ليس غريبا أن يدعو فيلسوف فرنسي من حجم إدغار موران إلى إعادة النظر في دور المثقف خاصة بعد التحولات السريعة والمفاجئة التي يشهدها الوطن العربي اليوم، فقد طلب منهم (وكان يعني المثقفين المغاربة بطبيعة الحال لأنه حل ضيفا على فعاليات المعرض الدولي للكتاب) النزول من "الفوق"، لمعانقة هموم الناس "اللي تحت"، يعني بالعربية "تاعربات"، طلب منهم أن يتركوا مدرجات الجامعات والمسارح والمكتبات والمقاهي، وينزلون إلى الميدان (ليس ميدان التحرير بمصر)، ولكن طلب منهم النزول "للتيران" لدعم الشعوب والوقوف إلى جانبها عوض متابعة انتفاضتها من شرفة الأبراج العاجية، و"جبد" إدغار للمثقفين "ودنينهم" بما فيهم وزير الثقافة بنسالم حميش الذي قاطعه زملاءه بسبب بخله وتقشفه، فلم يلتف إليهم وتولى تسيير الندوات والمحاضرات والموائد المستديرة بنفسه، ووجدها فرصة لاستعراض عضلاته الفكرية واللغوية على "عباد الله"، غير مبال بما يقوله الفيلسوف الفرنسي إدغار الذي خاطب المثقفين الموجودين بالمعرض، وخاطب الغائبين من الغاضبين أيضا، بمقولة (ليبلغ منكم الحاضر الغائب)، خاطبهم إدغار بقوله: (باركا عليكم من الكتابة والفلسفة، أرا لكاين شي خدمة مع الناس"، مضيفا :"عريوْ على كْتافكم"، وبلغة أنيقة :"غادروا شرنقة تنظيراتكم الفكرية والفلسفية، وانزلوا إلى أرض الواقع". كما أن الفيلسوف الفرنسي "حْشا ليهم الهدرة"، بقوله إنكم لستم أفضل من الأديب الفرنسي إميل زولا الذي استنكر مظاهر الظلم والاستبداد وانتفض، أو صاحب " الغثيان" جون بول سارتر الذي خرج في مظاهرات شعبية ولم يكتف بالتنظير الفلسفي، وأيضا ألبير كامو الذي اشتهر بروحه المتمردة. بعد أن انتهى إدغار من مداخلته، قال لي صديق كان يجلس بجانبي: "المهم دابا واش المثقفين ديالنا، غادين يسمعوا ليه أو لا"، فقلت له :" غادين يتصاورو معاه، ويديرو ليفراسهم"، فأجابني صديق آخر :" سينتظرون حتى تقوم شي انتفاضة الله يحفظ عاد يْبداو يْتضامنو بحال ليدارو شي مثقفين مصريين وتوانسة"، فعلق صديق ثالث :" هاديك الساعة غير يبقاو كالسين فالقهاوي، غادي يكون اللي عطا الله عطاه".