تجمع كل التقارير التي تصدر عن منظمات حقوق الإنسان سواء الوطنية أو الدولية، على وصف الوضع الحقوقي في المغرب بالمقلق نتيجة مسلسل التراجعات التي ما فتئت تسجلها سنة بعد سنة، حيث أن الآمال الكبيرة التي كانت معقودة بعد إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة من أجل طي صفحة الماضي والعمل على عدم تكرار مآسي سنوات الرصاص، سرعان ما بدأت في الاصطدام بصخرة الواقع السياسي المغربي، حيث غياب الديمقراطية وغياب القضاء العادل المستقل والنزيه، وهو ما جعل كل المكتسبات التي تم تحقيقها في مهب الريح بسبب عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة وسيادة سياسة الإفلات من العقاب. لقد شكلت حركة 20 فبراير فرصة تاريخية للدولة المغربية من أجل تصحيح المسار، والاتجاه بخطى حثيثة نحو احترام حقوق الإنسان في أبعادها الكونية، حتى يتجنب المغرب مصيرا مشابها لما حدث في تونس أو ليبيا أو مصر أو سوريا أو اليمن، حيث ثارت الشعوب في تلك البلدان ضد أنظمة فاسدة ومستبدة، بسبب كرامتها المهدورة وحقوقها المغتصبة. ولذلك فقد جاء دستور فاتح يوليوز 2011 مستجيبا لمطالب حركة 20 فبراير في شقها الحقوقي، حيث أعطى مكانة معتبرة لحقوق الإنسان، من خلال تأكيده في تصديره والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ منه، على التزام المغرب بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء. ورغم أن ذات الدستور قد تعمق في بنوده في تفصيل حقوق الإنسان التي يجب على الدولة حمايتها، كالحق في الحياة وفي حرية الرأي والتعبير وفي التظاهر السلمي وفي حرية المعتقد وفي الشغل وفي السكن... فإن تلك البنود الدستورية الحقوقية المتقدمة ظلت حبرا على ورق، بل إنه في كثير من الأحوال تم الالتفاف عليها من خلال قوانين تنظيمية مجحفة، سلبت باليسار ما قد تم تقديمه باليمين، وجعلت الأمر يبدو للكثير من المحللين أن مصير دستور فاتح يوليوز 2011 سيكون نفس مصير توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وأن سيادة دولة الحق والقانون لازالت أمرا بعيد المنال في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية تعبر بالمغرب من الاستبداد نحو الديمقراطية. وبأي حال من الأحوال فلا يمكن لأحد أن يتفهم الأسباب التي تقدمها الدولة المغربية لتبرير عدم إيفائها بالتزاماتها في مجال الحق في الشغل والسكن وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لأن كل مبررات غياب تلك الحقوق تظل واهية في ظل استمرار هيمنة الفساد والريع على الاقتصاد المغربي، وفي ظل استمرار الرغبة في استغلال ثروات البلاد بعيدا عن أي محاسبة أو مراقبة. كما أن أي أشياء يتم الدفع بها لتبرير الانتهاكات الجسيمة التي تطال الحقوق السياسية تعتبر ضربا من ضروب العبث، وهو الشيء الذي لا يمكن تفسيره سوى بالرغبة في استمرار التحكم والسيطرة بعيدا عن الديمقراطية التي تستوجب ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا أحد في العالم يمكنه أن يستوعب التضييق الممنهج على حرية الرأي والتعبير والذي يصل في كثير من الأحيان حد الزج بأصحاب الفكر الحر في غياهب السجون، ولا عقل سليم يمكنه أن يتفهم مقابلة المظاهرات السلمية بعنف همجي يصل حد تهديد حق المواطنين في الحياة وهو أسمى الحقوق وأغلاها. إن عبد الإلاه بنكيران ومعه وزراء حكومته يتحملون كامل المسؤولية عن هذه التراجعات الخطيرة التي يعرفها مجال حقوق الإنسان في المغرب، والذي وصل بالأجهزة الأمنية حد التغول على المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم، لدرجة تهديد سلامتهم البدنية. فحتى وإن أنكروا اتخاذ تلك القرارات ونسبوها للدولة العميقة كما يدعون دائما، فإنهم لن يستطيعوا التهرب من مسؤولية التواطؤ في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال الصمت عنها. ثم إن لجوء الدولة للعنف والقفز على ما يفرضه الدستور والقانون من ضرورة احترام حقوق الإنسان، هو المناخ الأكثر ملائمة لتفشي الإرهاب، فالدولة التي تهين كرامة أبنائها هي دولة تقامر بمستقبلها ومستقبل شعبها. وحتى لا ننسى، فإن احتفال الإنسانية باليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف 10 دجنبر من كل سنة، يجب أن يكون فرصة لتذكير الدولة المغربية بالتزاماتها، حتى لا تستمر في سلوك طريق انتهاك كرامة مواطنيها وحقوقهم، لأن تلك الطريق هي التي أدت في نهاية المطاف لسقوط الكثير من الدول حولنا في براثين الفوضى والعنف والتطرف. *رئيس مركز الحريات والحقوق