تكثر مظاهر الفرح والحبور عند العديد من المغاربة، خاصة لدى فئتي الأطفال والنساء، بحلول مناسبة عاشوراء التي تصادف كل سنة العاشر من شهر محرم الحرام، متمثلة في أجواء السرور التي تسود عددا من الأسر، من خلال شراء اللعب للأطفال، واقتناء الفواكه الجافة وأنواع الحلويات احتفالا بهذه المناسبة، وهي السلوكات التي يعزوها البعض إلى التأثير الأموي في مثل هذه العادات المُتبعة. وبالمقابل تنحو تصرفات عدد من المغاربة في عاشوراء منحى الحزن والأسى على مقتل الحسين، سبط الرسول عليه الصلاة والسلام، متمثلة في امتناع البعض عن الكنس والطبخ، أو التراشق بالمياه بين المارة، وأصلها منع الماء على الحسين وأهله قبل الإجهاز عليه في كربلاء، وأحيانا الامتناع عن الاغتسال خلال الأيام العشر الأولى من شهر محرم، وهي الممارسات التي يرى فيها البعض أنها امتداد لطقوس وعقائد شيعية. ويرى آخرون أن الموقف السليم ليس في إبداء مظاهر الفرح بهذه المناسبة، باعتبارها تؤشر إلى حدث محزن يتمثل في مقتل حفيد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا في إعلاء مظاهر الحزن والبكاء أسفا على تلك الواقعة، حيث إن المغالاة نحو الفرح أو اتجاه الحزن غير مطلوب، حيث يكتفي المسلم بالصيام في هذه المناسبة، وفق علماء السنة، بينما علماء الشيعة يذهبون إلى حرمة الصيام خلال هذا اليوم. الفرح والحزن والصيام الباحث المتخصص في الفكر الشيعي، عصام احميدان، قال في حديث مع هسبريس، إن "الفقه الشيعي لم يورد استحباب ترك الغسل يوم العاشر من محرم أو تركه، بل أورد على العكس من ذلك في آداب زيارة الإمام الحسين الاغتسال، ولبس أفضل الثياب وأنظفها، وهو حكم عام في كل آداب الزيارة سواء للإمام الحسين، أو لغيره كزيارة النبي وآله والأولياء الصالحين". وأوجز احميدان الخلاف السني الشيعي حول عاشوراء في موضوعين، "إظهار الفرح أو إظهار الحزن في هذا اليوم، وثانيا حكم الصيام يوم عاشوراء، فأهل السنة يعتقدون أن وقائع قديمة مفرحة حدثت يوم عاشوراء تتصل بالأنبياء عليهم السلام، بل ادعت بعض الروايات لديهم أن النبي صلى الله عليه وآله نفسه ولد في عاشوراء. ويرى الشيعة، يُكمل احميدان، أن "تلك الوقائع لم تحدث في عاشوراء، وأن الأمويين صنعوا تلك الروايات نكاية في الإمام الحسين وشيعة أهل البيت، لتبرير إظهار الفرح في يوم فعلوا فيه ما فعلوا بسبط النبي صلى الله عليه وآله". واستطرد الباحث الشيعي بأن الثقافة الشعبية المغربية تعج بالمظاهر المختلفة والمتناقضة في عاشوراء، حيث توالى على المغرب حكم العديد من الدول من مختلف التوجهات الفقهية والسياسية: الأمويين في الأندلس، والأدارسة في المغرب، ومحنة الصراع بينهما، ثم حكم الفاطميين في شمال إفريقيا، فوصول المرابطين للحكم، وهكذا.. روايات مكذوبة وبحسب احميدان، فإنه بعد مقتل سبط النبي، وسيد شباب أهل الجنة، الإمام الحسين في كربلاء يوم العاشر من محرم، قامت الدولة الأموية ببث الروايات الموضوعة، وإقحامها في السنة النبوية الشريفة، والتي مضمونها استحباب القيام ببعض الأعمال الدالة على إظهار الفرح والسرور، من قبيل استحباب الغسل والتخضيب بالحناء، وما إلى ذلك. وتابع الباحث ذاته بأن "بعض علماء أهل السنة تصدوا لهذه الروايات الموضوعة، وحصروا الخلاف بين السنة والشيعة في موضوع الصيام، حيث إن أهل السنة يرون استحباب صيام يوم العاشر من محرم، بينما روى الشيعة حرمة صيام يوم العاشر من محرم ، لكن الشيعة أيضا ترى استحباب الإقلال من الطعام يوم العاشر إلى العصر". واستدل احميدان بأقوال بعض علماء السنة وأقطاب المنهج السلفي التي تدل على رفض تلك الروايات الدالة على استحباب الغسل والخضاب بالحناء، وغير ذلك، حيث اعتبروا أن ما روي بهذا الشأن من أحاديث إنما هي موضوعة، مثل الحديث الطويل الذي روي فيه : "من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام ومن اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد ذلك العام". ما كتبه الجيراي والسوسي وحظي موضوع عاشوراء لدى المغاربة، وطرق إحيائهم لهذه المناسبة الدينية، باهتمام وشغف العديد من الباحثين والأكاديميين، فالدكتور عباس الجيراري أورد في كتابه "عاشوراء عند المغاربة" بأن الشيعة، مع من انضم إليهم من الأعداء السياسيين لبني أمية، اتخذوا هذا اليوم مناسبة لإظهار الألم والحزن، فيما يقوم متطرفو الشيعة بأعمال وأقوال تسيء للمناسبة". وبعد أن أشار الجيراري في كتابه المذكور إلى أن مقتل الإمام الحسين كان حدثا مؤلما ورزء فادحا حل بالمسلمين، أوضح أن بعض أهل السنة، خاصة الموالين للأمويين، كانوا يعمدون إلى إظهار الفرح والسرور، ويبالغون في ذلك، نكاية بالشيعة ومن والاهم. ومن جهته يسرد المؤرخ المعروف محمد المختار السوسي في أحد كتبه عن العادات المغربية في عاشوراء، أن الناس رجالا ونساء كانوا يبكرون صبيحة عاشوراء في زيارة المقابر، فيما العباد والفقهاء كانوا يحرصون على 12 خصلة، من صوم، وصدقة، وصلاة ركعتين، وتوسيع النفقة، واغتسال، وعيادة المريض، وقلم الأظافر، وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة. وذكر السوسي بعض العادات التي كانت منتشرة إبان حقبة من الزمن، غير أنها تناقصت بشكل كبير في أيامنا هذه، ومنها اجتماع أهل عدد من القرى على نحر بقرة والأكل منها، والامتناع عن تنظيف البيت، وغسل الثياب، والاستحمام، والتطبيل والتزمير، وفتح الكتاتيب القرآنية صباح عاشوراء، واستعمال البخور لطرد الأرواح الشريرة،وغيرها من الممارسات المرصودة عند المغاربة.