اختلطت أوراق الحرب السورية التي اقتربت من إنهاء عامها الخامس في خريطة غريبة، لا تخلو من المفاجآت التي تتوالى واحدة تلو الأخرى، وتحول مسارها عن الهدف الرئيس الذي جاءت من أجله. وشهدت الأيام الأخيرة الإعلان عن "مواقف رسمية" لعدد من الدول الكبرى في مشاركتها بالحرب على أكثر التنظيمات "خطورة" على المستوى الدولي. عدد من المحللين السياسيين والمراقبين اعتبر أنها حرب "وجود"، كما هو الحال بالنسبة للتدخل الروسي، والبعض الآخر وصف انضمام بعض الدول ب "المجاملة"، وعلى وجه الخصوص الإعلان البريطاني والألماني الذي أعقب الهجمات التي تعرضت لها "الشقيقة" الأوروبية، فرنسا في الثالث عشر من الشهر الماضي. الخبير في النزاعات الدولية حسن المومني أكد "أن التحالف الدولي جاء في البداية كردة فعل أمريكية لتأثير داعش على العراق، ثم تغير نتيجة عمليات ذبح الكثيرين من الرهائن، وهو ما شكل دافعية عند الأمريكيين وغيرهم"، مضيفا أن "الموقف التركي تجاه داعش تطور بشكل طبيعي نظرا لطبيعة الازمة، وقربها منها وما تشكله من خطورة على أمنها، مشيراً "أن داعش هي نتاج لحالة الفوضى الحاصلة في الإقليم والتحول على الصعيد العالمي في موازين القوى". وعن الموقف الروسي، بيّن المومني "أن بوتين منذ توليه رئاسة بلاده وهو يسعى لاستعادة مكانة روسيا الدولية، فالموقف مدفوع برغبة لتحقيق نفوذها وإعادة دورها التاريخي"، مشيرا إلى أن "انضمام بريطانيا وألمانيا مؤخراً هي عملية تضامنية لما جرى مع باريس ولدعم السعي الفرنسي، الذي أصبح القضاء على داعش أولوية بعد تفجيرات الشهر الماضي". وأرجع المحلل السياسي عامر السبايله "أن الأمور على الأرض هي التي فرضت الاستراتيجية، وتنظيم داعش لم يكن يشكل خطراً للجميع، وما آلت اليه الأمور الآن تحول الموضوع، فاستهدافه لأوروبا غير موقف فرنسا والدول الأوروبية، وهذا ما سينتقل لاحقاً لكثير من الدول". ورفض السبايلة فكرة الحديث عن أن التحالفات الدولية هدفها تقسيم الشرق الأوسط من جديد، مبيناً "أنه (الشرق الأوسط) مقسم سيكولوجياً، والعالم أصر أن يراه من زاوية إثنية ودينية، وليس الموضوع عبارة عن خطة تنفذ بحذافيرها بقدر ما هو ركون عربي في هذا الجانب". من جهته، قرن المحلل العسكري والطيار الحربي، مأمون أبو نوار، للأناضول، بقاء "داعش" ببقاء النظام السوري وروسيا وإيران، حيث قال: "ما دام النظام السوري وروسيا وإيران وما يتبع لهم موجود فإن داعش باقٍ، وإذا انهار النظام السوري فسيزول هذا التنظيم، وما يحدث في سوريا من تحالفات هو حرب وجود". واكد أبو نوار "أن روسيا تدعم الأكراد على الحدود التركية لتنقل الفوضى إلى الداخل التركي لإبعاد أنقرة عن سوريا بشكل كلي، إن ما تحدثت عنه تركيا وكيري عن إقامة المنطقة الآمنة مهم جداً، لأنها ستكون نواة للائتلاف وتمنع الهجرة عن أوروبا أيضاً". الخبير العسكري فايز الدويري لم يشكك في مدى خطورة داعش على الأمن والسلم العالمي، لكنه شدد "أن هذا التنظيم أصبح وسيلة لتحقيق غايات الدول والحفاظ على مصالحها، ولو أنهم أرادوا القضاء عليه لفعلوا في ستة أشهر فقط منذ احتلاله للموصل في تموز من العام الماضي". ودعا الوزير الأردني الأسبق ممدوح العبادي، إلى ضرورة "إيجاد حلول وتفاهمات متبادلة بين جميع الدول حتى تمر هذه المرحلة التي تنبئ بخطر كبير، لأنه إذا لم تحسم الأمور فإن شررها سيصل كل الدول". ومنذ منتصف مارس (2011)، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من (44) عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة، غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ودفع سوريا إلى دوامة من العنف، جسّدتها معارك دموية بين القوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم وسقط خلالها آلاف القتلى، بحسب إحصائيات أممية". لكن هذه الأزمة دخلت منعطفًا جديدًا، عقب بدء روسيا بمهاجمة مدن وبلدات ومواقع في سوريا، منذ نهاية سبتمبر الماضي، وتقول موسكو إن هذا التدخل "يستهدف مواقع تنظيم داعش"، الأمر الذي تنفيه كل من واشنطن، وعواصم غربية، وقوى المعارضة السورية التي تقول إن أكثر من 90% من الأهداف التي يضربها الطيران الروسي لا يوجد التنظيم المتطرف فيها، وإنما تستهدف المعارضة، ومواقع للجيش للحر. ونشأ تنظيم "داعش" في العراق بعيد بدء الاحتلال الأمريكي للبلاد في مارس 2003، وامتد نفوذه إلى سوريا بعد اندلاع الثورة الشعبية فيها منتصف مارس 2011، وسيطر على مساحات واسعة في البلدين الجارين، وأعلن في يونيو من العام الماضي قيام ما أسماها "دولة الخلافة"، ويضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الحاملين جنسيات غربية وعربية. * وكالة أنباء الأناضول