"من الطبيعي أن يخلد أي وزير للراحة بين الفينة والأخرى بسبب الإرهاق الذي قد يصيبه نتيجة تنفيذه لمهامه الجسام خدمة للوطن والمواطنين، لكن ليس طبيعيا أن يختفي وزراء حكومة بنكيران كلما كثر اللغط حول موضوع شغل الرأي العام، أو حلت مصيبة بعدد من المواطنين المغاربة"، هكذا علق عبد الرحيم من ألبيرتا الكندية، عن اختفاء رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ووزير الاتصال الناطق باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في وقت كثر اللغط على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية بخصوص الحجّاج المغاربة الذين ماتوا أو فقدوا في فاجعة مِنًى. ففي الوقت الذي أكدت فيه وزارة الخارجية نبأ وفاة خمسة حجّاج مغاربة في تدافع أثناء أداء مناسك الحجّ، تستمر العديد من المنابر الإعلامية، سواء الورقية أو الإلكترونية، وكذا الصفحات الإلكترونية، في نقل أخبار تفيد وفاة أكثر من مائة حاجّ مغربي، نقلا عن مصادر يتم وصفها بالعليمة والمطلعة. من هنا تأتي أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه وزراء حكومة بنكيران لتهدئة الرأي العام، من خلال إمداده بالمعلومات الدقيقة المعززة بالحجج والدلائل، وهو الأمر الذي لم يقم به لا رئيس الحكومة، بصفته مسؤولا عن كل ما يهم الشأن العام المغربي، ولا الناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي تقتضي مهمته إبلاغ المواطنين بكل إجراء تقوم به الحكومة لخدمة الوطن والمواطنين، ولا وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بطبيعة مسؤوليته الدينية بالمغرب، وبالتالي مسؤوليته عن سلامة الحجّاج المغاربة. ليست هاته المرة الأولى التي يختفي فيها وزراء حكومة بنكيران عن الأنظار بعد وقوع فاجعة وطنية، فبالأمس القريب قتل أكثر من أربعين شخصا على طريق عمومية في حادثة أصبحت تعرف ب "حادثة تشكا"، وبعدها مات العشرات في فيضانات طانطان، واحترق أطفال في سن الزهور في حافلة بعد تصادمها مع شاحنة قيل حينذاك إنها محملة بمواد سريعة الاشتعال... مات العشرات من المواطنين المغاربة، ولم نر وزير النقل، عزيز رباح، يسارع الزمن للوقوف على مكان الفاجعة، أو تحمل المسؤولية فيما وقع. وقبله الوزير غلاب، حينما التقت حافلتان وجها لوجه في واحدة من أفظع حوادث السير بالمغرب، لم ينتقل إلى عين المكان، ولم يحمّل نفسه أو وزارته أية مسؤولية في الفاجعة، في كل مرة تميز وزراء النقل بغيابهم عن الساحة، في الوقت الذي سال مداد كثير حول الموضوع، وساد جو من الحزن على الشعب المغربي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وكذا أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. فيلم "الزين لي فيك"، أحدث ضجة إعلامية كبيرة وسط المغاربة سواء داخل البلاد أو في الخارج، وفي الوقت الذي تساءل الكثيرون عن تأخر وزير الاتصال في التعليق عن الموضوع، خصوصا مسألة تمويل جزء من الفيلم من أموال دافعي الضرائب، كان الوزير منشغلا بدعوة إلى مونتريال لحضور حفل تدشين تلفزة قيل له عنها إنها مغربية، ليتبين له أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى ساعة من البث كل أسبوع، على قناة خاصة يتناوب على البث عبرها مختلف الجنسيات بمقابل مادي. "ب.