أن يخرج الآلاف من أبناء هذا الشعب الأبي في صف واحد كأنه بنيان مرصوص للمطالبة في مسيرات ووقفات سلمية بإصلاحات جذرية ترفض ترقيع ما لا يحتمل الترقيع وتأبى تمييع الحياة السياسية والاقتصادية بالبلد وتروم الحد من الفساد بجميع أنواعه وأشكاله فهذا ما يستدعي منا وقفة احترام وتقدير وإجلال لمن خرج ولمن أطر ولمن خط بيديه وصرح بلسانه دعوات الخروج للتظاهر يوم 20 فبراير ، وأن يكسر عشرات الآلاف من أبناء هذا الوطن جدران الخوف الجاثم على النفوس ، ويحطموا الأغلال والقيود الموضوعة على حرية التعبير بهذا البلد ويرفعوا شعارات من قبيل أن " الشعب يريد إصلاح البلاد " و " الشعب يريد إسقاط الفساد " و " الشعب يريد دستورا جديدا " فهذا هو الأمر الذي يطالب به كل حر شريف ويدعو إليه كل عاقل فاضل في هذا الوطن الكريم . لكن أن تخرب ممتلكات الدولة وهي التي لا تملك من أمرها شيئا وتزهق أرواح الأبرياء وتنهب مقرات مصانع وشركات ناهبة وتحرق محطات للوقود ويختلط الحابل بالنابل وكل ذلك باسم العدالة والكرامة والحرية والديمقراطية وغيرها من المفاهيم التي يستغلها البعض بطرق مغلوطة لتحقيق مآرب شخصية فهذا ما يرفضه الجميع جملة وتفصيلا ، وهذا ما يستدعي كلاما آخر ورأيا آخر وموقفا آخر . لقد آمنت بما جاء في دعوة حركة 20 فبراير من مطالب ورؤى ، ولأنني ولطالما كتبت عن نفس المطالب اعتبرت نفسي عضوا في هذه الحركة " الافتراضية الواقعية " ، وسررت بوجود شبان مغاربة " افتراضيين " لهم وعي سياسي قادر على أن يَمِيز الخبيث من الطيب ويُميّز الغث من السمين ، وقررت بصفتي مواطنا مغربيا وشابا من شباب " الفايسبوك " النزول إلى الشارع للتظاهر سلميا وفق الموعد المضروب والخطة المرسومة ، وتحملت ما جاء بعد هذا القرار من استفزاز وتصنيف وتخوين وتفسيق وتهديد ، وكان كل أملي يتجلى في القيام بتغيير سلمي يثبت للكل على أننا بالفعل نشكل الاستثناء في العالم العربي ، وكما قررت مع نفسي كنت أول النازلين من المواطنين يوم 20 فبراير بالرباط ، والتقيت بشباب " الفيسبوك " وبثلة من المدونين المغاربة ، التحمنا بعدها في الوقفة ، حرصنا على أن نكون يقظين أكثر من اللازم حتى لا تنزلق الوقفة إلى ما لا يحمد عقباه ، استمر التظاهر كما نقلت وسائل الإعلام الأجنبية بطريقة حضارية راقية ، ثلة من الإسلاميين وكثير من اليسار والغالبية من اللامنتمين هذه هي الخريطة المشكلة لتظاهرة الرباط ، انتقلنا بعدها في مسيرة سلمية من ساحة " باب الأحد " إلى قبالة قبة البرلمان ، هنا سيبدأ " التشريق والتغريب " ، فتاة تتكلم باسم شباب 20 فبراير ، يلقنها الواقفون ما تقول إذا نسيت أو اعتراها لحن معين ، وشاب آخر يفتتح حلقية باسم يسار قديم ، وآخر يتكلم باسم يسار جديد ، ترفع شعارات هنا وهناك ، ارتجالية في المكان يصاحبها ازدياد في عدد المتظاهرين ، لجنة تنظيم غائبة حاضرة أعياها رفع