طيلة العشر الأوائل من شهر محرم، ومع اقتراب ذكرى "عاشوراء"، يعيش عدد من الشيعة المغاربة أجواءً وطقوسا خاصة تطبعها الأحزان والسريّة في الوقت نفسه، مستذكرين موقعة اغتيال سبط رسول الإسلام، الحسين بن علي، فيما يعرف تاريخيا ب"واقعة كربلاء". وإذا كان عموم المغاربة يحيون ذكرى "عاشوراء" باحتفالات في الشوارع وتنظيم ولائم داخل المنازل ليلة التاسع من محرم، إلى جانب الاحتفاء بالأطفال عبر إهدائهم اللعب والهدايا، فإن شيعة المغرب، الذين يقدر عددهم بما بين 3 آلاف و8 آلاف بحسب آخر تقرير صادر عن الخارجية الأمريكية، يعيشون أجواء أخرى "ضاربة في التاريخ الإسلامي"، حسب تعبيرهم. "هسبريس" اقتربت أكثر من تلك الأجواء وحاولت البحث في طرق احتفاء شيعة المغرب بعاشوراء، وما إذا كانوا يقومون بطقوس شبيهة بتلك التي اشتهر بها الشيعة في منطقة الشرق الأوسط، من لطم للصدور وشجّ للرؤوس بالآلات الحادة وتنظيم الحسينيات في عدد من المجالس؛ وما إن كان هناك تحفظ من طرف النشطاء الشيعة في إماطة اللثام عن تلك الطقوس للرأي العام. طقوس شيعية في بلدان معروفة بانتشار المذهب الشيعي، مثل إيرانوالعراق ولبنان وباكستان، تنظم طيلة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الهجري ما تعرف بالمجالس الحسينية في المساجد والمنازل، وتخرج مواكب للشوارع العامة، تتضمن ضرب الصدور ولطم الخدود، وضرب السلاسل على الأكتاف، وشجّ الرؤوس بالسيوف؛ وهي الطقوس التي يختلف على شرعيتها علماء الشيعة أنفسهم. واعتاد أتباع المذهب الشيعي في العالم على الاحتفاء بذكرى عاشوراء كل عام بتلك الطقوس الجماهيرية، خاصة في العراقوإيران ولبنان، استحضاراً لذكرى مقتل الحسين، حفيد رسول الإسلام، وأنصاره، والاعتداء على أهله بالقرب من مدينة كربلاء في القرن السابع للميلاد، وهي الواقعة التي تعتبر أبرز محددات الهوية الشيعية في العالم إلى حدود الساعة. سرية تامة رفعت "هسبريس" سماعة الهاتف للاتصال بعدد من النشطاء الشيعة في المغرب، المنتمين خصوصا إلى مؤسسة "الخط الرسالي"، وذلك طلية الأسبوع الأول من شهر محرم من أجل استقاء تصريحات ومواقف هؤلاء حول احتفالاتهم في عدد من المدن المغربية بذكرى عاشوراء، لكن الهواتف ظلت مُقفلة، فيما تأكد بعد ذلك أن الأمر يعود لالتزام النشطاء الشيعة بعدم إثارة أيّ جدل حول هذه المناسبة التي تجرى في المغرب بكامل السرية، بمبرر "حساسية الفترة". ووفق المعلومات التي توصلت بها هسبريس، من مصادر مُحيطة بالشيعة، فإن هؤلاء يقيمون بشكل كثيل في عدد من المدن المغربية، خاصة في منطقة الشمال وبالضبط مدينة طنجة، احتفالات تخلد لذكرى "استشهاد الحسين"، وفق معتقدهم، داخل عدد من المنازل بشكل سري، مع اقتراب العاشر من محرم. وحاولت "هسبريس" الوصول إلى أحد المنازل التي تقام فيها تلك المجالس في طنجة، لكن سرية تنظيمها، التي يغلب عليها الطابع الأمني والتخوف من أي شخص أجنبي قد "يخترق" تلك المجالس، جعلت من المهمة صعبة للغاية، إذ أن الحضور يتم وفق لائحة محصورة ومغلقة "دون اصطحاب أي رفقة". فيما توصلت هسبريس بمعلومات تفيد بأن تلك المجالس لا تتضمن طقوس اللطم والضرب على الرؤوس، "بقدر ما يعمها الحزن