رضا"، من مونتريال، كتب على صفحته في هذا الموضوع، "وزراؤنا مثل النعامة، كلما أحسوا بمكروه قاموا بدس رؤوسهم في التراب، بدلا من تحمل مسؤولياتهم كاملة"، أما "ع.حسن"، من كيبيك، فدبج تدوينة معلقا على غياب وزراء الحكومة في فاجعة الحجّ، يقول فيها: "بنكيران كان يعني ما يقول حينما صرح ذات يوم أنه قضى كَمْ حاجَةً بالتزامه الصمت". الصمت الذي تقضي به الحكومة المغربية كم حاجة بات يقلق العديد من المواطنين المغاربة، سواء داخل الوطن أو خارجه، وهو ما دفع العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التنديد به، وابتكار أساليب خاصة لتواصل المواطنين فيما بينهم لتوفير أكبر قدر من المعلومات تساعدهم على التهوين عن النفوس من شدة الصدمات التي تحل بالأمة الإسلامية، وبالمغاربة على وجه الخصوص. تعليقا على الموضوع، اعتبر الناشط الحقوقي ورئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات أحمد عصيد، في تصريح لهسبريس، أن إحجام الوزراء عن التعليق عما يحدث يرتبط أساسا بغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، و"هو العامل الذي يعود بدوره إلى طبيعة الأنساق السياسية السائدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط". وأضاف عصيد أن "الأنساق الاستبدادية تجعل المسؤولين الحكوميين يتهربون من إبداء آرائهم أو مواقفهم في أمور يعتقدون أنها محتكرة من قبل جهات أخرى في الدولة وإليها يعود اتخاذ الرأي والقرار فيها، فالزلازل أو الفيضانات تعتبر كوارث وطنية يتمّ إزاءها تحجيم الحكومة بكاملها لإفساح المجال أمام المبادرة الملكية، وما حدث في زلزال الحسيمة جدير بالذكر في هذا السياق، وهو ما كانت له أصداء سيئة جدا في الصحافة الأجنبية، خاصة الإسبانية، وانعكس بشكل سلبي على سمعة المغرب". عصيد اعتبر أن المسؤولين الحكوميين تغلب عليهم "فوبيا" العقوبات الانتقامية، ف"اتخاذ بعض المبادرات أو التصرف ببعض الحرية حتى ولو في أمور إيجابية يجلب عليهم ردود فعل غاضبة، قد تفقدهم مقاعدهم التي يحرصون عليها، وهكذا يتواطأ الجميع على منطق الصمت أمام القضايا المحرجة، التي يؤدي البت فيها إلى كشف طبيعة النسق ككل وعيوبه". وحول "فاجعة مِنًى"، أشار المتحدث إلى أن "ما حدث في السعودية، مثلا، يقدم صورة ناصعة عن ذلك، فالمسؤولون المغاربة يعرفون أن ما حدث هو بسبب أخطاء فظيعة ارتكبها المشرفون على تنظيم الحجّ، والذين من مميزاتهم احتقار الإنسان بدرجة كبيرة، والتعامل معهم كما لو أنهم عبيد أو حشرات"، ونظرا للروابط الريعية التي تصل المغرب بهذا البلد العشائري، وفق تعبير عصيد. وأضاف الناشط الحقوقي ورئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات قائلا: "يحجم المسؤولون المغاربة على التعليق في الوقت الذي نجد فيه بلدا مثل إيران يعبر عن موقف رسمي واضح يطالب فيه بلجنة تقصي الحقائق وبمعطيات دقيقة حول ضحايا هذا الحادث من أبناء الشعب الإيراني، وهو أمر لا يستطيع المغرب القيام به بسبب افتقاده للموقف المستقل". وحول الحادث ذاته، ختم عصيد حديثه بالقول: "في الحقيقة، على كل الدول الإسلامية أن تطالب بالحِجْر على السعودية في موضوع الحجّ، لكي يصبح تدبيره دوليا عائدا إلى العالم الإسلامي، ما دامت السعودية قد برهنت لأكثر من مرة على أنها لا تتوفر على كفاءة إدارة هذا الملتقى الروحي".