الشعارات وتقل المناقشات ، مصلون هنا وهناك يصلون صلاة الظهر ، وعند العصر تنفض المظاهرة الرسمية ، تعود الآلاف أدراجها تاركة من ورائها شباب 20 فبراير ومئات من الشباب ينقسمون إلى عشرات تشكلت منها حلقات ذكرتني بأيام الجامعة وسنواتها العجاف ، صليت العصر كعامة من بقي هناك أمام مجلس النواب ، حمدت الله من أعماق قلبي على مرور التظاهرة بسلام ، رأيت بعدها " أسامة الخليفي " أحد " الداعين " للتظاهر يوم 20 فبراير رفقة الصحافي بالإذاعة الوطنية " محمد العوني " ، أخبراني أن الشبكة المغربية لمساندة الحركة الديمقراطية المغاربية والتي يرأسها الزميل محمد العوني ستعقد لقاء على الساعة السادسة مساء بمقر الجمعية المغربية لحقوق الانسان مع شباب 20 فبراير وبعض التنظيمات السياسية بالبلد لتقييم الوقفة وتدارس آخر المستجدات والتطورات وللوقوف على آليات العمل الجماعي مستقبلا ، ولأنني من شباب 20 فبراير انتظرت في العاصمة الرباط إلى حين موعد اللقاء ، وولجت رفقة بعض الزملاء قاعة بمقر الجمعية كانت مملوءة بعدد من المناضلين والحقوقيين ، طلبوا منا الانتظار ريثما ينتهي " شباب 20 فبراير " من اجتماع مغلق ، هنا وسوست لي نفسي ببضعة أسئلة طرحتها على نفسي في غفلة من نفسي فقلت لها " أولست أنا وهؤلاء الشبان الحاضرون معي كنا جميعا في الوقفة ؟؟ لماذا ياترى اختار هؤلاء الفتية العمل في الخفاء ؟؟ لماذا يا ترى اختاروا الكولسة على الوضوح والإقصاء على العمل الجماعي ؟؟ أحقا يريدون التغيير أم هو التهافت على من يسبق لميكروفونات الشاشات الفضائية والإذاعات الرسمية والمجهولة ؟؟ ولماذا ... " وقبل أن أكمل ما تبقى من الأسئلة قاطعني صوت أحدهم يدعونا للانتقال إلى قاعة أخرى ، وهنا ستبدأ قصة أخرى ، " العوني " يعتذر لشبيبة العدل والإحسان ويعتبرها غير معنية باللقاء ويتراجع عن الدعوة التي وجهت لهم ، ينسحبون في هدوء تام ثم يطلب العوني ممن لا ينتمي إلى الشبكة المغربية لمساندة الحركة الديمقراطية المغاربية مغادرة القاعة بحجة أن اللقاء خاص بالشبكة مع " شبيبة 20 فبراير " ، دعوة لم يستسغها المدون " سعيد بنجبلي " بدعوى أنه مؤسس لأكبر صفحة من صفحات حركة 20 فبراير على الفايسبوك وبالتالي له الحق الكامل في الحضور والمناقشة والاقتراح ،هذا الوضع أطلق عمليات الاستفزاز والاستفزاز المضاد ، يثور عليه الجميع بمن فيهم الحقوقي " عبد الحميد أمين " ويطالبونه بالرحيل ، ويستمر طلب " العوني " لنا كمدونين ونشطاء فايسبوك بالرحيل لأننا ربما لسنا أهلا من 20 فبراير ولا أهلا لها ، توسوس لي نفسي بالتكلم فأطلب كلمة في ثانيتين منحت لي بعد عدة نقاط نظام متنوعة ، قلت لهم بالحرف الواحد : " للأسف الشديد ضاع الحق ... وأين ؟؟؟ في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان !!! " ، طلب مني أحدهم أن أكتب ما قلته وأن أكتب إسمه وأن أرحل من غير رجعة ... قلت ما عندي وخرجت منكسرا حزينا لأنني أحسست بالفعل أننا شكلنا في 20 فبراير الاستثناء الذي لم يتحدث عنه أحد ... عذرا يا أيها القراء إن أثقلت عليكم بكلمات أنتم في غنى عن قراءتها أو سماعها ، وعفوا يا شباب 20 فبراير إن تكلمت عنكم بغير ما كنتم تظنونه في ، وعذرا يا " هسبريس " إن أدخلت أناي " هاهنا " لأقول كما عودت الجميع بلا لف ولا دوران أن بعض شباب 20 فبراير هم شباب يريدون التغيير إلا أنهم إقصائيون أنانيون ، ومن كانت هذه صفاته فعليه أن يبدأ بنفسه ليغيرها ، فالتغيير يبدأ بالنفس قبل كل شيئ ، وهذا ما لم ألحظه بأم عيني فيمن يدعون أنهم زعماء 20 فبراير . نعم كان كل شيء سيمر بخير وعلى خير لو أن " زعماء " 20 فبراير انفتحوا على باقي التيارات والأحزاب والجمعيات والهيآت والمنظمات بهذا البلد واتقوا شر الإقصاء المذموم وآثروا مصالح البلد على أنانية ارتأى أصحابها لسوء تقدير منهم أن يكونوا أول المنفضين عن المسيرات والوقفات بعدما أطربوا الآذان شهرا ونيفا بأنهم لن يتركوا الساحات حتى تتحقق المطالب كلها وحتى يعود آخر متظاهر إلى بيته . إن أكبر خطإ وقعت فيه " زعامات " 20 فبراير بالإضافة إلى ما ذكرنا هو انسحابها المبكر من ساحات الوقفات والتظاهرات وتركها للجماهير الشعبية دون تأطير أو تنظيم أو توحد على الرؤية والوجهة ، وهذا في نظري هو ما ترك الفرصة لثلة من الطائشين و المخربين ليعيثوا في بعض المناطق والمدن إفسادا وشغبا ، وهو ما أعطى صورة سيئة لتظاهرات الأمس رغم نجاحها في العديد من المدن المغربية ، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن الإقصاء والانفراد بالرأي والانطواء على الذات وتضخيمها بشكل بشع ومقزز . يا شباب 20 فبراير ، إن الإستبداد لا ولن يزول بالإستبداد ، وإن الإقصاء والتخوين والتصنيف بدعوى " عدم إعطاء الفرصة لأي كان للركوب على الحدث "لا ولن يكون في مصلحة البلاد ، وإن انفلات الأمور من أيدي الشباب وعدم قدرتهم على ضبط الأنفس وتوحيد الصفوف يدفعنا إلى الحديث عن ضرورة خلق هيأة وطنية تفتح في وجه الغيورين على مصلحة هذا الوطن من دون استثناء بما فيهم شباب 20 فبراير وتعمل على توجيه وتأطير وتنظيم الجماهير الشعبية في المسيرات والوقفات التي قد تشهدها البلاد في مستقبل الأيام القادمة ، أما ما سوى ذلك من تسابق على الظفر بألقاب في غير موضعها والفوز بصفات وهمية فلن يكون إلا ضحكا مكشوفا على الذقون ، ولعبا صبيانيا يبتغي جر البلاد إلى فتن مظلمة ، وسوء تقدير يعود على أصحابه بتقدير السوء ، وهذا ما لا نرتضيه لهذا البلد ولأبنائه لأننا فعلا نريد أن نكون استثناء بين الأمم لا أضحوكة بينها . فعذرا يا معشر القراء على مثل هذا الكلام . وعفوا يا شباب 20 فبراير على هذه الجرأة ، فمنكم تعلمتها ولا أنسى فضلكم ولا فضل ما فعلتموه في المغرب وبالمغرب . http://www.goulha.com