صناعة التمويل الإسلامي من أكثر الصناعات المالية نموا بالعالم، إذ تحقق في بعض الأسواق معدل نمو برقمين، مع مستقبل يعد بمزيد من الازدهار والتوسع. بعد 40 سنة من العمل المالي، تبدو هذه الصناعة رغم كل شيء في بداياتها، إذ إنها لا تتعدى 1% من مجموع الموجودات المالية عالميا، ولازالت تحاكي المالية التقليدية، خاصة في النموذج البنكي المتبع. بتبني المغرب للقانون البنكي الجديد، الذي يسمح "للأبناك التشاركية" بإطلاق معاملات مالية متوافقة مع الشريعة، يكون "آخر" بلد مسلم بعد سلطنة عمان يلتحق بركب التمويل الإسلامي. وفي الواقع لا يشكل ذلك إلا الخطوة الأولى في مسار طويل، فالمالية الإسلامية التي تقدم حلول التمويل والاستثمار من منظور إسلامي يروم تنزيل نظرية "الاقتصاد الإسلامي" تحتمل كذلك نماذج التأمين الإسلامي، والسوق المالي الإسلامي، وإدارة الأصول... وطبعا البنك الإسلامي. ولا تخلو الطريق في اتجاه هذه الصناعات الواعدة من التحديات الجسام، فمسار القانون البنكي الجديدة وخروجه أخذ أكثر من ثلاث سنوات، في تأخر واضح؛ بينما لازالت التراخيص الأولى والدوريات التي ينص عليها القانون في الانتظار، وتحديات أخرى عددنا أهمها في خمسة. الإرادة السياسية لا تقوم أي صناعة إلا بإرادة سياسية مشجعة أو على الأقل محايدة، وتأخر المغرب في هذا السياق راجع إلى عوامل إديولوجية، أشبه بالتصور الفرنسي. السلطات السياسية والنقدية كانت أقل براغماتية في التعامل مع هذا السوق، فتفوقت علينا نماذج بلدان تبنت المالية الإسلامية لجلب السيولة الضخمة، خاصة من دول الخليج، وإدماج ساكنتها المسلمة في القطاع المالي، دون غاية محددة في طابعها الديني أو حتى الأخلاقي. كون المغرب بلدا مسلما يجعل من الرهان على هذه الصناعة كبيرا، خاصة أن المعدل الفعلي للاستبناك لا يتعدى 30%، وما يعنيه ذلك من تفويت ملايير الدراهم على دورة اقتصادية منتجة وشفافة، في ظل حاجة رساميل أجنبية (خليجية بالخصوص) إلى قنوات المالية الإسلامية المواكبة كشرط لولوج السوق المغربي. تحييد بعض المنتجات التشاركية في القانون المالي 2016 خطوة إيجابية ترمي إلى الحياد الضريبي، لكنها غير كافية، لكونها لم تشمل كل المنتجات، دون الحديث عن ضرورة الرعاية اللازمة التي تستحقها صناعة وليدة، لم تتملك بعد مقومات المنعة، والتي تستحق توجيه السوق إليها بالإعفاء والتحفيز الضريبي. البنية التحتية تحتاج الأبناك الإسلامية-التشاركية إلى نظام تأمين إسلامي مواكب، كما تحتاج إلى سوق بين بنكي لإدارة السيولة، وتخفيف المخاطر المرتبطة بها، وتحتاج كذلك إلى هياكل استثمارية مرتبطة بما سبق، كالصكوك الإسلامية وقنوات إدارة الأصول؛ كل ذلك في إطار نظام متكامل متوافق مع الشريعة، وهو ما سيكون ممكنا بإخراج القانون (أو المرسوم) المتعلق بالتأمين التكافلي (الإسلامي) وقانون التسنيد، وكذا مراجعة قوانين ومراسيم تمس مجال عمل الأبناك التشاركية بالخصوص، كمدونة الضرائب والقانون التجاري، والتحفيظ العقاري، وقانون الشركات.. التكوين تكوين أطر عالية في المالية الإسلامية تقنيا وشرعيا، وخاصة في مهن البنك والتأمين التكافلي والتدقيق الشرعي، وذلك لتلبية حاجة السوق التي ستكون عالية جدا في السنوات الأولى. والحاجة إلى دورات تكوين مكثفة وجادة وملتقيات أكاديمية وعلمية تبقى ملحة لتخريج أطر مستوعبة لنموذج مالي مرتبط أشد الارتباط بالتوافق مع الشريعة، وذي مقاصد اقتصادية وأخلاقية مستدامة. وعي الزبون ضعف درجة وعي شرائح الزبناء المستهدفة بآليات عمل المالية الإسلامية، وما سيشكله ذلك من تحد سيكلف زمنا ومالا لرفع اللبس عنها، شرحا وتبسيطا من مختلف المتدخلين، وخاصة من جهة أطر الأبناك التشاركية التي ستكون في اتصال مباشر مع الزبون، والتي ستجد نفسها أمام سيل من التساؤلات عن تشابه النظام البنكي التشاركي بالتقليدي، ومدى مطابقته للشريعة، وأسئلة أخرى من قبيل احتمال مجانية خدماته، أو انخفاض تكلفتها، وهي أسئلة من بين أخرى كثيرة تطرح غالبا من الجمهور العام، الذي يحتفظ بصورة ذهنية عما هو موسوم "بالإسلامي"، ومن هنا الحاجة إلى تسليط الضوء إعلاميا على المالية الإسلامية، توعية وتربية مالية لمختلف شرائح المجتمع. نموذج مغربي بناء "موديل" مغربي خاص داخل المنظومة المالية الإسلامية العالمية يأخذ بعين الاعتبار رسوخ العمل بالمذهب المالكي، مع الانفتاح على التجارب الدولية، وخاصة بتطبيق المعايير الدولية في هذا الصدد، كمعايير الأيوفي التي راكمت تجربة رائدة في الإنتاج. والنضج في جوانب المعايير الشرعية، والحكامة والامتثال والمعايير المحاسبية، والمناخ الاقتصادي المغربي المتميز عن نماذج الاستهلاك ومجتمعات الرفاه بنسيج كثيف ومتنوع من المقاولات، وخاصة الصغيرة والمتوسطة، يجب أن يكون دافعا لبلورة خدمات مالية تشاركية تستجيب لحاجيات مقاولاته الأكثر جدية، ومنه إمكانية أن يستفيد الاقتصاد الوطني، ليس فقط من تمويل الاستهلاك، ولكن كذلك تمويل المقاولات؛ ما سيخلق فرص شغل جديدة ونموا اقتصاديا إضافيا. *متخصص في المالية والمالية الإسلامية