وترديد الأذكار وتنظيم دروس دينية تستحضر واقعة كربلاء". وفي الوقت الذي يحتفظ عدد من الشيعة المغاربة بطقوس هادئة داخل منازل معدودة احتفاء بذكرى عاشوراء، فإن مصادر مقربة منهم تؤكد أنّ الاحتراز يطغى على منظمي تلك المجالس، إذ "يحرصون على أن يكون عدد المدعوين قليلا، حتى لا يثار انتباه ساكنة الحي والجيران؛ لأن التوجس الكبير الذي يحضرهم هو رد فعل عموم المغاربة، وليس السلطات فقط". إلى جانب ذلك، يبقى ارتداء الأزياء بألوان داكنة، خاصة اللون الأسود، طيلة هذه الأيام، أبرز ما يميز تخليد شيعة المغرب لذكرى عاشوراء، "إلا أنّ ارتداءها يتم بشكل متقطع طيلة هذه الفترة، حتى لا يثير الأمر انتباه العموم"، يضيف مصدر قريب من مجالس الشيعة. فيما تؤكد المعطيات التي تتوفر عليها هسبريس أن شيعة المغرب "لا يقومون باشتراء الهدايا واللعب لأطفالهم، ولا حتى الأطعمة والفواكه الجافة، كما جرت العادة عند عموم المغاربة؛ لأن المناسبة حزينة في معتقدهم وليست للفرح والاحتفال". هاني: لا فرح في عاشوراء ادريس هاني، أبرز نشطاء الشيعة في المغرب، تحدث إلى هسبريس دون أي تردد حول معتقد الشيعة الخاص بذكرى عاشوراء، ومدى تمثلهم للعادات المغربية في هذه المناسبة الدينية، نافيا أن تكون هناك طقوس شيعية تنظم بالمغرب، قائلا: "الأمر لا يتعلق بطقوس.. لكل واحد فينا الحرية في التعبير عن معتقده، وليس لأي شخص أن يمنعه أو يضيق عليه". ويضيف هاني: "أنا حزين أكثر لما وقع في كربلاء للإمام الحسين، حفيد رسول الله، الذي ذبح.. فأنا أعبر عن حزني، ولا أحد يفرض علي ذلك أو عكسه"، فيما استبعد أن تحضر هذه الثقافة في وعي المغاربة بشكل واسع. "هناك شرائح في عدد من مناطق المغرب ورثت ثقافة ذكرى كربلاء، والحزن على ذبح الحسين عليه السلام، وهم وإلى حدود الساعة تعودوا على الحزن عوض الفرح في هذا اليوم"، يستطرد هاني. وفيما أكد المتحدث أن فئات من المغاربة، من غير الشيعة، يرون "عاشوراء" ك"يوم حزن وليس يوم فرح"، إلا أنه أورد أن وسائل الإعلام الرسمية ومعها منابر المساجد "تروج للفرحة في هذا اليوم الحزين"، مضيفا: "أجواء الفرح لا تمثل المغرب العميق في القرى والمداشر"، قبل أن يتابع بقوله: "أعطيني أنا أيضا كاميرا وسأصور لك أجواء الحزن عند عديد من المغاربة أيضا". واعتبر إدريس هاني أن الواقع يشير إلى أن العادات في المغرب غير متجانسة، قائلا: "لا يمكن أن نحكم بأن المغرب والمغاربة يعيشون على نمط واحد في تخليد ذكرى عاشوراء.. الموروث الشعبي يؤكد أن المغاربة يحيون يوم عاشوراء بالامتناع عن الأكل والغسل حزنا على مقتل الإمام الحسين، وهي ثقافة وإرث موجود في المغرب منذ قرون، حين كانت إيران ما تزال سُنيّة". ويضيف الناشط الشيعي أن المغاربة تحضرهم ثقافة وذكرى واقعة كربلاء "على أنها "كربٌ" و"بلاء"، فيما أشار إلى أنه من بين هذه المظاهر "الاحتفاء بالأطفال عبر إهدائهم الهدايا، فذلك يحيل إلى إكرام الأطفال، استحضارا للأيتام الذين خلفتهم واقعة كربلاء بذبح الإمام الحسين والاعتداء على أهله ونسائه وأطفاله"، فيما شدد على أن "التعامل مع قضية مثل قضية تخليد ذكرى عاشوراء ينبغي أن يتم بخلفية أنثروبولوجية وليس فقهية".