لعلَّ السؤالَ الذي حيَّرَنا في المغرب، رسمياً وشعبياً، في الآونة الأخيرة هو مَوقفُ دولة السُويد مِن الصحراء المغربية: ما الذي جعلَ السويد، هذا البلدَ الوديعَ مِن بَعيد، يُريد أن يَصير أسْودَ الكبدِ (عَدُواً) لِلمغربِ بَين عشيةٍ وضُحاها؟ وتتناسَلُ الأسئلة: - ما الذي جعلَ هذا البلدَ الثاقبَ لا يُميز بعينِ التاريخ المجرَّدة الخيطَ الأبيض مِن الخيطِ الأسْودِ مِن السِيادة؟ - كيف لا يَتبيَّنُ للسويد، دولة القانون بامتياز، بأنَّ المغرب دولة عريقة ذات سيادة وحضارة تَسِير بخطواتٍ حثيثة لتَصير دولة القانون بمعنى العبارة، بينما الكيان الذي ينوي (السويد) الاعتراف به لا يَعدو أن يَكون كياناً وهمياً، بلا أرض ولا شعبٍ، يُروِجُ له شِرذمةٌ مِن المُغرَرِ بهم ومَجانينِ الحرب الباردة ذاتَ يومٍ مِن سبعينيات القرن الماضي، بتوجيهٍ وتمويلٍ ودعمٍ خاصٍ مِن سلطات جارٍ جَحُودٍ حَقُود؟ - ألا يَستنبِطُ السويدُ بعينِ العقل بأنَّ التاريخ والجغرافيا يَشهَدان بأنَّ الصحراءَ مغربية، بأنَّ المغربَ سادَ صحراءَه مُنذ زمنٍ غابر، وبأنَّ أعيانَ ومُمثلي قبائل الصحراء سوَّدوا سلطانَ المغرب عليهم دَوماً بواسطةِ البيعة؟ - ألا يَستوعبُ السويد الفهِمُ بأنَّ الإجماع على مغربية الصحراء رسميٌ وحِزبيٌ وشعبيٌ، اقتناعاً مِن الجميع بعدالة القضية وليس بسببِ وطنيةٍ عمياء أو إيديولوجيةٍ رَعناء، وبأنَّ مُعاداته لِلمَغربِ في صحرائه تَعني تلقائياً مُعاداة الشعبِ المغربي برُمّته؟ - ألا يَظهر للسويد بأنَّ مَن يتظاهرون لدَيها بمظهر ضحايا الاحتلال ويلتمسون منها الشفقة السياسية والمساعدة المادية إنما هُم كراكيز ذات مصالح شخصية احتلتِ العِصابة الحاكِمة في الجزائر ضمائرَهم فسَخَّرتهم لخِدمة أجندتها التوسُّعية تحت غطاء تقرير المصير وعلى حساب الاستقرار والتنمية الإقليميين؟ - ألا يَعلم السويدُ، وقد علِمتْ كافة دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، بأنَّ عِصابة المتباكين باسْم مَصيرٍ يَدَّعُون الحق في تقريره وباسْمِ شعبٍ يزعُمون وُجودَه والكفاحَ مِن أجل تحريره إنَّما هُم عِصابة مِن المرتزقة تتجول عبْر العالم بأجندةٍ جزائرية عقيمة مُقابلَ الاحتفاظ بالمساعَدات الإنسانية الدولية على حِسابِ مغاربة صحراويين محتجَزين في مُخيمات لا إنسانية على أرض جزائرية؟ - كيف يُصدِقُ حُكام السويد، وهُم أهلُ العقل والمنطق والتحليل والحِجاج، قصة خيالية رديئة حَبكها مرتزقة في يد طغمة مهووسة من الجيران الفاشلين مِمن يحملون حقداً دفيناً للمغرب، لا لشيء وإنما لأن المغرب دولة بين الدول بينما الجزائر مُجرد بَلدٍ من البلدان، وشَتّانَ بينهما؟ - أليسَ السويد، العضو المحترَم في هيئة الأممالمتحدة والطامح إلى عُضوية غير دائمة في مجلس الأمن، على عِلمٍ بمَسار التسوية الأممية لملف الصحراء، إحقاقاً للحق وتفادياً لظروف المواجهة والإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء، وبمُقترَح الحُكم الذاتي المغربي ذي المصداقية الدولية لبُلوغ حلٍ سِياسيٍ تَوافقي نِهائي؟ قبْل سَنة، شهدَ السويد انتخاباتٍ تشريعية يوم 14 شتنبر 2014 وفاز الحزب الديموقراطي الاجتماعي (وسط يسار) بأغلبية الأصوات فشكّلَ الحكومة الحالية. وبتاريخ 30 أكتوبر 2014 خرجَ السويد مِن قطيع الدول المُهادِنة للكيان الصهيوني وأقدَمَ على خطوة سياسية أعلتْ مِن شأن السويد والسويديين في عيون المُحبّين للعدل والسلام عبْر العالم: الاعترافُ بدولة فلسطين. بالفعل، السويد هي أول دولة غربية عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف رسمياً بدولة فلسطين، المحتلة من طرف إسرائيل. وقد اعتبَرت وزيرة الشؤون الخارجية، مارغُوتْ فالسْترُوم، هذه خطوةً مُهمةً تؤكِد "حقَّ الفلسطينيين في تقرير المصير"، مُوضّحة أنَّ القرار السويدي لا يتعارض مع معايير القانون الدولي للاعتراف بدولة مستقلة، وهي "أن تكون هنالك أرض وشعب وحكومة قادرة على بسط سلطتها داخل حدودها وفي علاقاتها الخارجية، وكل ذلك متوفر لدى الفلسطينيين". بكل موضوعية، بِقدْرِ ما نَفهَم ونُصفق لخطوة السويد للاعتراف بدولة فلسطين، لكونها خطوة صائبة قانوناً ومُشَرِفة إنسانياً، بقدر ما لا نَفهم هَروَلته للاعترافِ ب "جمهورية وهمية"، لأن ذلك بمثابة مُراهَقة سِياسية وخطأ استراتيجي جسيم في حقِ المغرب. تُرى هلْ أصيبَ السويد بحُمى "تقرير المصير" فباتَ يُوزع الاعترافَ يُمنة ويُسرة دُون احتساب العواقب؟ بَعد الأسئلةِ أعلاه، وحتى لا يَكونَ المَغربُ ثرثاراً مع السويد المُحِبِ لِلاختصار، يَكفيهِ أنْ يَطرَح على حكومة السويد الحالية سُؤالا أخيراً: إذا استحضَرْتِ، عنْ حقٍ، القانونَ الدوليَ لتبرير اعترافكِ بدولة فلسطين، فأينَ مِعيارُ الأرض والشعب لدى المرتزقة لِكيْ تتوجَّهي نحو الاعتراف بجمهوريتهم الوهمية؟ *أكاديمي ومترجِم