أثار رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في تصريحات صدرت عنه قبل أيام خلت، الكثير من الفضول والتساؤلات وسط المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي في البلاد، عندما أعطى إشارات حول "عدم رغبته" في ولاية ثانية على رأس السلطة التنفيذية لما بعد انتخابات 2016. وكانت عبارة بنكيران في مجلس النواب، "عالجوا الأمر لرئيس الحكومة المقبلة، أما أنا الله يعاونا ويعاونكم"، كما في حديثه يوم الثلاثاء الماضي عن "قرب نهاية ولايته الحالية ببضع أشهر أو أقل، لأن العلم عند الله"، كافية لتثير استفزاز من تساءلوا إن كان بنكيران لا ينوي الاستمرار رئيسا للحكومة حتى لو فاز حزبه في الانتخابات التشريعية للسنة المقبلة. هسبريس واكبت تساؤلات المتابعين والقراء إزاء رأيهم في بقاء بنكيران رئيسا للحكومة بعد استحقاقات 2016، فطرحت سؤالا في هذا المنحى في استطلاعها الأسبوعي، وشكل الذين يرغبون في مكوث بنكيران رئيسا للحكومة نسبة 61.33 بالمائة، والذين يرفضون ذلك كانوا بنسبة 38.67 بالمائة من مجموع المصوتين البالغ عددهم 76399. المفاتيح العشرة وتعليقا على نتائج استطلاع هسبريس، قال الدكتور عبد السلام بلاجي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، إن "كل مسئول محلي أو مركزي يمتلك ما أسماها "المفاتيح العشرة"، سيحصل على نفس النسبة التي حصل عليها رئيس الحكومة في هذا الاستطلاع، أو أكثر منها، وسيأملون في استمراره في تحمل المسئولية". وقال بلاجي، وهو عضو فريق "المصباح" بمجلس النواب، في تصريحات للجريدة، إن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ليس إلا نموذجا لذلك المسؤول الذي طالما تطلع إليه الملايين من المواطنين المغاربة، بعيدا عن حيثيات البروتوكول الزائل، أو استخدام اللغة الخشبية الميتة". وبخصوص المفاتيح العشرة التي قال بلاجي إن المغاربة يأملون توفرها في مسئوليهم ووزرائهم ورؤساء حكوماتهم، فقد حصرها المتحدث في: التقيد بالمرجعية الدينية والمجتمعية واحترامهما، والتعاون مع المؤسسة الملكية وعدم منازعتها، والعيش وسط المواطنين وخدمة مصالحهم والتواصل معهم بلغتهم". واستطرد بلاجي "هناك أيضا الشفافية في الحياة الخاصة والعامة، والتصرفات التلقائية وعدم التكلف في التعبير والأحاسيس المفرحة أو المحزنة، والمكاشفة الصريحة والمرة عند عدم القدرة على الإنجاز، والاعتراف للآخرين أحزابا وحكومات وأفرادا بمنجزاتهم دون مركب". وأكمل القيادي الإسلامي ما تبقى من المفاتيح العشرة التي تجعل المغاربة يأملون في استمرار رئيس حكومتهم: "الإقرار بالعجز عند الحاجة وبالمعيقات، والقوة في مواجهة الخصوم، والجرأة في اتخاذ القرارات اللازمة ولو كانت قاسية، والمنجزات الملموسة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية". مغالطات سياسية وفي الجهة المقابلة، يرى المعارضون لرئيس الحكومة أن مثل هذه الاستطلاعات التي تؤشر إما على استمرار شعبية بنكيران وسط المغاربة، أو رغبة فئات عريضة في بقائه رئيسا للسلطة التنفيذية، لا يُعتد بها على أرض الواقع، وتتضمن تغليطا للرأي العام المغربي". محمد صْميمي، ناشط نقابي سابق، أحد هؤلاء الذين لا ينظرون إلى هذه الاستطلاعات على أنها مؤشر كاف وحتمي لرضا المواطنين على حكومتهم، وأداء رئيسها، وقال في هذا الصدد، ضمن تصريحات لهسبريس، إن الاستطلاع لا يشارك فيه إلا بضعة آلاف من المشاركين، وهم لا يمثلون ملايين المغاربة الذين يذهبون للتصويت". وتابع الناشط ذاته بأن النقابات الأكثر قوة في البلاد لم تخرج قبل أيام قليلة للاحتجاج على حكومة بنكيران، فقط لكونها ترغب في الاحتجاج، والتقاط الصور، ولي ذراع الحكومة، بل لأن "السكين بلغ العظم"، والطبقة الشغيلة تعاني في صمت، وتزيد حكومة بنكيران في إرهاقها وتأزيمها أكثر". وبخصوص إمكانية الحديث عن رضا الراغبين في بقاء بنكيران ريسا للحكومة، بسبب القرارات ذات البعد الاجتماعي، أجاب المتحدث بأن الأمر فيه مغالطة مرة أخرى، لكون العديد من تلك القرارات هي حصيلة عمل حكومات سابقة، فيما مبادرات أخرى تعد ذرا للرماد في العيون" وفق تعبيره. واسترسل الناشط المناوئ لحكومة بنكيران، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، بأن الاستطلاع رغم نواقصه العلمية والتقنية، فهو يشير إلى شريحة معتبرة لا يمكن تجاهلها، في إشارة منه إلى نسبة تقارب 39 بالمائة، أبدت رفضها لبقاء بنكيران، وهي نسبة لها ما لها من دلالات" بحسب قوله. مفيد: مؤشر على نية التصويت وسجل الدكتور أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، مجموعة من الملاحظات بخصوص نتائج استطلاع هسبريس، أولها أن نسبة 61.33 بالمائة، تعبير صريح عن التأييد الذي يحظى به حزب العدالة والتنمية لدى شريحة مهمة من المغاربة، وهي مؤشر على نية التصويت في الانتخابات التشريعية ل 2016. وثاني الملاحظات، وفق مفيد، أن هذه النتيجة تعبر عن مدى نجاح بنكيران في التسويق لنتائج حكومته والدفاع عنها، كما تعبر عن تعاطف الناس مع رئيس الحكومة، خصوصا أنه يحسن تطبيق "نظرية المظلومية" في الكثير من الحالات، حيث يدعي بأنه يتعرض لتشويش ما يسميه "التماسيح والعفاريت". وأردف مفيد، في تصريح لهسبريس، أن نتيجة الاستطلاع تبين بأن الأحزاب المعارضة لسياسة بنكيران لم تتمكن من إضعاف قوة حزب العدالة والتنمية، على الرغم من تواجده في موقع الحكومة، وهذا ما يبين بأن قوة "المصباح" يستمدها أيضا من ضعف بعض الأحزاب السياسية الأخرى". وتابع المحلل بأن "نتيجة استطلاع الجريدة تأكيد لما أفرزته الانتخابات الجهوية والجماعية ليوم 4 شتنبر الماضي، والتي مكنت حزب العدالة والتنمية من الحصول على أكبر عدد من الأصوات على مستوى الجهات"، مبرزا أنها "نتيجة تظهر أثر القوة الخطابية والقدرة التواصلية لبنكيران. وخلص مفيد إلى أنه "رغم هذه التفسيرات، لا شيء محسوم، حيث إن استطلاعات الرأي بالمغرب غالبا ما تنقصها الدقة اللازمة وهو ما يؤثر على صدقية النتائج، وبالتالي فنتائج هذا الاستطلاع يمكن أن تؤكد في أفق الاستحقاقات المقبلة، كما يمكن أن يتم تفنيدها، فجميع الاحتمالات بخصوص نتائج انتخابات 2016 تبقى قائمة".