شهادة مؤثرة تلك التي قدمها الوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي، عبد الرحمان اليوسفي، في حق مؤسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المهدي بن بركة، وذلك خلال ندوة فكرية دعا إليها مساء اليوم الجمعة بالمكتبة الوطنية بالرباط. اليوسفي، الذي غاب طويلا عن الساحة السياسية والإعلامية، قال إن العلاقة التي كانت تربطه بالمهدي بن بركة، تجاوزت ما هو سياسي إلى ما هو إنساني، نظرا لما كان يتميز به الراحل من إخلاص ووفاء، إذ "لم أتوقف عن الاستحضار والاستنارة بفكره ووطنيته، وبالرغم من مرور خمسين سنة على اختطافه إلا أنه لم يتوقف عن الحضور"، يؤكد اليوسفي. وبعد استحضاره عدد من الذكريات التي كانت تربطه بالراحل المهدي بن بركة، طالب بالكشف عن الحقيقة كاملة وراء اختفائه، قائلا: "أتوجه من صميم القلب للكشف عما تعرفه الدولة من حقائق حول هذا الملف، من أجل معرفة الحقيقة في حد ذاتها، ووضع حد لجنازة تستمر منذ خمسين سنة دون أن يكون للعائلة قبر يضم رفاته ويضع اسما عليه، وكذا لكي تعود الحياة إلى طبيعتها وتطوى هذا الصفحة". مناشدة اليوسفي لكشف حقيقة اختطاف بن بركة لم تقتصر فقط على الدولة المغربية، بل شملت أيضا جميع الدول الأخرى المرتبطة بهذا الملف. وشدد القيادي السابق في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه بدون خطوة الكشف عن الحقيقة كاملة وراء اختفاء الراحل بن بركة، سيبقى ذلك حاجزا دون السكينة وبناء وطن حر، معتبرا أن الرسالة الملكية التي تمت تلاوتها خلال هذا اللقاء ستكون مدخلا لذلك. ذكرى البدايات وعاد عبد الرحمان اليوسفي إلى بدايات علاقته بالمهدي بن بركة، حيث شدد على أن المهدي كان بمثابة الدينامو الذي لم يفقد طاقته بعد الجريمة، بل "تحولت إلى طاقة متجددة، طاقة هي طاقة الشهادة التي تبوأت مكانة خاصة، مكانة الضمير الحي الذي لا يتوقف عن المساءلة والبحث المطرد"، على حد تعبير اليوسفي. اللقاء، الذي حضرته العديد من الشخصيات الأجنبية والوطنية، أكد خلاله قائد تجربة حكومة التناوب التوافقي أن المهدي بن بركة كان يعمل دائما على الربط بين ما يجري في الساحة الوطنية والدولية، وكان من بين أبرز القادة المغاربة الذين طالبوا بالاستقلال. وزاد اليوسفي في ذكر مناقب الراحل الذي كان، على حد تعبيره، "يريد تشييد الدولة الحديثة في المغرب، في مجالات التعليم والإصلاح الزراعي ومحاربة الفقر والاهتمام بقضايا المرأة وتقليص الفوارق وضمان العريش الكريم وتأهيل الشباب"، مردفا أنه كان مؤسسا للعمل السياسي وخلقِ عدد من الشبكات وبناءِ مشروع سياسي في إطار الملكية. في هذا السياق، كشف المتحدث ذاته أن المهدي كان ينادي بالملكية المبنية على أسس دستورية متقدمة، ويؤمن بالحركة الوطنية كشرط للبناء، مضيفا أن المغرب شهد، منذ بداية الستينيات، أحداثا متلاحقة، وعرف مخططات من أجل إبعاد بن بركة من الخريطة السياسية، مشددا على أن هذا الاختطاف "أهدر على المغرب الاستفادة من طاقات كالمهدي بن بركة". اليوسفي أشار إلى أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عاش مرحلة صعبة بعد اختطاف الراحل، وأن البلاد دخلت في نفق مظلم، وأن ذلك كلفه شخصيا المنفى لمدة 15 سنة، لكن بعد العودة، يقول اليوسفي، "كنت حريصا على استعادة المسلسل الديمقراطي والمشاركة في الحياة السياسية وخوض المعارك من أجل مستقبل المغرب".