على هامش تظاهرات 20 فبراير (أجمل الأيام ما يأتي غدا) الشاعر حكمت ناظم. كما كان متوقعا، مرت تظاهرات 20 فبراير بسلام، تصرفت أجهزة الأمن بحكمة ورزانة، وعبرت الجماهيرعن ما يخالجها، رفعت شعارات ومطالب تعبر عن جميع الاطياف السياسية المشاركة، وكل حزب بما لديهم فرحون، لم تشهد تخريبا ولا تدميرا ولا حرقا -مع بعض الاستثناءات المحدودة في بعض المدن المغربية-، وهذا يدل على معدن المغاربة النظيف والأصيل، وكذا اعتزازهم بوطنهم وغيرتهم عليه. ما الذي دفع بهذه الجموع للخروج إلى الشارع؟ لاشك أنها عوامل عدة متداخلة ساهمت في حماس الناس ورغبتهم في الاحتجاج ما بين القضايا المطلبية الاجتماعية والسياسية. والخروج للشارع لدى المغاربة ليس شكلا جديدا، لكن الجديد هو الأسلوب والآليات للتعبئة للتظاهر والاحتجاج؛ نتيجة التطور التكنولوجي في مجال الاتصال والاعلام، فأصبحنا أمام ظاهرة الاحتجاج السياسي الافتراضي الذي سرعان ما يتحول الى واقعي. أما انبثاق فكرة الاحتجاج في هذه الظروف واللحظة التاريخية، فإنها بلا شك ثورتي تونس ومصر، مصدر إلهام للخيال السياسي المغربي، بيد أن الفرق بينهما هو أن الاحتجاج المغربي لا يروم الى تغيير راديكالي على شاكلتها، بقدر ما يسعى إلى تطوير مؤسسات سياسية بعينها، وكذا استعادة المسار الديمقراطي؛ الذي بدأ مع العهد الجديد، ثم بدأ في الأفول مع انتهاء العشرية الأولى من هذا العهد، أو ما عرف بالردة السياسية، انتهت بالانتخابات البرلمانية الأخيرة التي لم تعبر عن طموحات المغاربة في انبثاق حكومة قوية تعبر عن نبض الشارع. لذلك فمشروعية الانتخابات لم تعد تكفي اليوم، ونحتاج بنظرنا الى تغيير قواعد اللعبة تحظى باتفاق الجميع. مبادرة الشباب المغربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالدعوة للتغيير، ونفخ الروح في الحياة السياسية الراكدة؛ مؤسسات سياسية مشلولة، مشاريع تنموية متوقفة، ونخب سياسية وثقافية غائبة، إنه انسداد و "بلوكاج" عام؛ فأضحى الكل في حالة انتظار، هذا فضلا عن موت المؤسسة الحزبية التقليدية التي –بنظرنا – انتهت صلاحيتهاّ؛ أو انتهى رصيدها، وتحتاج الى تعبئة من جديد.. لذلك كان من الطبيعي – والطبيعة لا تقبل الفراغ- أن ينتفض الشباب الفايسبوكي من خارج الأطر الحزبية المغلقة، وبدون إيديولوجية بائدة، وبلا قيادة تاريخية كاريزماتية، لتأخذ على عاتقها مشعل التغيير، القائم على مبادىء وقيم كونية، يلتئم حولها الجميع، ولا يختلف عليها اثنان. وّأتمنى أن تكون هذه القيم إحدى ملامح استراتيجية زملائي الفايسبوكيين ما بعد 20فيراير. خرجت كثير من الهيئات الحزبية والسياسية والنقابية والحقوقية للمشاركة، وهذا حقهم كمواطنين مغاربة، واللافت للانتباه ما ورد في بياناتها وشعاراتها من مطالب سياسية بسقف عالي، يذكر ب" نوستالجية" تعود الى فترة تاريخية للمغرب تم القطع معها بشكل أوبآخر، وليتها اكتفت بالمساندة والتشجيع والتضامن، وتكون رهن اشارة الفايسبوكيين، ولكنها من حيث لا تدري صادرت هذا الشكل النضالي لحسابها، فبدا تحركها ظاهره المطالبة بالتغيير السياسي وباطنها الوصول الى السلطة والحكم. أيها الفايسبوكيون إن لوثة الايديولوجية أفسدت عذرية هذا الاحتجاج غير المسبوق حجما ونوعية وهدفا. وهو بنظري أشد سلبية من حملة "بلطجية" الأمن والسياسة والإعلام. لقد بدا أن القيم الكونية التي وردت بشكل تلقائي لدى كافة المجموعات -وفي النقاشات على هامشها- فهي تؤسس لوعي وثقافة سياسية جديدة، بعيدا عن وصاية الكبار. لو ترك الفايسبوكيون وشأنهم، لفعلوا العجب العجاب؛ لأن التفاعل والاحتكاك فيما بينهم على اختلافهم، سيفضي بهم -دون تدخل من اي جهة مهما كانت مصداقيتها- الى وضع استراتيجية للاحتجاج ذات مضمون راق، وشكل وأداء رائع. فشباب القرن الواحد والعشرين لن يكون إلا مع الاحتجاجات السلمية الحضارية الخالية من العنف والقمع والاقصاء والانتهازية. إنها لحظة تاريخية ليطلع المغاربة عن نخب جديدة في طور التشكل؛ أو لنقل جيل آخر سنعرف من خلال تحركه السياسي كيف يفكر ويتصرف وينظر للمستقبل. الفايسبوكيون وضعوا القطار على السكة: قبل التظاهر والاحتجاج الفعلي؛ تم الاعتراف بحيوية وأهمية ودور هذه الفئة في الحياة السياسية، عن طريق تصريحات رسمية، وكذلك ما قامت به الحكومة من خطوات استباقية من قبيل وعود لحملة الشهادات العليا بالتوظيف، اجتماع مع الاحزاب لطمأنتها حول انتخابات 2012، زيادة 15 مليار درهم في صندوق المقاصة، تعميم التغطية الصحية قبل نهاية السنة، الاستجابة لمطالب بعض الفئات الاجتماعية.. لاشك أن خطوات إصلاحية سيقدم عليها النظام، لاسيما بعد هذه التغييرات التي حصلت في العالم العربي. وعين النظام صوب هذه التظاهرات والاحتجاجات والمسارات التي ستتخذها، وما قد تفتحه من نقاش وسجال بين النخب والمواطنيين، فهي المؤشر والمحدد الوحيد لاحداث تغيير حقيقي في بلادنا. أخيرا تحية تقدير واعتزاز لأخواني وأخواتي الفايسبوكيين ومن والاهم. وأملي أن تعكف المجموعات الفيسبوكية الجادة والمسؤولة، على تقييم وتقويم هذه المحطة النضالية بموضوعية، لرسم خطة واضحة بأولوياتها وشعاراتها وأهدافها.