي لقد وقفنا لهم بالمرصاد، وأصبحوا يرتعبوا من مجرد النظر إلى وجوهنا. - الأم: منهم ؟ الإسرائيليين يا بني ؟ - عسكري الحدود: إسرائيل إيه يا مّا.. لا، العدو الفلسطيني الغاشم الإرهابي العميل (...) - الأم (مقاطعةً): ما هذا الذي تقول يا ولد هل أنت سكران؟ هل عملوا لدماغك شيء؟ - عسكري الحدود: لا يا أمي، أنت لا تعرفين شيئا عن أسرار المهنة والاستخبارات والسياسة والحروب و(...) - الأم(مقاطعةً): أراك تخرف، أَأنت أحسن من أبيك الذي شارك في حرب 63 وحرب أكتوبر؟ -عسكري الحدود: يا أمي ذاك زمان وهذا زمان .. والعدو الحقيقي في هذا العصر هو الفلسطينيين الإرهابيين وعلى الخصوص الغزاويين، ولو كنت معنا في دروس الكلية الحربية لعلمت أن العدو الحقيقي هو الإرهاب، داخليا إرهاب الإخوان الخرفان العملاء وخارجيا إرهاب الفلسطينيين الذئاب خصوصا حماس الإرهابية(...) وافرحي يا أمي فقد قتلت الأسبوع الفائت واحد منهم والحمد لله.. - الأم (مصدومة): من قتلت ياولد ؟ - عسكري الحدود: قتلت شابا فلسطينيا إرهابيا حاول دخول بلدنا (الإلدورادو) فقنصته وقنصته إلى أن زهقت روحه، أصلا هذه أوامر عليا.. -الأم: والفلسطيني بأي ذنب قُتل ؟ أقتلت نفسا بغير حق وتريدني أن أفرح يا ظالم؟ ماذا ستقول للذي أعطاه الروح؟ ستقول له دافعت عن الحدود من وحش أو ستقول ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل؟ القاتل الذي يقتل أبرياء ليس ابني، القاتل الذي يقتل الأبرياء هو الإرهابي، ابني الذي ربيته مات عندما مات ذاك الفلسطيني البرئ.