شهد المغرب يوم 4 شتنبر الماضي انتخابات جماعية وجهوية تاريخية، تقدمنا إثرها خطوة أخرى نحو الأمام في مسيرتنا الحثيثة نحو الانتقال الديموقراطي. يومُ الاقتراع شكل نقطة النور المضيئة في هاته الانتخابات، إذ شهدنا يومها، عرسا ديمقراطيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. في ذلك اليوم أبان المغاربة عن وعي سياسي كبير وأبانت الإدارة على إرادة ملموسة لمواكبة تطور العملية السياسية في المغرب، تجلت حيادها التام تُجاه العملية الانتخابية. وما إن انتهى هذا اليوم حتى انطفأ النور وحلت مكانه ظلمة المهازل، إذ شكلت تصرفات النخبة السياسية، إبان عملية تشكيل المجالس واختيار رؤساء الجماعات والأقاليم والجهات، النقطة المظلمة في هذا الاستحقاق. فتوٓضح جليا ابتداء من اليوم الذي تلا الاقتراع، أن النخبة السياسية المغربية تمثل للأسف، أكبر معيق لمسلسل التحول الديمقراطي في بلدنا. فبالإضافة إلى مهزلة التحالفات التي سنتطرق إليها، عاينا تصرفات صادمة ومشينة مثل احتجاز مستشارين وتصويت منتخبين ضد مرشح حزبهم (3 من منتخبي الحركة الشعبية في جهة بني ملالخنيفرة كمثال) أو كارثة اختطاف واحتجاز زوجة منتخب. المواطن الذي ذهب للتصويت في أول جمعة من شهر شتنبر، شعر بعد ظهور النتائج وبداية مسلسل المفاوضات لتشكيل المجالس، وكأنه أمام مافيا تبيع وتشتري في نتائج الاقتراع، في احتقار وتجاهل تامين لإرادته. وكأن بالسياسيين يقولون للناخب لقد قمت بدورك البارحة وحان الآن دورنا لنتلاعب بصوتك الذي عبرت عنه في الصندوق ونقتسم الغنائم والمناصب، في تبخيس كلي لصوتك ولإرادتك اللذان عبرت عنهما في الصندوق. في مهزلة التحالفات هذه، شاركت للأسف جميع الأحزاب السياسية المغربية وبدون استثناء ولكن بنسب متفاوتة. فعاين المواطن كيف تمت عملية "اعطيني نعطيك": أعطني رئاسة جهة مقابل رئاسة جماعة أو مجلس إقليمي.. ساندني في الجهة الفلانية مقابل أن أساندك في الجهة أو الجماعة الأخرى.. وذلك رغم أن المواطنين عبروا عن إرادتهم في الصندوق وأفرزوا بأغلبية واضحة من يريدون أن يرَوه في التسيير على مستوى الجماعات والأقاليم والجهات. ولعل ما يلخص هذه المهزلة التي عرفتها فترة المفاوضات وانتخاب المجالس، المصطلحات التي كانت رائجة في جميع الأخبار والتعاليق التي تناقلتها الجرائد الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من قبيل : خيانة، ترحال، إغراءات، اتهامات، نصف الرجولة، انتهازية الخ... لننظر الآن للمستقبل ونحاول إيجاد حلول تُنْهي مع هذه الممارسات المُعيقة للتحول الديموقراطي. فرغم تفهمي في بعض الأحيان، الدوافع والإكراهات التي قد تدفع الأحزاب إلى هذه المهازل نظرا لمنطق التوافق والتوازن و"الوزيعة" الذي تعودت عليه وترسخ تاريخيا لدى الطبقة السياسية المغربية، فإنه يجب علينا جميعا أن نحصن مسلسل الانتقال الديموقراطي بحماية صوت وإرادة المواطنين وذلك بالقطع التام والنهائي مع هذه التصرفات. بدون ذلك سيعرف المسار نحو الديموقراطية انتكاسة قد تعيدنا، لا قدر الله، إلى الوراء. فتبخيس صوت المواطنين يُفرغ العملية الانتخابية من محتواها وسيدفع الناخب حتما إلى العزوف والمقاطعة. تحصين مسلسل الانتقال الديمقراطي مع نخبتنا السياسية هذه، لا يمكن أن يتم في رأيي، إلا بتجويد وإصلاح القوانين الانتخابية وقوانين التحالفات لكي تعكس تركيبة المجالس المنتخبة إرادة المواطنين الناخبين. أقترح لإصلاح مرحلة ما بعد الاقتراع، أن يكون التصويت في إنشاء المجالس حزبيا صرفا، لكي نقطع مع الترحال البَعدي وعدم الانضباط الحزبي الذي يُسفِّه الممارسة السياسية المغربية إلى حد الغثيان. فيُصوت وكيل اللائحة لوحده بعدد المنتخبين الذين ينتمون لحزبه: إذا كان لحزب ما مثلا، أربعة مقاعد يصوت وكيل لائحته لوحده ويحتسب تصويته بأربعة أصوات. ولفرض الإرادة الشعبية على تشكيلة المجلس المنتخب، أقترح أن يترأس المجلس، الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد بين الأحزاب المشكلة التحالف المُسير. ونُلزم في نفس الوقت، كل الأحزاب التي حصلت على مقاعدَ أكثر من الحزب المسير أن تكون إجباريا في المعارضة: أي خارج المكتب. بهذه الطريقة سننهي إن شاء الله مع هذه المهازل التي شوّهت انتخابات غير مسبوقة، ستبقى حتما في ذاكرة التاريخ السياسي المغربي.