في خضمّ النقاش الدائر حوْل تعريب التعليم في المغرب، خاصّة بعْد الانتقادات اللاذعة التي وجهها رئيس الحكومة إلى وزير التربية الوطنية في البرلمان، مطالبا إياه بالتراجع عن المذكرة التي وجهها إلى مدراء الأكاديميات، والمتعلقة بتدريس الموادّ العلمية باللغة الفرنسية، قالت الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية إنَّ تعريب المنظومة التربوية، واقعيا، لم يُفرض إلا على الطبقة الكادحة. وانتقدت الفدرالية، المعروفة اختصارا ب"FNAA"، التخبّط الذي تعيشُ على وقعه قرارات وزير التربية الوطنية، ورئيس الحكومة، حيثُ يُبدي الأوّل تمسكه بتدريس الموادّ العلمية باللغة الفرنسية، في حين يُطالبُ الثاني بالإبقاء على تدريسها بالعربية، كما انتقدت الفدرالية ما سمّته "استمرار صمت الأحزاب السياسية والنقابات وأغلب منظمات المجتمع المدني" حول هذا الموضوع، واصفة إيّاه بالصمت "الغريب". الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية كشفت وثائق وصفتها ب"الخطيرة"، قالت إنها حصلت عليها "بوسائلها الخاصة"، وتُثبت، بحسبها، "بما لا يدع مجالا للشك أنّ قرار التعريب السلبي، مقابل التهميش المطلق للأمازيغية، لم يكن أبدا من اختيار المغاربة، بل بوازع من جهات نافذة مؤسسة لأسطورة الوطن القومي العروبي". وأدلت الهيئة الأمازيغية، في هذا الصدد، بوثيقة قديمة، عبارة عن رسالة تحمل توقيع "المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي"، بمدينة الرباط، حول موضوع "تعريب لافتات المتاجر والمصانع وأصحابها"، موجهة إلى عامل إقليمبني ملال، تقول إن "كثيرا من العمالات بالمغرب قد أنشأت مصالح لتعريب لافتات المتاجر والمصانع والإدارات العامة والخاصة وأصحابها، طبقا لمنشورات وردت من وزارة الداخلية". وجاء في وثيقة أخرى، وهي عبارة عن رسالة جوابيّة، موقعة بتاريخ 8 مارس 1968، من طرف القائد رئيس ملحقة غبالة، وموجهة إلى رئيس دائرة القصيبة بإقليمبني ملال، أنَّه جوابا على "إرساليتكم المتعلقة بتعريب لافتات المتاجر والمصانع وأصحابها، أنهي إلى كريم علمكم أنه لا يوجد أية لافتة وقته وجهت من طرف تاجر أو صانع بقرية اغبالة". الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية علقتْ بنوع من السخرية على ردّ قائد ملحقة اغبالة الموجّه إلى رئيس دائرة القصيبة، حوْل طلب المكتب الدائم للتعريب، التابع للجامعة العربية، بقولها "لقد نسي القائد أن يجيب عن الشطر الثاني من مطلب الجامعة العربية وهو "تعريب أصحاب المتاجر والمصانع". وقدّمت الفدرالية وثيقة أخرى، عبارة عن بيان صادر يوم 23 مارس 1970، طالب فيه 493 شخصية من المفكرين والعلماء والسياسيين والنقابين المغاربة، والذين وصفتهم الفدرالية "بالموالين فكريا وإيديولوجيا وماديا للفكر الشوفيني العروبي"، (طالبوا فيه)، الدولة المغربية ب"التعريب الكامل العامّ في التعليم والإدارة والعمل والشارع". الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية ربطت بين هذا الموقف، الذي يعود إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي، وموقف رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الأخير، والذي طالبَ وزيره في التربية الوطنية بالتراجع عن تدريس المواد العلمية بالفرنسية، وقالت الفدرالية إن رئيس الحكومة يتشبث بالاستمرار في "التعريب الشوفيني". الفدرالية شنت هجوما على رئيس الحكومة، متهمة إياه ب"مباركته" لقرار إلغاء تدريس اللغة الأمازيغية، في مقابل دفاعه عن تعريب المدرسة، كما اتهمته ب"التماطل في أجرأة مسارات وضع القانون التنظيمي للأمازيغية، الذي تأخر لما يقرب من خمس سنوات، علاوة على قرار تجميد ملف الأمازيغية بدعوى أن ملف القضية الأمازيغية أكبر منه والفصل فيه يرجع إلى المؤسسة الملكية". وشبّهت "FNAA" الوضع الراهن، في ما يتعلّق بإفرازات تعريب التعليم، بالوضع الذي عاشه المغرب في بداية الاستقلال، قائلة إنّ سياسة التعريب "سلاح أدى اليوم في سوق الشغل والمعاهد العليا إلى ما أدّت إليه في بداية الاستقلال سياسة الفرق بين من تخرج من المعاهد الفرنسية أيام الاستعمار، ومن بقي في معسكرات المقاومة للاستعمارين الفرنسي والاسباني"، داعية إلى فتح حوار وطني "تُقال فيه الحقيقة للشعب المغربي". الفدرالية ذهبت إلى القول إنَّ "انحطاط مستوى التعليم والكوارث التي يعشها أبناء شعبنا بمجمل مسالك التربية والتكوين"، راجع إلى "سياسة التعريب والأسلمة الشاملة الممنهجة والمتواصلة مقابل إقصاء الأمازيغية بجميع مقوماتها، علاوة على عدم تدريس المواد العلمية باللغة العلمية الأولى في العالم (الانجليزية)". وفيما يتعلق بنظرتها إلى إصلاح المنظومة التربوية المغربية، قالت الفدرالية إنَّ ذلك يقتضي الإعمال الكامل لمقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ذات الصلة، ومقتضيات الفصل الخامس من الدستور، وبالأخص كل ما يتعلق بمستقبل الأمازيغية بالمغرب، وما تستدعيه الضرورات الاقتصادية والعلمية من انفتاح شامل على اللغات الأجنبية، وعلى رأسها اللغة الإنجليزية والإسبانية ثم الفرنسية.