كانت المدينة القديمة بالعرائش، مساءَ أمس الأحدِ، على موْعدٍ معَ لحظاتٍ نوستالجيَا، استرجعَ معها سُكانها ذكريات التعايُش بيْن مختلف الديانات داخلَ أسوارها، وذلك من خلال التقاء أعضاء مجموعات موسيقيّة، دوليّة ومغربيّة، في إطارِ عروض اليوم الرابع من المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي بالعرائش. وانطلقتِ العروض الفولكلوريّة في ساحة التحرير، وسط العرائش، بأداء رقصاتٍ من طرفِ أعضاء الفرق الموسيقية القادمة من إسبانيا وبلغاريا، على نغمات فرقة جْبالة، وتبعتها عُروض "السامبا". واستمرت العروض، فتوجّه الجميع نحو بنايات المدينة العتيقة. عبد الرحمان اللنجري، مدير المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي بالعرائشِ، عادَ بالجمهور الذي تابعَ العُروض، وكذا أعضاء الفرق الدولية التي شاركتْ فيها، إلى زمن التعايُش الذي كانَ قائما بيْن المسلمين واليهود والمسيحيّين، وقال في كلمة ألقاهَا وسطَ المدينة العتيقة: "هنا كانَ الجميع يعيشُ في سلامٍ ووئام". وأضاف اللنجري أنَّ المدينة العتيقة بالعرائش تعايشتْ فيها مختلف الثقافات والديانات بكلّ سِلْم. وإذا كانت المُدن العتيقة التي عاشَ فيها اليهود في مختلف مناطق المغرب يوجدُ فيها "حيّ الملّاح"، فإنّ العرائش تشكّل استثناءً؛ لأنّ اليهود لمْ يكونوا يعيشون معزولين عن المسلمين، بلْ كانوا معهم جنبا إلى جنْب. "مُعظم اليهود الذين كانوا يسكنون في المدينة العتيقة بالعرائش كانوا من الموريسكيين والسفارديم المطرودين من الأندلس"، يقول مدير مهرجان التلاقح الثقافي، ويُشير بسبّابته إلى البنايات العتيقة، مضيفا: "هُنا، في هذا المكان، كانَ يعيشُ المسلمون واليهود والمسيحيّون بسلام". وإلى جانبِ التعايُش الإنساني بيْن معتنقي الديانات السماوية الثلاث، فإنَّ المدينة العتيقة بالعرائش كانتْ فضاءً يستوْعبُ دُورَ العبادة الخاصّة بالمسلمين واليهود والمسيحيّين. ويقول اللنجري: "هُنا، في حيٍّ واحد، كانت تتعايش مساجد المسلمين والزوايا، جنبا إلى جنب مع كنيسة سان خوسيه الكاثوليكية، ومعابد اليهود". ويسعى المهرجان الدوليّ للتلاقح الثقافي إلى تعزيز الحوار بيْن الثقافات في زمنٍ يتنامى فيه التعصّب الديني، وقالَ مدير المهرجان: "كانَ المسلمون واليهود والمسيحيّون، داخل أحياء المدينة العتيقة للعرائش، يتبادلون الزيارات في المناسبات"، وتابع: "تحكي لي جدتي أنّ جارتها اليهودية كانتْ تأتي عندها في عيد الأضحى لتذوّق لحْم الأضحية، وفي عيد الفصح يقدّم اليهود طعامهم للمسلمين. وكان المسيحيون بدورهم يقيمون حفل "الكْرِيسْمِيس" في ساحة عمومية، وكانَ هناك تعايش جميل". وتميّز اليومُ الرابعُ من المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي بالعرائش، إضافة إلى العروض الفولكلوريّة بساحة التحرير والمدينة العتيقة، بعروض موسيقية أحيْتها مجموعة "للا منانة للحضرة العرايشية"، وفرق موسيقية أجنبيّة. وكشف تنظيمُ عروض المهرجان في مدينة العرائش، بعدَ عُروض اليوم الأوّل والثاني التي نُظمتْ في مدينة القصر الكبير، عن افتقار مدينة العرائش إلى فضاءات ثقافيّة، أوْ حتّى قاعاتٍ صالحةٍ لتقديم عروضٍ فنّية. فبعْد عروض الهواء الطلق، بساحة التحرير والمدينة العتيقة، لمْ يجدْ منظمو المهرجان مكاناً آخرَ لتنظيم عُروض المساء، سوى قاعةٍ صغيرة بمصحّة الهلال الأحمر المغربي. ولمْ تكن القاعةُ صالحة للعرْض، إذْ إنَّ المنصّة كانتْ منخفضة جدّا، ولم يكن الجمهورُ الجالس في المقاعد الخلفية يواكب شيئا. وفضلا عن غياب قاعة لائقة فإنّ العرائشَ قدْ تفقدُ حتّى فضاءات الهواء الطلق التاريخيّة داخلَ المدينة العتيقة، التي توجدُ عدد من دورها الشاهدة على تاريخها في وضعيّة متردّية، ومُهدّدة بالانهيار في أيّ لحظة إذا لم يتم الإسراع بترميمها. وطالبَ عبد الرحمان اللنجري، في حديث مع هسبريس، بالعمل على ترميم جدران المدينة العتيقة وصيانتها، تفاديا لانهيارها، قائلا: "نطالب بترميم جدران المدينة العتيقة وما بداخلها، وصيانة المباني التي يعيش فيها السكان بشكل آني"، وتابع: "هناك منازل آيلة للسقوط، ولا يجب أن نترك ذاكرتنا تسقط؛ فإذا سقطت الذاكرة ينهار الإنسان، وينهار حُلم البناء الحقيقي".